رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العميد محمد عبدالمنعم: الجنود المصريون صعدوا ساتر بارليف بأظافرهم حتى ينتقلوا إلى أرض سيناء

الدكتور محمد الباز
الدكتور محمد الباز والعميد محمد عبدالمنعم

- قبل الحرب «عملنا محاكاة لمعركة كاملة» وبنينا واجتزنا أكثر من ساتر ترابى

- خدعنا العدو بـ«رحلات العمرة» وتسريح الجنود وتحريك القوات من الأمام إلى الخلف 
- قوارب العبور كانت مخبأة تحت شجر وكلمة السر الخاصة بنفخها: «الستات حوامل»

- أكثر من 300 محاولة لاختراق الساتر الترابى فشلت حتى جاءت فكرة خراطيم المياه

- المهمة الأولى بعد العبور كانت السير لمسافة ٥ كم من «خط بارليف»

كشف العميد محمد عبدالمنعم يوسف، قائد الفصيلة الثالثة التابعة للسرية الأولى فى «الكتيبة ٣٣٥ مشاة» بلواء النصر فى حرب السادس من أكتوبر، عن تفاصيل ما جرى يوم الحرب، الذى لم يعلموا به حتى لحظة العبور.

وتحدث العميد «عبدالمنعم»، خلال لقائه مع الإعلامى الدكتور محمد الباز، فى برنامج «الشاهد» المذاع عبر قناة «إكسترا نيوز»، عن أبرز الاستعدادات التى سبقت الحرب، وكيف تمكن الجيش المصرى من خداع العدو الإسرائيلى بمجموعة من القرارات التى جعلت الجميع يعتقد أن خيار الحرب مستبعد.

كما أشار إلى طريقة التعامل مع جثامين الشهداء، وموعد أول رد فعل إسرائيلى بعد العبور، وكيف دمرت فصيلته ١٢ دبابة إسرائيلية فى أيام معدودة، وغيرها من التفاصيل الأخرى فى السطور التالية: 

■ بداية.. متى التحقت بالكلية الحربية؟

- دفعتنا كلها كانت فى كليات عادية بالجامعة، وأنا تحديدًا كنت فى كلية الزراعة، قبل أن ألتحق بالكلية الحربية عام ١٩٧٠، عندما أعلنت عن قبول دفعة استثنائية، وكان عددنا وقتها ٦٠٠ طالب ضمن «الدفعة ٦١».

سافرت إلى السودان وبقيت هناك لمدة عام، لأن الكلية الحربية بعد «حرب ٦٧» كانت مستهدفة من إسرائيل، فتم تقسيم طلابها إلى نصفين، الأساسى والإعدادى، ذهبوا إلى السودان، والمتوسط والنهائى ذهبوا إلى نادى الشمس.

تخرجت فى الكلية عام ١٩٧٢، لأن وقتها القوات المسلحة كانت تعمل على تخريج دفعات كثيرة من أجل تعويض النقص فى عدد أفرادها، الذى نتج عن «حرب ١٩٦٧».

فور التخرج التحقت بـ«الكتيبة ٣٣٥ مشاة»، وكنت قائد فصيلة مشاة، وكانت أول منطقة أخدم بها هى «جبل مريم»، التى تطل على بحيرة التمساح وقناة السويس، ومنها كنا نرى كل شىء فى سيناء، لأنها كانت أعلى من «خط بارليف»، كنا نرى تحركاتهم ودورياتهم «الرايحة والجاية»، وكنا نشعر بالغضب لأنهم «مبرطعين فى أرضنا».

■ كيف كان يتم إعداد الجنود للحرب عسكريًا ونفسيًا؟ 

- كل فرقة كان بها ٣ لواءات، لواءان على شط القناة للدفاع، واللواء الثالث فى الخلف يتدرب، وكل لواء يتدرب ٦ أشهر، ثم يعود، ويذهب لواء آخر مكانه، كان تدريبًا قاسيًا ومستمرًا على العبور، ونفس ما كان يحدث فى شرق القناة كنا نفعله فى «الخطاطبة» أو «ترعة الإسماعيلية»، حيث كنا نتدرب بالقوارب فى «القناة» و«الخطاطبة».. وعملنا محاكاة لمعركة بالكامل، وبنينا ساترًا ترابيًا واجتزناه.. «لما دخلنا المعركة كنا مذاكرين كويس».

