رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«البحث عن ميلاد جديد للكتاب»: «الطباعة حسب الطلب» و«النشر الذاتى».. بوابتان أخيرتان أمام تعثر النشر الورقى

الكتاب
الكتاب

أزماتٌ متلاحقة تصيب صناعة النشر بالعالم العربى؛ جراء تردى الأوضاع الاقتصادية عالميًا، وارتفاع أسعار الورق بصورة كبيرة، ما جعل القراء والناشرين والكُتّاب على حد سواء يبحثون عن مخارج تنقذهم من الوقوع فى براثن تلك الأزمات. 

على صعيد القراء، فإن ملامح جيل جديد يولى وجهه شطر الكتب المنشورة إلكترونيًا تتبلور وبقوة، بما يدفع صناعة النشر الإلكترونى للكشف عن إمكاناتها يومًا تلو الآخر، فتحاول المنصات الإلكترونية توفير سبل قراءة واعدة وثرية تُغنى القارئ عن العلاقة المعتادة بالكتب الورقية، ومع أن شطرًا كبيرًا من القراء لا يزال زاهدًا فى تلك التطورات الإلكترونية، فإن آخرين، لا سيما من الأجيال الجديدة، قد استعاضوا عن الكتب الورقية باهظة الثمن ببديلها الإلكترونى، وصاروا أكثر تآلفًا معه. 

الكُتّاب أيضًا صاروا أكثر إحساسًا بالأزمة التى يمُر بها قطاع النشر، إذ إن كثيرًا من دور النشر بات يتقاضى أجورًا من الكاتب نظير نشر عمله، مع طباعة أقل عدد ممكن من النسخ، وصعوبات فى التوزيع، وعدم جنى الكاتب أى أرباح تقريبًا من عمله المنشور، وهو ما دفع الكثيرين للنظر فى تجربة النشر الإلكترونى لسهولتها ويسرها وحفظها حقوق الكاتب فى أحيان كثيرة عبر التعامل مع بعض المنصات التى قد تتيح طباعة الكتاب بعد نشره إلكترونيًا مثل منصة «كتبنا»، أو «آرام للنشر والترجمة»، وغيرهما، أو اللجوء إلى النشر الذاتى إلكترونيًا بما يتيح الكتاب إلكترونيًا على أكثر من منصة مجانًا. أما الناشرون، فإن ارتفاع الأسعار كانت له أبعادٌ أخرى أثّرت فى صناعتهم، إذ مع ارتفاع تكلفة الكتاب من تحرير أو ترجمة وإخراج وغير ذلك، تنتعش تجارة الكتب المزورة وتلتهم جهود دار النشر بما يسبب لها الكثير من الخسائر، فضلًا عن أن بعض الناشرين يلمس انخفاض الطلب على الكتاب بسبب الانصراف عن القراءة بشكل عام ما يؤدى إلى مزيد من ارتفاع الأسعار. ومع ذلك، تظل الحلول التى اتبعتها دور نشر ومؤسسات غربية بالنسبة للناشرين العرب من اعتماد على النشر الإلكترونى والطباعة عند الطلب غير مُجدية برأيهم، لاختلاف طبيعة سوق النشر عربيًا عما هو كائن فى دول غربية؛ فيما لجأ العديد من دور النشر والمؤسسات الغربية مثل منصة «KDP» التابعة لأمازون، ومواقع مثل «Lulu»، و«Blurb»، و«Ingram Spark» و«Nook Press» إلى الاعتماد على تقنية الطباعة عند الطلب ثم توزيعها على مستوى عالمى لتحسين استدامة صناعة الكتب، فإن تلك الخطوة على المستوى العربى ما زالت تكتنفها الصعوبات والعراقيل، حسبما يوضح ناشرون فى حديثهم مع «الدستور».

يرى أحمد سعيد عبدالمنعم، مدير دار «منشورات الربيع»، أن المشكلات بصناعة النشر عربيًا لا تستدعى الاعتماد على النشر الإلكترونى وتقليص النشر الورقى، إذ إن هذا التوجه يعنى أن مشكلة النشر مستفحلة إلى درجة الرغبة فى إنهائها كليًا وهذا غير صحيح.

ويعتبر «سعيد» أن توجه بعض دور النشر إلى التركيز على النشر الإلكترونى يعبر عن ضعف دار النشر واختياراتها غير الموفقة، منوهًا بأن النشر الورقى هو أساس الصناعة، ومن بعده يأتى النشر الإلكترونى والصوتى على المنصات المختلفة. 

ولا يؤمن «سعيد» بوجود أزمة قراءة، على العكس من ذلك يشير إلى أن عدد القراء بالعالم العربى كبير جدًا، لكن تظل المشكلة الحقيقية أمام الناشرين هى انتشار الكتب المزورة التى يلجأ إليها ملايين القراء وتؤدى إلى ضياع حقوق دار النشر وإلحاق الخسارة بها. 

