كيف يؤثر الشغور الرئاسى على لبنان؟.. خبراء لبنانيون يجيبون

ما زال يعاني لبنان بسبب أزمة الشغور الرئاسي، التي تؤثر بدورها على جميع القطاعات في البلد المضطرب منذ قرابة الأربع سنوات، وبالرغم من انعقاد البرلمان اللبناني أكثر من 12 مرة لاختيار رئيس للجمهورية، إلا أن جميع المحاولات وصلت في النهاية إلى حائط مسدود، بالإضافة إلى فشل مجلس النواب في حسم العديد من الملفات الأخرى وعلى رأسها الاقتصادية والاجتماعية.

وفي هذا السياق، أكد رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتى، أنه لا استقرار اقتصاديا فى لبنان ما لم ينعقد مجلس النواب لإقرار حزمة من القوانين العاجلة، من بينها مشاريع قوانين تتعلق بخطة التعافى وإعادة هيكلة المصارف، والفجوة المالية، وكلها تحتاج إلى حل فوري.

في الوقت نفسه تستمر مساعى الموفد الفرنسي جان إيف لودريان، لتحريك الجمود السياسي القائم في البلاد، مستندا إلى دعم الرئيس الفرنسي الكبير لتحركه، ودعم الدول الخمس المهتمة بالشأن اللبناني وهي المملكة العربية السعودية ومصر وقطر وفرنسا والولايات المتحدة ولخبرته السياسية الكبيرة في مجال حل النزاعات، والتي يأمل أن يستفيد لبنان منها، قبل تخلي الأصدقاء عن فكرة المساعدة.

أوضاع اقتصادية مهترئة

يأتي كل هذا التباطؤ في اختيار رئيس للبنان خلفا للرئيس السابق ميشال عون، المنتهية ولايته في أكتوبر الماضي، بينما يتسارع حدة الانهيار الاقتصادي في البلاد. في سياق متصل قال مصرف لبنان، الخميس، إن لديه سيولة خارجية تعادل 8.573 مليار دولار، وذلك في أول كشف للبنك المركزي عن هذا الرقم سعياً منه لتحقيق مزيد من الشفافية بعد مغادرة رياض سلامة الذي ظل حاكماً للمصرف لفترة طويلة.

ووفقاً لمراقبين، فخلو منصب رئاسة الجمهورية، يحد من قدرة الحكومة الموجودة حالياً، في إجراء تعيينات في المناصب الحساسة التي تصبح شاغرة، مثل منصب حاكم مصرف لبنان المركزي الذي سيصبح شاغراً في نهاية يوليو 2023، مما يكون له آثار سلبية على خطة الإصلاح الاقتصادي.

وبحسب أرقام البنك الدولي المحدثة للأمن الغذائي، فقد سجل لبنان أعلى نسبة تضخم إسمية في أسعار الغذاء حول العالم، بلغت 350 في المئة للفترة الممتدة بين أبريل 2022 وأبريل 2023، في حين أضاف تقرير أعده برنامج الغذاء العالمي ومنظّمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتّحدة، لبنان إلى لائحة البلدان ذات نقاط جوع ساخنة في العام 2023، والتي قد تواجه تدهورا شديدا في مستوى انعدام الأمن الغذائي.

سيناريوهات استمرار الشغور الرئاسي في لبنان

في هذا الصدد، يقول الكاتب السياسي اللبناني محمد الرز، إن كل من وضع المنظومة الحاكمة في لبنان قانون انتخابات نيابية مخالف للدستور ولوثيقة الوفاق الوطني، بالإضافة وصول النواب إلى البرلمان اللبناني بموجب هذا القانون الانقسامي، و تكليف هؤلاء النواب مهمة انتخاب رئيس الجمهورية، وهم بمعظمهم يمثلون المنظومة الحاكمة بتناقضاتها، ومصالحها الطائفية والحزبية وارتباطاتها الخارجية، كل هذا يجعل قضية انتخاب رئيس للبنان داخل نفق الشغور ومرهونة بمنطق المحاصصة المصلحية، لا قضية وطنية ودستورية بامتياز.

وتابع الرز في تصريحات خاصة لـ"الدستور": "أن كل طرف من أطراف الطبقة الحاكمة يسعى وراء طموحاته الفئوية ولو أدى ذلك إلى تدمير الوطن ، والدليل على ذلك ما نشهده من بهلوانيات سياسية من كل الأطراف دون استثناء حول موضوع الانتخابات الرئاسية، فالثنائي الشيعي يريد رئيسا يطمئن المقاومة، علما انه لا اطمئنان لأي فريق خارج الإجماع الوطني، ولا يمكن لأي فريق فرض الرئيس الذي يريده ، كما أن أحزاب المعارضة تريد رئيسا "استقلاليا" ولو أدى ذلك إلى تحول لبنان إلى كانتونات، والتيار العوني يلعب على حبال هذا وذاك فيفتح حوارا مع الثنائي على قاعدة الفيدرالية المقنعة باللامركزية المالية الموسعة، ويبقي على خيوط اتصاله مع المعارضة لتعزيز دوره المسيحي".