■ متى اشتركت فى هذه التدريبات؟

- اشتركت فى هذه التدريبات خلال أكتوبر ١٩٧٢، ثم شاركت مجددًا فى مارس ١٩٧٣، ونفذنا «مشروعًا تكتيكيًا».. «دخلنا عارفين مهمتنا، كنا بنعمل تدريبات باستمرار».

■ هل كان الجنود يشعرون بالقلق من تأخر قرار العبور؟

- إحنا كنا عايزين نعدى ونعبر «خط بارليف»، وفى كل فترة خلال التدريبات كنا «بنعمل ساتر ترابى»، لكن ارتفاعه أقل، وكانت «سَرية» من السرايا المصرية تحتل هذا الساتر، فكان الإسرائيليون يعتقدون أننا هنعبر فيأخدون استعداداتهم، ما كان يكلفهم مبالغ طائلة، علمًا بأن هذا تكرر ٣ مرات.

حتى سبتمبر ١٩٧٣ لم يكن لدى أفراد القوات المسلحة أى معلومة عن موعد العبور، ولم يعرفوا نهائيًا أنه سيكون فى ٦ أكتوبر، لكن كانت تُجرى تجهيزات للحرب فى إطار التمويه الذى تمارسه القوات المسلحة.

مثلًا، كانت لدينا تحركات من الأمام إلى الخلف، مدفعيات تنسحب من الأمام إلى الخلف، وفى الليل كانت تحتل أماكنها مرة أخرى، كما كان يتم تحريك أسلحة على الطرق العرضية.

■ ما السؤال الذى كان يلح الناس عليكم به فى فترة الإجازات؟ 

- فى الإجازات التى سبقت الحرب كان الناس يسألوننا: «متى ستحاربون؟.. متى ستعبرون لتحرير الأرض؟»، وكان ردى: «هانت إن شاء الله».. كنا نتدرب، وبالتأكيد كان غرض هذا التدريب هو الحرب وتحرير الأرض.

كتيبتنا كانت تمتد لـ٤ كم فى شرق القناة، من «جبل مريم» حتى «سرابيوم» فى الإسماعيلية، ولكن فى الهجوم كنا نضيق هذه المسافة، وفى الأول من أكتوبر ١٩٧٣ بدأت الكتيبة تضيق، وقيل لنا إن هذا يحدث للتدريب أو التمويه، حتى وجدنا الدبابات احتلت أماكنها فى ٤ أكتوبر، وهناك دبابات أصبحت موجودة فى «جبل مريم»، أما العدو فقد كان أعمى ولم يكن يدرك حقيقة ما يحدث.

■ قبل حرب أكتوبر بـ٤٨ ساعة تم تسريح ٢٠ ألف جندى خرجوا إلى الاحتياط، ثم عادوا مجددًا بالتدريج، وكان ذلك قرارًا تكتيكيًا، وأعلنت القوات المسلحة عن رحلة عمرة، فهل يمكن لأى دولة تريد الحرب أن تجعل ضباطها يؤدون شعائر العمرة؟!

- لم تكن هذه الرحلة حقيقية، ولكنها كانت مجرد إعلان للتمويه، حتى تعتقد إسرائيل أننا لن نحارب، وبحلول السادس من أكتوبر كان الجميع فى مكانه، لكننا لم نكن نعلم متى سنحارب أيضًا.

■ ما تفاصيل ما حدث صباح ٦ أكتوبر ١٩٧٣؟

- كنا نستيقظ مبكرًا ونرى القناة أمامنا، والإسرائيليون لديهم مدرعة للمراقبة بها أفراد وتليسكوبات، وكان بيننا ٢٠٠ متر، كانت المدرعة تغادر الساعة ٢ الظهر، لكن يومها غادرت الواحدة والنصف، وكان كل منا فى مكانه.

