رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إيكاروس الفائز بجائزة أفضل عرض.. تجسيد جمالى لحلم الخروج من المتاهة

عرض «إيكاروس
عرض «إيكاروس

توج عرض «إيكاروس- من أجل الجنة»، إخراج أحمد عزت الألفى بجائزة أفضل عرض بالمهرجان التجريبى، كما حصل بطله خالد رأفت على جائزة أفضل ممثل، ورشح مخرجه لجائزة أفضل مخرج.

والعرض نتاج تعاون وإنتاج مشترك بين أحمد عزت الألفى مخرج العرض، وفرقة الورشة بهانوفر، والنص من تأليف «بندبكبت ونيوشتاين وكلاوس أوفر كامب وكريستيان شايدولوفسكى»، وأعد النص وترجمه للعربية محمد هجرسى وأحمد عزت الألفى.

ويتناول العرض رحلة المهندس داديلوس وابنه إيكاروس داخل المتاهة، تلك المتاهة التى صممها المهندس بناءً على طلب الملك الطاغية حتى تكون سجنًا بلا جدران، ليحبس بداخلها الميناتور «هو كائن نصف بشرى ونصف ثور»، الذى أنجبته الملكة نتيجة علاقة مع ثور.

ولكن حين يعرف الملك أن المهندس هو من ساعد الملكة فى الوصول للثور، بعدما نحت لها تمثالًا لبقرة مثيرة لتختبئ داخلها وتلفت انتباه الثور، يقرر الملك حبس المهندس داديلوس وابنه إيكاروس فى المتاهة انتقامًا منه، فهل يستطيع الإنسان الذى صنع المتاهة أن يجد مخرجًا وينتصر على نفسه.

كان إيجاد المخرج هو الشغل الشاغل للمهندس، كيف ينتصر على المتاهة التى صنعها، بينما كان كل ما يشغل الابن «إيكاروس» الحرية- العودة إلى الأم والانفلات من سيطرة الأب، كان رافضًا تمامًا لنموذج أبيه، ولا يريد على كل الأحوال أن يشبهه، يطمح للانفلات من القيد حتى لو طوح به هذا الانفلات إلى نقطة لا رجوع منها. 

يحاول الأب إحكام السيطرة على الابن/ الطفل، حتى لا ينفلت منه فى المتاهة، فيستعير دور الأم إرضاءً للابن، فيروى له الحكايات، ويغنى له، ويشاركه الألعاب، فيصير الحكى والغناء واللعب آلياته للهيمنة حتى لا يخسر ابنه، فهل يستطيع الأب بسلطويته أن يستعير الدور الأمومى، وأن يحتفظ بالطفل، أم ينفلت الابن منه تمامًا؟

استطاع المخرج بتكنيك بسيط واعتمادًا على السينوغرافيا «تشكيل الفراغ المسرحى» أن يشكل مجازًا بصريًا متعدد الدلالات «الوجودية والاجتماعية»، حيث شكلت المتاهة عبر وضعية كراسى المتفرجين، بحيث تصبح مساحات اللعب والتمثيل والبحث عن مخرج من المتاهة كلها تدور فى الممرات بين الكراسى، وبحيث نصبح نحن كمشاهدين برمزيتنا للمجتمع بوضعيته السلبية جزءًا من المتاهة، وكانت الإضاءة بسيطة تؤطر بتباينات الضوء والغيم تفاصيل هذا العالم الغرائبى، وتبرز تطلع الابن للشمس، حيث المخرج من المتاهة هو بالضرورة فى اتجاه النور/ الشمس. 

على مدار الساعة نعيش مع داديلوس وابنه إيكاروس، محاولاتهما للخروج وتنخطف قلوبنا حين يتوه إيكاروس من أبيه فى المتاهة، ويظل الأب ينادى على ابنه، والابن ينادى على أبيه، ونشعر بأثر تلك الصفعة على وجه إيكاروس التى يعاجله بها الأب بمجرد العثور عليه، فى أداء بسيط وصادق من خالد رأفت فى دور الأب، ومن نادر محسن فى دور الابن.

ويتجدد الحلم حين يعثران على ريش طائر، فيقرر الأب صناعة أجنحة ليطير مع إيكاروس خارج تلك المتاهة، حيث الطيران فوق المتاهة هو المخرج الوحيد، وبالفعل يرتفع إيكاروس بجناحيه ولكنه لا يعبأ بنصيحة والده «خليك دايًما ورايا يا إيكاروس»، ويطير فى اتجاه الشمس التى طالما تطلع إليها فى متاهته، فتذيب حرارة الشمس الشمع فيسقط إيكاروس، إلا أن هذا السقوط وفقًا لرؤية العرض لم يكن سقوطًا، بل كان ارتفاعًا فوق كل ما هو أرضى ومحدود وظالم، ففى كلمات الأب الأخيرة التى تصاحب طيران إيكاروس يقول: «إيكاروس طار لفوق، فوق الكل، فوق كل اللى فضل تحت، فوق كل اللى رفض يطير».

وأخيرًا، استطاع هذا العرض بجماله وبساطته وصدقه أن يؤثر فينا، وأن يحصد جائزة أفضل عرض فى مهرجان دولى، يعد من أهم المهرجانات الدولية الراسخة التى اختصت نفسها بتيمة التجريب المسرحى على مستوى العالم، فهنيئًا لصنّاع العرض وهنيئًا لمصر.