رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فيينا.. عندما يتفوق الواقع على الخيال «2-8»

وصلت مطار فيينا يوم الجمعة، على طائرة مصر للطيران الساعة الثانية والنصف بتوقيت فيينا، وهو ما يتأخر ساعة عن توقيت القاهرة، ما يميز المطار سهولة الخروج، حيث توجد منطقة جوازات عند كل بوابة، مما يسرع من عملية الإجراءات، بدا لى مطار فيينا صغير الحجم أو ربما وهو الأرجح أن بوابتنا كانت قريبة من بوابات الخروج لساحة المطار. تزدان حوائط المطار بأعمال لكبار الرسامين النمساويين مثل: جوستاف كليمنت، أوسكار كوكوشكا، إيجون شيلى. ووجود أعمال تشكيلية فى المطارات الدولية تعبر عن روح الفن فى الدولة، وسبق أن رأيتها فى مطار أمستردام، حيث تنتشر لوحات: رمبرانت وفيرمير. وأتمنى أن تزدان جدران مطار القاهرة الدولى بأعمال فنانينا الخالدين، بما يقدم للزائر لمصر لمحة عن ماضيها وحاضرها.

يحيط بمطار فيينا عدد من الأبراج والمبانى العصرية حديثة الطراز، وهو على عكس معظم المطارات الأوروبية التى تبدو بعيدة جدًا عن أى مبان سكنية أو إدارية، قطعنا المسافة لفندق «فليمنج» الذى نزلت فيه فى عشرين دقيقة، وعلى طول الطريق من المطار إلى المدينة تنتشر على الجانبين أجزاء من الغابات النمساوية أو المزارع أو المصانع، كما تنتشر مولدات طاقة الرياح. 

يقع فندق «فليمنج» قريبًا من محطة فيسبانهوف للقطار والمترو، وقد عرفت بعد وصولى للفندق بأن هناك حافلة من وإلى المطار كل نصف ساعة، لكنى لم أجرب ركوبها، كما يقع على بعد ٥ دقائق من الفندق سيرًا على الأقدام مارياهيلفرشتراسه، وهو أكبر شارع للتسوق فى فيينا. مبنى الفندق حديث الطراز، اللوبى صغير لكنه مريح، تمت إجراءات التسكين بيسر وسرعة، حيث تم تحديد غرفة كل نزيل من المجموعة التى كنت أرافقها فى الرحلة قبل وصولنا، صعدت لغرفتى التى كانت فى الطابق الرابع من ستة طوابق، أقمت فى الغرفة ٤٠٦ وهى غرفة تطل على الشارع، حيث يمر أمامى خط الترام وتوجد حديقة ومتنزه وملعب مفتوح للسلة. الغرفة مريحة وأنيقة وألوانها هادئة تمزج بين الأخضر والكريمى، وكانت المفاجأة أن مقصورة الدش لا توجد داخل الحمام، بل توجد فى وسط الغرفة أمام التواليت وبينهما الحوض والمفاجأة الكبرى أنها ذات جدران زجاجية، نعم جدران زجاجية شفافة وليست مصنفرة أو ملونة، ولم أستوعب وجهة نظر مصمم الغرف فى هذا التصميم الغريب، فحمدًا لله أننى أنزل فى غرفة مفردة. 

ومن أجل مزيد من التفرد لم تكن بالغرفة ثلاجة صغيرة وهو شىء لم يؤثر على استمتاعى بجو الغرفة، فهى غرفة واسعة بالنسبة للغرف فى الفنادق الأوروبية والسرير مريح، وكتحية للنزلاء وجدت زجاجة مياه فوارة كبيرة الحجم، وهى المياه التى تنتشر فى فيينا، وعليك التأكد عند شراء زجاجة مياه من الأكشاك أو المحال أنها زجاجة مياه عادية وليست فوارة، فلا فرق ظاهر بينهما، سوى ما قاله لى النادل فى الكافيه بالمطار أإن الزجاجة ذات الشريط الأخضر مياه عادية، وذات الشريط الأزرق مياه فوارة، مع أنه يجب أن يكون العكس هو الصحيح، وهو ما سبب لى لخبطة أكثر من مرة، مع جهلى باللغة الألمانية التى هى لغة كل ما هو مكتوب فى النمسا، وهذه مسألة تجعلك مثل الأعمى، فلا تستطيع معرفة أسماء الشوارع أو الميادين، أو المبانى، ولا توجد ترجمة بالإنجليزية تيسر الأمر، وقد أصبحت الآن أؤيد أن تكتب أسماء الطرق والشوارع المهمة باللغة العربية والإنجليزية فى بلدنا دعمًا للسياح الذين بالطبع لا يعرفون اللغة العربية. وقد أجبرنى جهلى باللغة الألمانية على التقاط الصور لكل ما هو مكتوب واستخدام جوجل ترجمة لمعرفة معنى المكتوب، كما أننى قررت بعد العودة للقاهرة البدء فى تعلم اللغة الألمانية، ولكم أن تتخيلوا فرحتى عندما قطمت قطعة من البسكويت الهش المنتفخ الذى وجدته على السرير كتحية ضيافة من الفندق، وجدت بداخلها ورقة مكتوبًا عليها بالإنجليزية «DOORS OPEN WHEN YOU KNOCK»، ابتسمت لأننى فهمت: «تفتح الأبواب عندما تدق عليها»، واتسعت ابتسامتى لأنها تقريبًا حكمتى أو مبدئى فى الحياة. 

وها أنا فى فيينا مدينة أحلامى، أسمع موسيقى موتسارات وبيتهوفن تنادينى، وأطل من نافذة غرفتى فأجد سماءً زرقاء محملة بسحب خفيفة، لكن لا أبراج ولا شواهق تحجبها، وبراحًا واتساعًا فى رصيف المشاة، فلا أكشاك ولا إشغالات تعرقلنى، وأشجار سامقة فى خضرة عفوية ممتدة غير مبتسرة، حيث تقاس الحضارة بمدى الاهتمام بالإنسان وراحته. 

وتبدأ جولتى فى فيينا بدعوة من صديقى وصفى هنرى، الكاتب والمثقف والإنسان ابن البلد الملقب بعمدة المصريين فى فيينا، للتجول فى شارع ماريا هيفلر، أكبر الشوارع التجارية، لكن عندما يصل إلى مدخل الفندق سيفاجأ بأننى أغير خططه وأدعوه ليصحبنى لزيارة بيت النمساوى الأشهر فى العالم سيجموند فرويد.

وللحديث بقية...