رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اللوز المر

مي مختار
مي مختار

حمل الصباح مع رنين هاتفها ما لا تتوقعه، ذهبت الجائزة الأولى فى مسابقة القصة القصيرة إليها بقصتها «اللوز المر»، التى شاركت بها فى مسابقة إحدى المجلات المهتمة بالثقافة والأدب، لم تداعب خيالها الجائزة أو قيمتها، لكنها تمنت تحقيق حلم الفوز، ترددت فى إخبار زوجها ليشاركها سعادتها وفرحة الفوز، هو لن يهتم، الأمر كاملًا لا يعنيه ولن يعى أهمية الجائزة بالنسبة لها، قررت ألا تخبره. فى اليوم المحدد لاستلام الجائزة استقلت سيارة «أوبر» للوصول فى الموعد، مكيف الهواء بالسيارة ساعدها فى تخفيف حدة التوتر المصاحب لها منذ إعلان النتيجة وأنعش ذاكرتها لاستعادة تفاصيل قصتها الفائزة، مالت برأسها للخلف، أخذت نفسًا عميقًا، ترى بطلة قصتها المصابة بالخرس أمام رغبات زوجها، إجبار وابتزاز ومقايضة رخيصة وامتثال لنداء شهوته المقرونة بالعنف أحيانًا، الجنس مقابل الكتابة، العبودية مقابل الحرية، اغتصاب زوجى من طرف واحد تقبله مكرهة لتعود بعدها حرة تكتب صفحة أو صفحتين تفرغ فيهما مشاعرها وخيالها وأوجاع الروح، تودع أبطال وبطلات قصصها على الورق وتذهب لتنعم بنوم هادئ على الجانب الآخر من السرير، تحلم بالعصافير فى فضاء خيالها الواسع دون ملاحقة الصيادين أو نصب الفخاخ لهم، تبتلع مرارة انتهاك جسدها فى أرض الشهوة، لا تمر ليلة دون مقايضة وابتزاز، ترسم بعدها بين جدران قلبها الدامى بالقلم فكرة تحلّق بها بعيدًا عن عبودية العلاقة. فى حضرة الكتابة تستعيد حريتها المسلوبة، تفرغ أنفاسها المتلاحقة وأوجاع عرى جسدها على أوراق بيضاء. سخريته الدائمة لانفرادها بعالمها الخاص بالساعات تزيدها إصرارًا على التمسك بحلمها فى الكتابة وسيلتها الوحيدة للتعافى من وجع الروح. فى إحدى الليالى طلبها للفراش، رفضت، لم تعد تقوى على انتهاكه جسدها مقابل حريتها، يا لها من مقايضة غير عادلة، اشتد غضبه ومزق أوراقها، ولم يكتفِ بذلك، قام بتحطيم اللاب توب الذى تحتفظ عليه بكنوز خيالاتها، توسلت إليه كثيرًا والدماء تنزف من بين كفيها، أصابتها شاشته المكسورة وهى تجمع بقاياه، لم يرحم توسلاتها، بكت تنازلاتها المستمرة، وخرسها القاتل، بكت عبوديتها سنوات. صوت السائق أعادها من عالم بطلة قصتها معلنًا الوصول، فى مقر المجلة التقت منظمى الحفل وآخرين من الفائزين المشاركين بالمسابقة، تسلمت جائزتها المالية وشهادة التقدير، غادرت المكان فى طريق عودتها للمنزل، تمنت لو استوقفت المارة تخبرهم بأنها الفائزة الأولى من فرط سعادتها، لا أحد بانتظارها يشاركها فرحتها فى المنزل، أغلقت باب غرفتها خلفها، وضعت جائزتها فوق التسريحة المواجهة للسرير، تحررت من غطاء الرأس ودفعت بحذائها بعيدًا فى حركه عبثية مجنونة راقت لها، سحبت سيجارة من علبة سجائر تخص زوجها وأشعلتها لأول مرة، تحررت من ملابسها كاملة وألقت بجسدها عاريًا فوق السرير بانتظار اغتصاب زوجى جديد.

الحزن الرسام الفرنسى فرنسوا لاجريني (1735-1805)