رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"المقابر الجماعية".. قنبلة بيئية ونفسية فى "درنة" حذرت منها الأمم المتحدة

مقابر درنة الجماعية
مقابر درنة الجماعية

بعد كارثة درنة "الليبية" التي أبكت العالم، لم يوجد سوى المقابر الجماعية سبيلًا لدفن الأعداد المهولة من ضحايا الإعصار "دانيال" الذي ضرب ليبيا، في وقت حذرت فيه الأمم المتحدة من أن المقابر الجماعية تشكل خطرًا صحياً ونفسيًا كبيرًا، فيما تزداد أعداد المقابر الجماعية في ليبيا مع غياب طريقة أخرى لدفن تلك الأعداد الضخمة.

وضع الجير الحى فوق الجثث يقلل الضرر

في حديثه، لـ"الدستور"، قال المهندس أحمد السعود، رئيس جهاز شئون البيئة السابق، إن هذه المقابر قد تكون بالفعل ضارة وخطرة على البيئة إذا لم يتم الدفن فيها وفق الاشتراطات الصحية والبيئية السليمة، موضحًا أنه يجب أن تكون بعيدة عن مصادر المياه الجوفية حتى لا تلوثها، كما يجب أن تكون بعيدة عن التربة الزراعية لذات السبب.

وتابع "أبوالسعود" أن جثث الموتى عبارة عن مواد عضوية تتحلل مع الوقت، وقد ينتج عنها انتشار الحشرات إذا لم يتم دفنها بطريقة سليمة.

وأشار رئيس جهاز شئون البيئة السابق إلى أنه من الأفضل إضافة بعض المواد التي تسرع من التحلل، وتساعد في قتل البكتيريا مثل الجير الحي، موضحًا أنه لا بد كذلك من إجراء عمليات الدفن تحت إشراف كل الجهات المتخصصة، مثل وزارتى البيئة والصحة، لافتًا إلى أنه بذلك قد يكون الضرر الناتج عن هذه المقابر قليلًا ولا يذكر.

تكون بعيدة عن المياه الجوفية

في الوقت ذاته، أكدت الخبيرة البيئية الدكتورة مها بشير أنه لا بد من دفن الجثث بطريقة تضمن عدم تسلل مياه منها لكي لا تتسرب هذه المياه إلى المياه الجوفية مسببة تلوثها، كما أوضحت أنه يجب الدفن كذلك في اتجاه معاكس للرياح، وذلك لكي لا تحمل التيارات الهوائية الغازات التي تنبعث من الجثث إلى داخل الكتل السكنية ناقلة التلوث إليها.

كما أضافت "بشير" أنه في حال الجثث كانت حاملة لوباء فإنه يخرج منها أثناء عملية التحلل سائل يعرف باسم "عصارة المقبرة"، وذلك وفق دراسة حديثة أكدت أن هذا السائل قد يؤثر على البيئة الحضرية المحيطة، كما أنه غني بالأملاح المعدنية والمواد العضوية التي تعتبر شديدة السمية للكائنات الحية، وقد تكون مرتبطة أيضًا بأمراض مثل السرطان.

وتابعت أن هذه العملية لا تحدث بين يوم وليلة، ولكنها تستغرق وقتًا لتتراكم وتبدأ في الانطلاق من الجسم المتحلل بعد ثلاث سنوات تقريبًا، مشيرة إلى أنها تعتمد على عدة عوامل منها مناخ المدافن.

لماذا التحذير منها حاليًا وإهمالها سابقًا؟

من جهة أخرى، قال رئيس مركز بحوث المناخ بوزارة الزراعة، الدكتور أيمن الرفاعي، في حديثه "للدستور"، معلقًا على تحذير الأمم المتحدة ومتسائلًا في الوقت نفسه: "لماذا تحذر حاليًا الأمم المتحدة من خطورة المقابر الجماعية وتتغافل عن المقابر الجماعية التي خلفتها حروب الدول المستعمرة على الدول الأخرى سابقًا، مثل المقابر الجماعية في العراق وغيرها؟"، مشيرًا إلى أن هذا التحذير الذي يعد الأول من نوعه على الرغم من عدم استحداث المقابر الجماعية يدعو إلى الشك والريبة في النوايا الحقيقية وراءه.

كما أضاف أن هناك ممارسات أخرى هي الأكثر ضررًا وخطورة على البيئة، مثل النفايات النووية التي تقوم بها بعض الدول الكبرى، وكذلك البقع البترولية في البحار وما إلى غيرها من ممارسات تفعلها تلك الدول وتضر البيئة بشكل كارثي.

عذاب نفسى لذوى الضحايا

وقال الدكتور جمال فرويز، الاستشاري النفسي، لـ"الدستور"، إن المقابر الجماعية تمثل عذابًا لأهالي الضحايا، خاصة الأمهات منهم، والذين ما زال الكثير منهم في حيرة بشأن مصير أبنائهم هل ماتوا أم ما زالوا أحياء، وفي حال علموا أنهم بين رفات المقابر الجماعية فهم كذلك سوف لا يعرفون أيًا من المقابر تحوي أجساد أبنائهم وذويهم، وهو ما يمثل لهم ألمًا ليس فقط لفراق أحبائهم بل سيصبح الألم مضاعفًا لكونهم لا يستطيعون الوصول إلى جثة ذويهم وإلقاء النظرة الأخيرة عليهم.

 العراق وسوريا والسودان شهدت المقابر الجماعية

وكان قد أعلن الجيش العراقي منذ 3 سنوات عن العثور على مقبرة جماعية تضم 50 جثة في كركوك، موضحًا أن الجثث في كركوك تعود لضحايا أعدمهم تنظيم داعش.

وخلّف التنظيم عشرات المقابر الجماعية في المناطق التي وقعت تحت سيطرته، حيث قام بتصفية الآلاف من خصومه ميدانيًا ودفنهم في مقابر جماعية.

ووفق تقرير صادر عن بعثة الأمم المتحدة في العراق "يونامي" عام 2018، فإنها وثقت وجود 202 موقع للمقابر الجماعية لضحايا "داعش" في محافظات نينوى وكركوك وصلاح الدين (شمالا) والأنبار (غربا).

كما تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن عدد الضحايا في المقابر الجماعية يتراوح بين 6 و12 ألفًا، إذ لا تزال السلطات المحلية العراقية تستخرج رفات الضحايا تدريجياً.

وفي الرقة شمالي سوريا، انتشل عدد كبير من الجثث من أكبر مقبرة جماعية جرى اكتشافها قرب المدينة، التي كانت معقلًا لتنظيم داعش الإرهابي، قبل تقهقره، وفق ما ذكرت مصادر "سكاي نيوز عربية".

وتعتبر المقبرة الجماعية في منطقة البانوراما هي الأكبر في المدينة، إذ قدرت الفرق الطبية، وجود أكثر من 1500 جثة دفنت فيها خلال سيطرة التنظيم الإرهابي عليها.

أما في السودان، وتحديدًا في غرب دارفور، وهي تجمع حكومي يضم ممثلين من جميع الجماعات العرقية، فقد كُشف مؤخرًا أن أكثر من ألف شخص دُفنوا في 30 مقبرة جماعية في الولاية.

يذكر أن الإعصار "دانيال" قد تسبب في فيضانات ليبيا التي خلّفت 11 ألفا و300 قتيل، إضافة إلى 10 آلاف و100 مفقود، حسب تقدير الأمم المتحدة.