رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حرب أمريكية على مصر

 لست ضد أمريكا لكن الأكيد أننى مع مصر وبكل إخلاص أقول لك إن جزءًا من معاناتنا سببه حرب أمريكا على مصر.. الموضوع معقد للغاية وغارق فى العمق لكن له شواهد.. فمنذ أسبوعين فقط صرح «كريس ميرفى»، عضو الكونجرس الأمريكى، أنه يتم دراسة اقتطاع ٨٥ مليون دولار أمريكى من المعونة الأمريكية لمصر بحجة «اعتراضات على ملف حقوق الإنسان».. المسألة ببساطة أن مصر تحصل على معونة قدرها ١٫٣ مليار دولار سنويًا منذ توقيع كامب ديفيد.. يربط الأمريكيون ٣٥٠ مليون دولار منها بما يسمونه «ملف حقوق الإنسان»، وهذا هو اسم التدليل لخضوع مصر للطلبات الأمريكية.. أمريكا مثلًا طلبت من مصر إمداد أوكرانيا بنوع معين من الصواريخ لاستخدامه ضد الجيش الروسى.. ومصر رأت أن هذا ضار بمصالحها أو أنه طلب لا يمكن تنفيذه.. لذلك تصاعدت وتيرة الحرب الأمريكية ضد مصر.. نواب الكونجرس الأمريكى يتحسسون رءوسهم؛ لأن «الدولة العميقة» فى أمريكا لدغتها والقبر.. انظر ماذا حدث لرئيس لجنة العلاقات الخارجية روبرت مينينديز حين أبدى بعض الإنصاف فى التعامل مع مصر.. لقد تم التشهير به واتهامه بتهمة يقوم بها كل أعضاء الكونجرس بشكل علنى.. لذلك ليس غريبًا أن يصرح خليفته فى رئاسة اللجنة «بن كاردين» بأن تخفيض المعونة لمصر يأتى على قائمة اهتماماته.. والسبب «انتهاكات فى ملف حقوق الإنسان».. مسكينة حقوق الإنسان.. فى الحزن مدعية وفى الفرح مدعية.. الرئيس بايدن مثلًا اتهم المملكة العربية السعودية بالمسئولية عن مقتل الصحفى جمال خاشقجى وقال إنها ستظل «منبوذة» وبعد أقل من ثلاثة أعوام ذهب يطلب صفقات ويتحدث عن أموال ويتوسط فى التطبيع.. هذا أمر طبيعى.. المصالح تتصالح.. النقود تتحدث.. أو كما قال الحكيم المصرى «ظرفنى- أى أعطنى ظرف النقود- تعرفنى».. هكذا ببساطة.. مصر تقوم بخطة عملاقة كى تتحول لمركز لوجستى عالمى.. المشكلة أن هذه الطرق والموانئ والأنفاق والقطارات يمكن أن تصبح جزءًا من ممر «الحزام والطريق» الصينى.. إن اسم «الحزام والطريق» يسبب لأمريكا أرتكاريا حادة.. يصيب المسئولين فيها بنوع من الحساسية.. لو لم يكن الأمر كذلك لما أشرفت أمريكا بنفسها على إبرام صفقة ممر «الهند- إسرائيل- أوروبا» ولما شجعت دول الخليج الشقيقة على إنفاق مئات المليارات كممول لهذا الممر.. طبيعى جدًا أن تفكر أمريكا فى عقاب مصر وأن يبخل الخليج على تمويل مشروعات مصر ببضعة مليارات لا تساوى شيئًا بالنسبة لتكلفة ممر «الهند- إسرائيل».. إن مشروعات مصر ثقيلة الظل بالنسبة للرئيس بايدن.. إن تمويل الخليج لها قد يغضبه والخليج أبدًا لم ولن يُغضب أمريكا.. هذه هى القصة باختصار.. أو للدقة هذا جزء من القصة باختصار.. هل تريد دليلًا آخر.. ارجع بالزمن لعام ٢٠١٥.. وقتها كان الرئيس الأمريكى هو «دونالد ترامب» وهو جمهورى محافظ وسياسى واقعى.. كانت نظرة ترامب لمصر مختلفة، وكان تنظيم داعش مازال خطرًا كبيرًا على المنطقة وكانت أمريكا تعرف أن مصر هى الوحيدة القادرة على التصدى لخطر الإرهاب.. كانت المعادلة مختلفة.. وقتها حدث سوء تفاهم أدى لتوقف واردات النفط من شركة أرامكو لمصر لبضعة أيام.. أجرى ترامب اتصالًا تليفونيًا واحدًا بالأشقاء فى المملكة.. تم حل المشكلة من جذورها.. لأن أمريكا أرادت ذلك.. هكذا ببساطة واحد زائد واحد يساوى اثنين.. هذه هى السياسة الشمس تدور حولها الكواكب.. الكبير يفرض إرادته على الصغير.. القوى يوجد من هو أقوى منه.. المشاغبات فى عالم السياسة موجودة.. السعودية تشاغب أمريكا أحيانًا، ولكن التحالفات الاستراتيجية لها الكلمة النهائية لأنها تتعلق بحقائق الوجود نفسه.. هل لأمريكا علاقة بأزمة التضخم فى مصر؟ نعم تتحمل جزءًا من الأسباب؟ هل أمريكا تؤثر على البنك الدولى وتمنعه من تمويل مصر بالعملة الصعبة؟ نعم أمريكا تؤثر على كل شىء فى العالم حتى على الطيور فى غابات الأمازون.. هل هذا الوضع سيستمر للأبد؟ لا يوجد وضع يستمر للأبد.. وارد أن تتغير السياسة الأمريكية مع مجىء رئيس جديد فى نهاية ٢٠٢٤، ووارد أن تتحمل مصر الضغوط وننجح فى تحويل مصر لمركز لوجستى عالمى، ووقتها تتغير قواعد اللعبة.. ما أسوأ خطأ يمكن أن نقع فيه؟ أسوأ خطأ هو أن نتخيل أن العيب فينا؛ لأننا حلمنا ونفذنا أحلامنا وأن نبرئ عدونا ومن يعادينا.. إن أخطر ما تقع فيه أمة أن تلوم نفسها على الحلم وأن تعجب بوجهة نظر عدوها فيها.. هل هناك مصريون يفكرون بهذه الطريقة؟ نعم توجد قطاعات من النخبة تفكر بهذه الطريقة وتتبنى النظرة الدونية للذات المصرية وتلوم الإدارة المصرية على تبنيها رؤية طموحة وتسعى لإيقاف تنفيذ هذه الرؤية والتقليل منها بالتحالف مع الجماعة الإرهابية وذيولها.. هل معنى هذا أن الإدارة المصرية لم تخطئ أو أنها لا تخطئ؟ لا هناك أخطاء وقعت وتقع، ولكن علاجها ليس فى التوقف عن العمل، ولكن فى الإصلاح المستمر للأخطاء وفى تخفيف الغلاء عن الناس واستدعاء القطاع الخاص للمشاركة بعد أن اتضحت أسس الرؤية.. الحل أن نواصل العمل والإصلاح فى نفس الوقت وبأقصى سرعة.