الساعة ١٢ ظهرًا مر قائد السرية علينا، وقال لنا: «يا رجالة هنعدى قناة السويس النهاردة الساعة ٢.٢٠»، عدينا على العساكر، وكل واحد بقى يتمم على الأكل بتاعه والسلاح وكل شىء، حتى يكون الجميع جاهزًا، ولم نصدق أننا سنعبر، لكننا نفذنا الأوامر، ولم نعلم «ساعة الصفر» إلا لحظة العبور.

الساعة الواحدة والنصف ظهرًا صدرت الأوامر بنفخ القوارب، التى كانت مخبأة تحت شجر، ولم تعلم إسرائيل شيئًا رغم الأقمار الصناعية التى كانت تمتلكها، وكانت تُستخدم فى رصد كل شىء.

المدفعية والدبابات دخلت مرابضها حتى يتم تجهيزها للعبور، وعندما تمت عملية نفخ القوارب كانت كلمة السر التى أبلغنا بها القادة هى: «الستات حوامل»، أى أنها أصبحت مملوءة بالهواء وتم نفخها.

بعد نفخ القوارب غطيناها بالأشجار، وحتى الثانية ظهرًا لم نكن نعلم متى سيكون موعد العبور بالضبط، وفى الثانية و٥ دقائق وجدنا الطيران المصرى يطير فوق رءوسنا مباشرة، لم يحلّق على ارتفاع عالٍ حتى لا تلتقطه رادارات العدو، وهو ما جعلنا نطمئن ونعلم جيدًا أن العجلة دارت.

بعد ٥ دقائق شاهدنا الدخان وألهبة النيران تتصاعد، وسمعنا الانفجارات فى جانب العدو، وأنهى الطيران المصرى مهمته فى ١٠ دقائق تقريبًا، ثم عاد إلى قواعده مرة أخرى، وكان من المفترض تنفيذ ضربة جوية أخرى بعدها بثلث ساعة، لكنها أُلغيت، لأن الضربة الأولى حققت الغالبية العظمى من الأهداف، تقريبًا ٩٥٪ من الأهداف.

بعد عودة الطيران المصرى بدأت المدفعية تضرب على النقطة القوية فى «خط بارليف»، لأن المدفعية لا يمكن أن تضرب والطيران المصرى فى الجو، وفى القصفة الثانية ضُربت الاحتياطيات، وفى الثالثة ضُربت النقطة القوية مرة أخرى، ولم ننتظر أن تنتهى المدفعية من إنهاء مهمتها، أخذنا القوارب ونزلنا المياه.

■ صِف لى ملامح عبور الجيش المصرى خط بارليف؟

- لم يكن عبور «خط بارليف» أمرًا هينًا على الإطلاق، فقد كان عدد القوارب غير كافٍ للعبور الكامل، لذا كانت تُسحب القوارب بالحبال عبر موجات المياه، من أجل حمل باقى الجنود، إلى جانب الاستعانة بسلم خشبى مرفق بحبال قوية متينة، من أجل نقل الجنود والمدافع من خلال «خط بارليف».

ويمكن القول إن «خط بارليف» من الضفة الشرقية كان ارتفاعه شاهقًا بصورة غير متوقعة، حتى إنه وصل إلى ٢٥ مترًا، بقوة ميل أقل من ٤٥ درجة، فكان الصعود أمرًا مرهقًا للغاية، لذا كان من الضرورى استخدام هذه الحبال المرفقة بدرجات السلم المصنعة من الخشب، من أجل الصعود بالمدافع الثقيلة.