بشكل عام، يعتبر «سعيد» أن النشر الورقى أكثر ازدهارًا من نظيره الإلكترونى على مستوى العالم، فيوضح أن الإحصائيات الغربية الحديثة تلفت إلى أن النشر الإلكترونى فى أعلى مستوياته لا يمثل سوى نسبة محدودة من حجم سوق النشر، وهو ما يعنى أنه على المستوى العربى لن يكون أفضل حالًا، لا سيما أننا لم نصل بعد لنفس القدر من التقدم التكنولوجى وحجم الشركات المتنافسة، كما أنه ليس لدينا فى السوق الإلكترونية سوى منصات محدودة مثل: «أبجد»، و«رفوف»، و«اقرأ لى»، و«كتبى»، وهذه المنصات ليست منتشرة فى كامل أرجاء الوطن العربى، إذ إن سوقها الأساسية بالخليج وبعضها نجح فى الوصول إلى مصر، فيما لا تزال العراقيل التقنية تحول دون نجاحها فى مختلف الدول. 

فضلًا عن ذلك، لا يرى «سعيد» أن الطباعة عند الطلب يمكن أن تكون مُجدية لسوق النشر العربية ويفصِّل ذلك بقوله: يعتمد أغلب الناشرين الأكاديميين فى مصر على «الطباعة عند الطلب»، فاتحاد الناشرين المصريين يضم الكثير من دور النشر غير المعروفة التى تعتمد على الطباعة عند الطلب بنسبة كبيرة، فهذه ثقافة راسخة لدى النشر الأكاديمى. ومع ذلك، فإن تطبيق الفكرة فى سوق النشر الثقافى سيقود إلى تكاليف باهظة للكتاب، نظرًا لعدم توافر شركات توزيع كبرى عربيًا تضاهى «أمازون» التى توزع فى كل مكان. 

يُرجع باسم الزعبى، مدير عام دار «الآن ناشرون وموزعون» بالأردن، مشكلة صناعة النشر بالعالم العربى إلى واقع القراءة الذى يراه مترديًا للغاية فى ظل عدم إقبال كثير من الفئات على شراء الكتب والقراءة، علاوة على عدم ذيوع ثقافة القراءة فى تربية النشء، وبالتالى فمع قلة الإقبال على القراءة ترتفع أسعار الكتب لقلة الطلب عليها. 

ويعتبر «الزعبى» أن دعم الدول صناعة النشر خطوة أساسية نحو النهوض بها، فدور النشر بدورها التجارى لا يمكن أن تنوب عن الدولة فى مهمة حل مشكلة القراءة بالعالم العربى ودعم صناعة الكتاب، مشيرًا إلى أن نسبة الكتب التى تُطبع بالدول العربية مجتمعة مُخزية إذا ما قورنت بواحدة من الدول الأوروبية. 

ولا يعتقد «الزعبى» بقدرة النشر الإلكترونى أو الطباعة عند الطلب على حل مشكلات صناعة النشر، فهو يرى أن المحتوى العربى على الإنترنت لا بأس به لكنه غير مؤثر فى نسبة القراء عربيًا، كما أن الطباعة عند الطلب ليست مُجدية تجاريًا، إذ لا أحد يستطيع أن يغامر بتأسيس مطابع للطباعة عند الطلب، لأن الطلب على الكتاب محدود جدًا. 

ويوضح الكاتب «نبيل نزيه»- الذى قرر بعد نشر خمسة أعمال روائية ورقية أن ينشر عمله السادس نشرًا ذاتيًا إلكترونيًا، عبر مجموعة أسسها على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك»- خطوات نشر كتاب إلكترونى دون أى تكلفة وبما يضمن الحصول على ترقيم دولى، فضلًا عن توزيع الكتاب على منصات النشر الإلكترونى المختلفة.

ويشير نزيه إلى أن الكثير من الصعوبات يكتنف الكاتب الراغب فى الوصول إلى دار نشر تتبنى عمله وتنشره وتوزعه دون مقابل، وهى صعوبات واجهها فى رحلته مع نشر أعماله الورقية السابقة، ما جعله راغبًا فى التعرف على تجربة أخرى تضمن حقه كمؤلف، وفى نفس الوقت تتيح وصول الكتاب إلى شريحة واسعة من القراء. 

ويفصّل «نزيه» خطوات نشر كتاب نشرًا إلكترونيا ذاتيًا عبر موقع «draft ٢ digital»، ويبين أن دور الكاتب مع هذا النشر الرقمى سيقتصر على المراجعة اللغوية لنصه، وتوفير غلاف مناسب له، ثم يتولى الموقع بعد ذلك إخراج الكتاب وتقسيم فصوله، وتوزيعه على المنصات الإلكترونية الأخرى. ومع المميزات التى يتيحها هذا النشر الإلكترونى اليسير، فإن الكاتب ينوّه بأن النشر الذاتى إلكترونيًا ما زال غير مُقدَّر بالعالم العربى، فالقراء يعتبرون العمل المنشور إلكترونيًا ضعيفًا، لأنه لم يحظَ بفرصة النشر الورقى، وبالتالى فنسبة الاهتمام به لا تكون كبيرة.