رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تكريم صلاح عبدالله.. شاهد على أثر باقٍ

ربما كانت الرسالة الأهم التى بعثها المهرجان القومى للمسرح هذا العام عبر اختياره المكرَّمين وعبر إرسائه معيارًا جديدًا هو تكريم الأحياء، أن المسرح ليس فنًا بلا ذاكرة فهو لا ينسى أبدًا أبناءه حتى وإن انشغلوا هم عنه، وأن الأحياء أولى بالتكريم، أولى بأن يحصدوا بأنفسهم متعة الشعور بالجدارة والاستحقاق لنيل التقدير والتكريم، وأن يحصدوا بأيديهم لا أيدى ورثتهم حصاد ما زرعوه من تعب عبر سنوات طويلة.

وقد خصص المهرجان القومى للمسرح دورته السادسة عشرة للممثل المسرحى، وأطلق عليها دورة عادل إمام، وقد شرفت بإدارة الحوار فى جلستين من الجلسات التى خصصها المهرجان لتوقيع الكتب الصادرة عن المكرمين، أولاهما كانت حفل توقيع الكتاب الذى حرره الصحفى جمال عبدالناصر عن الفنان صلاح عبدالله.

امتلأ المكان عن آخره بجمهور وتلامذة وزملاء صلاح عبدالله من كبار الممثلين والمخرجين، الفنان محمد رياض رئيس المهرجان، والفنان ياسر صادق، مدير المهرجان، والمخرج خالد جلال، رئيس قطاع الإنتاج ومؤسس مسرح مركز الإبداع بدار الأوبرا، والمخرج ناصر عبدالمنعم الذى أخرج للفنان صلاح عبدالله عدة عروض منها عرض «رحلة حنظلة»، الذى شارك به فى إحدى دورات المهرجان التجريبى، وغيرهم كثيرون من فنانى المسرح والسينما والجمهور المحب.

فالكل يحب صلاح عبدالله، ومن منّا لا يحب من يرسم الضحكة على وجهه، إن الضحك كما يقول الفيلسوف برجسون نشاط اجتماعى، و«لا وجود للهزلى خارج ما هو بشرى»، ربما جسّد الفنان صلاح عبدالله بحضوره تلك المقولة باقتدار، فهو الممثل الذى انتهج الهزل والسخرية فنًا ومنهجًا أدائيًا ميزه عند جمهوره، فهو الساخر دومًا من ذاته ومن الواقع، فالسخرية والهزل كفلسفة كامنة وراء الضحك جزء أصيل من منهجه، ليس فقط فى التمثيل ولكن فى الواقع أيضًا فيما يبدو، فلم يمرر صلاح عبدالله فرصة فى الندوة دون تعليق هزلى ساخر يفجر الضحكات.. هذا ربما سر حب الجمهور لصلاح عبدالله، وهذا ما عُرف به ككوميديان قدير على تفجير الضحكات من قلب المأساة حتى، لكن ربما لا يعرف الكثيرون تاريخ صلاح عبدالله مع المسرح، أنا نفسى لم أكن لأعرفه لولا كتاب جمال عبدالناصر الذى صدر عن المهرجان، فصلاح عبدالله هو فنان المسرح منذ طفولته، وفى سن مبكرة أنشأ مسرحه المحلى فى منطقته بولاق الدكرور وأسس فرقته «تحالف قوى الشعب العاملة»، حيث قام وزملاؤه بتهيئة وتنظيف مقلب قمامة أو خرابة، كما يطلق عليها فى الأماكن الشعبية، وتحويلها إلى ساحة عرض مفتوحة ليقدموا عروضهم لأهالى منطقتهم، وقد نشأ صلاح عبدالله فى حى بولاق الدكرور، ويقول، وفقًا للكتاب: «كنت قديمًا أتحرج من ذكر أننى أسكن ببولاق الدكرور فأدّعى أننى أسكن بالمهندسين حيث لا يفصل بينها وبين بولاق الدكرور سوى كوبرى، لكن بعد سنوات طويلة أدركت أنه لم يكن ليكون صلاح عبدالله لو لم ينشأ فى بولاق الدكرور». 

فالأحياء الشعبية شديدة الثراء وهى مصدر مهم جدًا من مصادر الإلهام لكثير من الكتّاب والممثلين على وجه الخصوص، وهذا الثراء شكّل شخصية الفنان صلاح عبدالله، لقد غطى جوانب كثيرة من حياته، مع التركيز على الفنان المسرحى، بداية من الطفولة مرورًا بفترة الشباب، ومرحلة التحاقه بمسرح مركز شباب بولاق الدكرور، حيث التقى بالمخرج الكبير عباس أحمد، وبعدها مرحلة إنشاء فرقته الخاصة وهى «تحالف قوى الشعب العاملة»، ثم مرحلة الجامعة حيث قدم لمسرح الجامعة عددًا من العروض التى أخرجها واكتشف عبرها عددًا من الفنانين الذين صاروا نجومًا فيما بعد، وكان من ضمن هؤلاء الفنان خالد جلال وهانى رمزى وغيرهما، واكتشفه فى ذلك الوقت وقدمه فى أول العروض الاحترافية على المسرح القومى المخرج شاكر عبداللطيف، التحق بعدها صلاح عبدالله بفرقة ستوديو ٨٠ مع الفنان الكبير محمد صبحى والكاتب الكبير لينين الرملى، ثم عمل فى فرقة الإبيارى، حتى اعتزل المسرح بسبب ظروفه الصحية، فالمسرح يحتاج إلى جهد مضاعف من الفنان. 

يقول صلاح عبدالله: «عشقت المسرح وتعلمت منه الاحترام والالتزام بالمواعيد وتقدير الفن»، ونقول له: عشقك المسرح كذلك والأثر الذى تركته باقٍ وتكريمك بالمهرجان القومى للمسرح هو شاهد على ذلك الأثر، ومن يعرف ربما يجىء الأوان وتضىء خشبات المسارح من جديد، وتعود لتفتت مرارة الواقع بالهزل والسخرية وتفجير الضحكات.