■ ما أولى عمليات الجيش المصرى بعد العبور؟

- بعد العبور مباشرة نُفذت المهمة الأولى المطلوبة من الجنود، وهى السير لمسافة ٥ كم من «خط بارليف»، مع وضع المواقع الدفاعية عند هذه المسافة، وبعد انتهاء اليوم الأول سُحبت «لنشات» محملة بطرمبات مياه، من أجل إذابة «الساتر الترابى».

وأجريت على نماذج مماثلة لهذا «الساتر» أكثر من ٣٠٠ محاولة لاختراقه، لكنها فشلت جميعًا، قبل أن تأتى محاولة اللواء باقى زكى يوسف، الذى كان يعمل فى سلاح «المركبات- الفرقة ١٩»، وكان مهندسًا منتدبًا فى السد العالى من قبل، واستغل معرفته بهذا الأمر، وأخبر قائد الفرقة بأنه يمكن اختراق «خط بارليف» من خلال استخدام خراطيم مياه يتم سحبها من خلال «طرمبات».

■ كيف كان موقع إنشاء خط بارليف نقطة فوز للمصريين؟

- إنشاء اليهود «خط بارليف» على قناة السويس خدم الجنود المصريين كثيرًا عند تدميره، بعدما اُستخدمت المياه فى إزالة «الساتر الترابى»، فذاب هذا الساتر فى قناة السويس، دون تشكيل أى عائق عند العبور.

هذه الإذابة حدثت من خلال «طرمبات مياه» استوردناها من ألمانيا باسم وزارة الزراعة، من أجل «تمويه» العدو، وبالفعل استقبلت الوزارة هذه المعدات فى مخازنها، وقبل الحرب بأيام تم توزيعها على فرق المهندسين.

وفتحنا «الساتر الترابى» من خلال إحداث ٨٥ فتحة على طول خط المواجهة البالغ ١٨٠ كم، وكانت الفتحة الواحدة بها ١٥٠٠ متر مكعب من الرمال، لذا بلغ إجمالى هذه الفتحات ١٧٢.٥٠٠ متر مكعب من الرمال، والفتحة الواحدة كانت بحاجة إلى نصف مليون رجل لاختراقها بمعدات الحفر المعتاد عليها.

ويمكن القول إنه تمت إزالة «الساتر الترابى» العملاق فى ٦ ساعات فقط، وبعد ذلك عبر عدد من «اللوادر» من أجل تنظيف المياه، وذلك لتسهيل الباقى من عملية العبور.

■ متى بدأ الجيش المصرى يرى رد الفعل الإسرائيلى؟

- أول طيران للعدو الإسرائيلى شاهده أفراد القوات المسلحة المصرية بعد الضربة الجوية الأولى فى تمام الساعة ٢.٠٥ ظهر السادس من أكتوبر ١٩٧٣، كان فى فترة المغرب، رغم أن الجيش الإسرائيلى كانت لديه قوات موجودة على «خط بارليف» أو فى الاحتياطيات، تمثل ثلث قوته، والثلثان المتبقيان غير موجودين، لأنهما احتياط يتم استدعاؤهما وقت الحاجة.

■ لماذا تم اختيار يوم ٦ أكتوبر للعبور؟ 

- يوم ٦ أكتوبر اُختير للعبور لأنه عيد لدى الإسرائيليين، والإذاعة والتليفزيون متوقفان هناك، ولن يتم استدعاء الاحتياط، حتى عندما استدعوه كنا قد حققنا المهمة المباشرة، وهى الوصول إلى ٥ كم من «خط بارليف».

حلّ الليل علينا ولم نرَ أى دبابات أو مدفعية، قبل أن يبدأ العدو فى الاستفاقة وإرسال هجماته المضادة فى اليوم التالى، لكن الدبابات المصرية والمدفعية والمشاة الميكانيكى كانوا قد عبروا.

وفى السابع من أكتوبر بدأنا نرى الدبابات الإسرائيلية، التى حاولت إعادتنا إلى مكاننا مرة أخرى، فاشتبكنا معهم، وكان المشهد عظيمًا، مشهد الصاروخ المصرى الذى يصيب دبابات إسرائيل العملاقة فيحولها إلى كتلة نار مشتعلة.

