رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فيينا.. عندما يتفوق الواقع على الخيال «3-8»

على الرغم من صداقتى الافتراضية لمدة طويلة عبر «فيسبوك» للصديق الكاتب وصفى هنرى ومتابعتى الدائمة لصفحته، وزياراته المتكررة للقاهرة، إلا أننا لم نلتقِ على أرض الواقع وجهًا لوجه إلا فى فيينا، أمام مدخل فندق «فليمنج». كنت قد تواصلت هاتفيًا معه من خلال برنامجى «أطياف»، المذاع على قناة «الحياة»، فى إطار تقديم حلقات خاصة عن الذكرى العاشرة لـ٣٠ يونيو، وقد لفتت انتباهى الصور التى كان ينشرها على صفحته لتجمعات المصريين فى فيينا تأييدًا لثورة ٣٠ يونيو وموقفه الرافض لحكم الإخوان، فعرضت عليه أن يقدم شهادته فى البرنامج فى مداخلة هاتفية عن دور المثقفين والمغتربين فى الخارج فى دعم ٣٠ يونيو، وقد حكى: أنه كان موجودًا فى القاهرة حتى أواخر مايو عام ٢٠١٣ ولمس الغضب الشعبى من الحكم الإخوانى، وشارك فى ملء استمارات حركة «تمرد»، بل إنه حمل معه عند عودته لفيينا عددًا كبيرًا من الاستمارات الداعية لرحيل «محمد مرسى»، وقام بتوزيعها على المصريين الموجودين فى فيينا للتوقيع عليها.

كان موعد تسجيل الحلقة هو اليوم قبل الأخير لزيارة «وصفى هنرى» القاهرة، وقد أقام حفلًا لتوديع أصدقائه فى بيته بالمعادى، وكان معظم الحضور أصدقاء تجمعنى بهم صلات طيبة، ولكن لم أستطع المشاركة، واكتفيت بتسجيل الحوار عن ٣٠ يونيو، وضحكت وأنا أقول له خارج التسجيل نلتقى قريبًا فى فيينا. 

ظل وصفى متابعًا معى إجراءات السفر، وتصادف أن يوم وصولى فيينا سيكون يوم عودته من كامب للاستجمام فى جبال الألب، بمجرد وصولى فيينا اتفقنا على أن نتقابل فى الساعة الـ٦ والنصف أمام الفندق كى يصحبنى فى جولة فى شوارع فيينا الرئيسية. 

بعد استلام الغرفة والاستراحة قليلًا، نزلت بهو الفندق، وكالعادة حصلت على خريطة للمدينة، وسألت الموظف فى الريسبشن عن مكان ومواعيد متحف سيجموند فرويد، فأخبرنى بأن المتحف مفتوح كل يوم من العاشرة صباحًا حتى السادسة مساء، وأنه مفتوح اليوم حتى الثامنة مساء، فطلبت أن يكتب لى العنوان فى ورقة: ١٩ شارع بيرجيس.

فى هذا الوقت حوالى السادسة والربع بدأ المطر فى الهطول، وصل وصفى فى موعده، وقد شعرت عند رؤيته بأننى أعرفه منذ سنوات طويلة وأننا صديقان، فقد كنت أعرف صورته وصوته، فلم يكن هناك أى مفاجأة، فالصورة التى كونتها من معرفتى الافتراضية به كإنسان دمث الخلق، ودود، أنيق، كلها كانت متحققة، كما أنه يحمل فى داخله حنوًا وأبوة تليق برجل سبعينى لا تظهر علامات السنوات فى وجهه أو هيئته، لكنها تتضح فى حكمته وخبراته الواسعة بالحياة، ربما يكون هو من فوجئ بسرعتى وحماسى فى اتخاذ القرارات وتنفيذها، أخبرته بأنه لا وقت لدينا وأننى أريد زيارة متحف سيجموند فرويد قبل أن يغلق أبوابه، أخبرنى بأنه يقيم فى فيينا منذ أكثر من ٣٠ عامًا ولم يزر متحف فرويد، أعطيته العنوان، فطلب سيارة «أوبر» وأخبرنى بأنه لا يمتلك سيارة، لسهولة استخدام المواصلات العامة فى فيينا. أثناء انتظار «أوبر» دخل «هنرى» الفندق وطلب مظلة للمطر، والمدهش بالنسبة لى أن الموظف أعطاه مظلة دون أن يطلب منه رهنًا أو يأخذ بطاقته، أو أى شىء يضمن أن يعيد له المظلة، فأخبرنى بأنه من العرف أن تأخذ من أى فندق مظلة للمطر وتعيدها لهم عند عودتك، وهذه ستكون واحدة من العجائب التى شاهدتها وعشتها فى أيامى القليلة فى فيينا، أنت مصدق فى كل ما تقول، لا يوجد أى افتراض لسوء النية، لا أحد يسألك عن هويتك عند دخولك أى مكان حتى جامعة فيينا، لا أحد يسألك عن تذكرة الترام، توجد ماكينة للتذاكر، بمجرد أن تركب تتوجه إليها وتدفع قيمة التذكرة وهى تقدم لك خيارات متعددة، تذكرة اتجاه واحد، أو تذكرة اتجاهين، أو تذكرة أسبوع. تضغط على اختيارك وتضع النقود عملات معدنية فتطبع لك التذكرة وتخرجها لك.

وقفت لدقائق قليلة فى انتظار السيارة، وتحت زخات المطر اللطيف كان يتحرك أمامى مواطنون بدراجاتهم، وفى الملعب المقام فى الجزيرة بين الاتجاهين، كانت هناك مجموعة من الشباب تلعب السلة، وخضرة الأشجار تمتد لتتصل بسماء رمادية محملة بغيوم لا تحجب ضوءًا لشمس، تتحايل كى تثبت وجودها قبل الغروب الحتمى فى التاسعة مساء.

وللحديث بقية..