رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أزمة خطاب أم أزمة تخاطب؟ « ٢-٢»

تحدثت بالأمس عن أزمة النخبة المصرية وتطوراتها.. قلت إنها كانت تعانى أزمة خطاب فأصبحت تعانى أزمة «تخاطب».. حتى أكون منصفًا فإن هذا لا ينطبق على حالة بعينها تحسب على المعارضة فقط.. هناك مثلًا رئيس الحزب العريق الذى أعلن عن نيته الترشح للرئاسة.. الرجل ليس مخطئًا بكل تأكيد، لكنه استخدم تعبيرًا غير موفق منح المتربصين الفرصة للطعن فيه.. على حد ما نقل عنه فقد قال إنه يرشح نفسه للرئاسة وإنه «مع الرئيس السيسى».. أظن أن التعبير الدقيق كان «إنه يحترم الرئيس ويقدره» لكنه يريد الترشح أمامه.. الاحترام أمر لازم وضرورى بين كل أطراف العملية السياسية.. وهو تعبير كاف جدًا فى هذه الحالة.. رغم حسن نية رئيس الحزب العريق، إلا أنه أعطى فرصة للطعن فى العملية الانتخابية قبل أن تبدأ.. واضح للعيان أن هناك من يتربص بالانتخابات الرئاسية المقبلة.. هناك من يريد أن يحرم الرئيس من حقه الدستورى فى الترشح، وهناك من يخاف من استمراره.. مهرجان كبير يقدم فيه كل هارب ومشبوه فاصلًا خاصًا به.. هناك من يدعو للمقاطعة، وهناك من ينشر قصة كاذبة كل يوم، وهناك من ينفخ فى حجم أى مرشح، وهناك من يقلل من حجم كل مرشح.. سيرك كبير ومن الواجب التزام الحذر.. لو صح تصريح مرشح حزبى بأنه «يؤيد» الرئيس لأعدنا سيرة الحاج أحمد الصباحى، رئيس حزب الأمة.. كان رجلًا خفيف الظل يعمل مدرسًا ويقود حزبًا كرتونيًا بعد الظهر.. فى أول انتخابات تعددية رشح نفسه وحصل على نصف مليون جنيه تكاليف الدعاية الانتخابية ثم فاجأ الجميع بأنه انتخب الرئيس الأسبق مبارك! هذا الأداء لا يناسب مصر فى عصر يتسم بالجدية والصراحة.. وجود مرشح أو أكثر أمام الرئيس ليس تمثيلية سياسية ولا يجب إعطاء الفرصة لقول ذلك.. كمحلل سياسى أقول إن الرئيس السيسى لو ترشح سيحظى بتأييد قوى الأغلبية فى المجتمع المصرى.. العائلات الكبرى والقبائل والاتحادات والغرف التجارية وكل مصرى باحث عن الاستقرار ومع ذلك فوجود أكثر من مرشح أمام الرئيس أمر جاد تمامًا ومناسبة محترمة لطرح رؤى وتصورات مختلفة للتنمية والإدارة.. من المهم جدًا أن يدرس السياسيون المصريون تجربة السياسى الأمريكى رالف نادر «مواليد ١٩٣٤» هو محام أمريكى مهم وناشط رائد فى مجال حماية المستهلك والحفاظ على البيئة. له دراسات لا تحصى ضد تخريب الشركات الكبرى للبيئة وضد اعتدائها على حقوق المستهلكين ويقود حزب الخضر الأمريكى.. شخص جاد وليس باحثًا عن الشهرة ومتحقق مهنيًا، يخوض رالف الانتخابات الرئاسية الأمريكية منذ ١٩٩٦ ضد مرشحى الحزبين اللذين يحكمان أمريكا منذ تأسيسها.. يحقق نسبة أصوات أقل من ١٪ لكن أفكاره تلقى رواجًا كبيرًا أثناء طرحه برنامجه الانتخابى.. فكرته أن الانتخابات فرصة جادة لطرح أفكاره السياسية وإجبار المرشحين الأوفر حظًا على الالتفات إليها وتضمينها فى برامجهم.. رغم النسبة القليلة التى يحصل عليها إلا أن الحزب الديمقراطى الأمريكى تأثر من ترشحه فى عام ٢٠٠٤ بسبب تشابه موقفيهما من غزو العراق.. وصفه الديمقراطيون بأنه أفسد انتخابات فلوريدا على مرشح الحزب «آل جور» لأن أصوات أعداء الحرب تشتتت بين رالف نادر وآل جور.. والمعنى أن قلة فرص مرشح ما فى الفوز لا تعنى أنه «ديكور سياسى».. ليس مطلوبًا من أى مرشح للانتخابات الرئاسية أن يعلن أنه «يؤيد» برنامج الرئيس السيسى.. يثلج صدر محبى الرئيس أن يعلن المرشحون عن احترامهم للمنصب واختلافهم مع سياسات صاحبه.. تمامًا كما أن الناس على الناحية الأخرى لا تحترم من يشخصن خلافه السياسى مع الرئيس أو يمارس نوعًا من الدعاية السوداء أو محاولات التشويه أو كسر الهيبة.. أو تحويل المعركة السياسية لمعركة شخصية على طريقة «شجيع السيما»، الذى تحدث عنه أوبريت الليلة الكبيرة.. مطلوب أن يجيد السياسيون لدينا مخاطبة الرأى العام، وأن يفصلوا بين الذاتى والموضوعى، وأن يعرفوا الفروق بين مفردات اللغة العربية المختلفة، وأن يستعينوا بالمتخصصين لمراجعة ما سيحدثون الرأى العام به.. مطلوب برامج انتخابية مختلفة ورؤى مختلفة للتنمية تطرح على الرأى العام من المرشحين وتكون هى البطل وهى الموضوع الرئيسى.. مطلوب أيضًا ألّا نعطى الفرصة للمتربصين.. وهم كثير جدًا فى هذه الأيام.