المبادرة الفرنسية لم تحل الأزمة

ونوه المحلل السياسي اللبناني، إلى أن هذه الأزمة لم ينفع حلها دوليا من باب المبادرة الفرنسية، موضاً:" واذا كان الموفد الرئاسي جان إيف لودريان قد وجه أسئلة لعدد من الكتل النيابية، طالبا أجوبة خطية عليها فان معظم الأطراف استنكروا ذلك واعتبروه مساسا بالسيادة رغم انهم  يهرقون دمها يوميا".

وأردف: "لكن في كل الأحوال ثبت في لبنان أن الحلول الدولية كانت تصل دائما إلى طريق مسدود، والتدخل الفرنسي الأخير أكبر دليل، كما أن ترك الأمور بيد المنظومة السياسية اللبنانية سوف يهدد مقومات الدولة كما هو جار الآن"، لافتاً إلى أنه إذا كانت الحرب الأهلية اللبنانية المستمرة لمدة 15 عاما (1975-1989) لم تسدل ستائرها إلا بالمبادرة العربية، فإن الأزمة السحيقة التي يعيشها اللبنانيون الآن والتي تهدد مصير الكيان الوطني لن تنتهي إلا بمبادرة عربية، تواصل تنفيذ اتفاق الطائف والدستور المنبثق عنه بكل بنوده لضمان وحدة لبنان واللبنانيين وتنفيذ الإصلاحات وتركيز المؤسسات وتطهير الفساد، وتوحيد السياسة الدفاعية بيد الجيش اللبناني.

ونبه الرز، إلى أن المؤسسة العسكرية بقيادة العماد جوزف عون، اثبتت وحدتها وتضحيتها من أجل الحفاظ على الدولة ومقوماتها ومنع الفلتان الأمني وصيانة منطق السيادة الوطنية والالتزام بالدستور والتعامل مع الجميع وفق قاعدة كل لبنان لكل اللبنانيين.

ما يحبط اللبنانيين يتجاوز الشغور السياسي

إلى ذلك، يعتبر الدكتور مصطفى علوش، القيادي بتيار المستقبل اللبناني، مسألة القيادة السياسية حيوية لأي مجموعة ما لكونها تشكل محور الإدارة والتنظيم، مضيفاً:  وعندما نتحدث عن الدولة، يصبح الوضع أكثر أهمية عند إدارتها،  لكن بالنسبة للبنان يصبح الوضع أكثر خطورة، بسبب التوزيع الطائفي للرئاسات بحيث يصبح الشلل الاداري هو العنوان".

وتابع علوش في تصريحات للدستور: "ونشير بشكل خاص إلى مسألة كون الدستور لا يتضمن نيابة رئيس، يمكن أن يتحمل جزءا من المسئوليات المرتبطة برئيس الجمهورية"، لافتاً إلى أن ما يحبط اللبنانيين اليوم يتخطى الشغور الرئاسي إلى التدهور المالي والإداري، والغموض المخيم بشكل ثقيل ومخيف على المستقبل.

وأردف: "مما جعل انتخاب الرئيس مسألة جزئية من الأزمة يأتي حلها مع سلة متكاملة للحلول الاقتصادية والسياسية والاجتماعية".

مجلس النواب معطل بالفعل

من جانبه، يقول شارل جبور، المستشار الإعلامي لحزب القوات اللبنانية، أن لا شك أن استمرار الشغور الرئاسي ينعكس سلبًا على الانتظام المؤسساتي، فمجلس النواب معطل بفعل غياب رئيس الجمهورية.
وأضاف جبور في تصريحات خاصة لـ"الدستور"، أن ذلك أمر طبيعي لأن الدستور اللبناني ينص بشكل واضح على أن مجلس النواب يتحول إلى هيئة انتخابية مع الشغور الرئاسي، وبالتالي لا إمكانية للتشريع.
وتابع جبور: الحكومة لا تستطيع تجتمع إلا في ظروف استثنائية جدا، وبالتالي البلد معطل بظل الحالة المأسوية الموجود فيها البلد، مضيفًا أن هذا يعبر عن تداعيات هذا التعطيل للمؤسسات بأكملها، وانعكاساته على الاقتصاد والمالية العامة، وعلى سياسات الدولة وعلى الجباية وعلى الضرائب وعلى إدارة شؤون الدولة وإدارة شئون الناس.
وأشار جبوّر إلى أن هذا التعطيل يشل الدولة يعطل المؤسسات ويمنع قيام دولة فعلية تتحمل المسئولية وتقوم بواجباتها تجاه شعبها.
وأضاف المستشار الإعلامي لحزب القوات اللبنانية، هذا التعطيل سببه أن محور الممانعة يعطل المؤسسات عند كل استحقاق رئاسي سعياً لانتخاب مرشحه، ويستخدم التعطيل كوسيلة لتحقيق أهدافه الرئاسية والسلطوية وهذا أمر غير مشروع وهذا أمر مخالف للدستور، وفي الأساس يعمل بشكل انقلابي على الدستور اللبناني.

مضيفًا أن هذا الجانب انقلب على الدستور من خلال رفضه تسليم سلاحه وينقلب على الدستور من خلال رفضه انتخاب رئيس وإصراره على انتخاب رئيس من صفوفه، وإلا يعطي المؤسسات.
واختتم  شارل جبّور حديثه قائلًا: هذا الأمر سلبي للغاية ويبقى لبنان في حالة فشل وفي حالة انهيار، مضيفًا أن إمكانية المعالجة مستحيلة إلا بعد انتخابات رئاسية.