كانت توجد لدى كل قائد فصيلة قناص، وكان معى قناص جميع ضرباته صائبة دون تفكير، وكنت آمر هذا القناص بالتصويب على قائد دبابة العدو، ثم بعد ذلك التخلص من الدبابة بالكامل.

والفصيلة الثالثة التى كنت قائدها دمرت ١٢ دبابة، منذ ٦ أكتوبر حتى وقف إطلاق النار، وكنا نستخدم هذا القناص حتى ١٤ أكتوبر، ثم بدأنا فى استخدام الـ«آر بى جى» والمدافع بعد استشهاد هذا القناص، الذى حاول الانتقال من نقطة إلى أخرى أثناء القصف، لكن دانة استهدفت الحفرة التى انتقل إليها.

■ وماذا عن اليوم التالى؟

- فى يوم ٨ أكتوبر وصلنا أمر بتطوير الهجوم، وتحركنا الساعة الواحدة والنصف، وكنا ندمر الدبابات الإسرائيلية حتى وصلنا إلى المكان المطلوب، وهو التبة، فأرسل العدو إلينا جحافل من الدبابات، أصبحت وسط قواتنا، لكن الجيش ظل صامدًا رغم أن ذخائره كانت على وشك النفاد.

كانت هناك دبابة إسرائيلية قُطع جنزيرها، وكان رشاشها يضربنا عشوائيًا، فاُستشهد كثيرون منا بسببه، وكان ظلام الليل سيد الموقف، ولهذا فإن استخدام «آر بى جى» أو مدفع لوقف هذه الدبابة كان أمرًا يستحيل حدوثه.

كانت لدينا مدافع يرجع تاريخها لأيام الحرب العالمية الثانية فى مخازننا، تصيب مرة وتتوقف عشرات المرات، ولهذا طلبت من العسكرى تجربة هذه المدافع، خاصة أنه لا يوجد خيار آخر أمامى، وشاء الله أن تصيب الطلقة الأولى دبابة العدو وتحولها إلى كتلة نار مشتعلة، وخرج قائدها سريعًا متحدثًا العربية، قائلًا: «عاوز أعيش»، لكن الجنود المصريين أخذوا ثأرهم كاملًا من هذا اليهودى.

وفى ٩ أكتوبر تم تزويد الجيش المصرى بالذخيرة، بعد أن أرسل العدو عددًا كبيرًا من الدبابات والمعدات الحربية الثقيلة، التى جعلت الجيش المصرى يتراجع للخلف ويترك نقطة التبة. ويوم ١٤ أكتوبر كان صعبًا جدًا، لأن الجسر الجوى الأمريكى بدأ يدخل المعركة وكان القتال عنيفًا.

■ كيف كان يتم تزويدكم بالذخيرة؟ 

- فى يوم ٩ أكتوبر صباحًا لم تكن معنا ذخيرة كثيرة، فى حين أن الكثير من الدبابات قادمة علينا، لذا انسحبنا وأبلغنا المدفعية الخاصة بنا، فبدأت المدفعية فى الضرب حتى سوت دبابات العدو بالأرض، وقضت على الهجوم كله. وبعد الانتهاء من هذا الهجوم القادم علينا، جاءنا تعويض بالذخيرة من خلال عربيات، وهذا ما يطلق عليه «معركة الدبابات الكبرى».

■ هل كان هناك إصرار من الجنود على الصيام؟

- عدد كبير من الجنود كانوا صائمين وقت العبور، رغم أنه منذ يوم ١٤ حتى ٢٢ أكتوبر كانت هناك هجمات مضادة ومتبادلة، وكنا صامدين فى أماكننا لا نتحرّك، فى حين أن العدو كان يريد زحزحتنا من أماكننا.

كنا صامدين فى أماكننا، وأجهضنا كل الهجمات المضادة حتى وقف إطلاق النار يوم ٢٢ أكتوبر، ومعرفتنا بالجسر الأمريكى لم تؤثر على نفسيتنا بشىء.

■ هل قرار وقف إطلاق النار نُفذ بمجرد صدوره فورًا؟

- قرار وقف إطلاق النار صدر قبل ٢٢ أكتوبر، الساعة ١٨:٥٢.. قبلها بنصف الساعة ضربت كمية كبيرة من المدفعية على المواقع عندنا، لدرجة أننا نزلنا الحُفر الخاصة بنا، وكان كل جندى فينا منتظر الدانة القادمة تأتى فى الحُفر.

نزلت أنا و٤ أفراد معى فى حفرة، وفضلنا قاعدين منتظرين الدانة القادمة تأتى فى الحفرة، حتى هدأت الدنيا تمامًا، وتأكدنا أنه لا يوجد ضرب، وخرجنا من الحُفر وكلنا ننظر إلى بعضنا ونضحك.. فى هذه اللحظة وجدت آخر شهيد عندى فى الفصيلة، كان الشهيد حجاج، رحمه الله.

لقيت العسكرى حجاج نائم ويتنفس بصعوبة، ولم يكن هناك دم، نزعت السترة عن صدره فوجدت شظية أصابت قلبه، تنفس مرتين ثم استشهد بعدها مباشرة، قمنا بلفه بالبطانية وحفرنا حفرة ووضعنا عليها خوذته. 

■ كيف كان يتم التصرف مع الشهداء فى المعركة خلال هذا التوقيت؟ 

- كل مقاتل يُستشهد كنا نحفر حفرة ونضعه فيها ونغطيه بالرمل، ثم نضع خوذة فوق المكان، بحيث يكون معروفًا بأن فى هذا المكان شهيد. 

بعد انتهاء الحرب، جاءت عربات من قيادة الجيش، وبها أكياس بلاستيك طويلة، وتم إخراج الجثث ووضعها فى هذه الأكياس، ثم رصد البيانات الخاصة بكل شهيد، ثم نقل كل الجثث إلى مقابر الجيش. بينما جاء اليهود بـ«الحاخامات» ليأخذوا جثث جنودهم، وقد كنت موجودًا وقت مجىء المشرف الإسرائيلى من أجل جمع جثثهم.

■ ما سر المقاتل المصرى فى رأيك؟

- سر المقاتل المصرى أنه مؤمن بقضيته، مصر لم تعتدِ على إسرائيل، إحنا دخلنا أخدنا أرضنا، الجندى المصرى هو جندى صلب، لا يقف أمامه شىء، يصنع المستحيل، هناك جنود صعدوا «الساتر الترابى» بأظافرهم، حتى ينتقلوا إلى الجهة الأخرى، ويتمكنوا من استرداد أرضهم.. الجندى المصرى خير أجناد الأرض.

هل وثقت يوميات معركة أكتوبر؟ 

- وثقت يوميات معركة أكتوبر بعد انتهاء الحرب، فوقت الحرب كان كل تفكيرنا فى الحرب، لا نفكر فى أهلنا ولا «فى أى حد خالص غير فى المعركة اللى إحنا فيها».

اشتريت كشكول بـ١٦٥ مليم، وقلم رصاص، وقعدت مع شاويش الفصيلة اسمه «زين» كان من السويس، وفى البداية كتبت مقدمة بالقلم الرصاص، إهداء لشباب مصر، ثم المقدمة، ومن ثم بدأنا نحكى تفاصيل كل يوم، من الفترة قبل ٦ أكتوبر، الفترة اللى كنا قاعدين فيها على القناة، مع المدنيين، كانت أحلى أيام عشناها، قبل الحرب وأيام الحرب. كتبت تفاصيل كل يوم ساعة بساعة بالرصاص، بعد كده كتبتها بالحبر، ولما الكمبيوتر ظهر كتبتها عليه، ثم أعطيتها لمصحح لغة عربية، لكننى لم أصدرها ككتاب، وما زالت موجودة عندى فى البيت، وطابع منها أكثر من نسخة.