رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

النيجر.. تحرر أم كرة ثلج حربية

معروف من حيث المبدأ عدم التدخل في شئون الغير، وأن ما يحدث الآن في النيجر هو شأن داخلي يخص شعبها ومستقبلهم، ولكن المتأمل لرد الفعل الفرنسي وكذلك مجموعة إيكواس التي تضم خمس عشرة دولة إفريقية سوف يلاحظ أن الحكاية ليست دفاعًا عن ديمقراطية ولا عن رئيس تم عزله، إنه الاقتصاد والثروات والمناجم.
لذلك يمكن القول إن دول جوار النيجر وهي الجزائر ومالي وبوركينا فاسو قد أحسنوا صنعًا بإعلانهم الواضح عن رفضهم لأي تدخل عسكري في النيجر، ودعوتهم للحوار بين الأطراف المختلفة للوصول إلى حل يمنع تدهور الأوضاع في النيجر. 
إفريقيا تلك الدجاجة التي تبيض ذهبًا تحتاج الآن أكثر من أي وقت مضى إلى استقلال قرارها دون التفات إلى مصالح أي عاصمة شرقية أو غربية، ويكفي سنوات طوال من التبعية والنهب المنظم للثروات، وبينما حال كنوز إفريقيا هكذا يموت أبناؤها غرقًا في المتوسط وهم في طريقهم نحو الشمال في هجرات غير شرعية.
موقف دول جوار النيجر من الممكن له أن يجعل مجموعة الإيكواس أن تتراجع عن وعيدها بالتدخل العسكري في النيجر، وقد استمعنا إلى تصريحات عاقلة صدرت من روسيا وإيطاليا ترفض التدخل العسكري، وهذا ما يجعل دول جوار النيجر في موقف قوي لمواجهة تعنت الإيكواس التي يتحكم في قرارها لوبي فرنسي.
أزمة النيجر جاءت في توقيت لم تضع فيه حرب السودان أوزارها وهنا مكمن الخطورة، وتجعل السؤال مشروعًا هل نحن بصدد موجة جديدة للتحرر الوطني الإفريقي؟ أم في مصيدة محكمة حتى تتدحرج كرة ثلج حربية تقضي على الأمل الضعيف بحياة كريمة للشعوب الإفريقية؟
الذهب والنحاس واليورانيوم هي ثروات مؤكدة في تلك البقعة الساخنة وإذا لم تجد تلك الثروات قيادات وطنية تدافع عنها لصالح تنمية ورفاهية شعوبها، سوف تتحول تلك البقعة إلى لقمة سهلة المضغ في فم المستعمر القديم، الذاكرة الوطنية الإفريقية ما زالت بخير ولم تنس سنوات الاستعباد من المستعمر ناهب الثروات وقاتل مستقبل البلدان الضعيفة.
لذلك كله لا بد أن تنتبه فرنسا إلى أن زمنًا جديدًا بدأ في التشكل، وأن فقدان فرنسا لنفوذها فى منطقة الساحل والصحراء هو عنوان ذلك الزمن الجديد حيث تم طردها من دولة تلو الأخرى مثل مالي وبوركينا فاسو وإفريقيا الوسطى، والآن يتم قطع دابر الديك الفرنسي في النيجر.
عزل محمد بازوم من رئاسة النيجر
 وتشكل مجلس عسكرى برئاسة عبدالرحمن تتشيانى ومعه أمادو عبدالرحمن لم يتم صدفة، وأزعم أنه لم يتم طمعًا في مقعد رئاسي ولكنه يأتي في سياق شامل يعلن عن غضب كان مكتومًا يرفض إضاءة باريس وتشغيل محطاتها النووية بيورانيوم النيجر بينما النيجر نفسها غارقة في الظلام، حيث تعتمد باريس على النيجر في الحصول على 35 في المائة من احتياجاتها من اليورانيوم، لمساعدة محطاتها النووية في توليد 70 في المائة من الكهرباء.
هذه المعادلة الفاسدة لا بد وأن يكون لها نهاية لها هدف واحد وهو التنمية الإفريقية المستقلة المعتمدة على الذات.
وطالما الحكاية هكذا نجد أنه من الممكن أن مجموعة الإيكواس التي يراها البعض نقمة من الممكن أن تتحول إلى نعمة إذا ما تغيرت بوصلتها لتتجه نحو الداخل الإفريقي وتنميته كتفًا بكتف مستفيدة من الدول الصديقة التي تتجه نحو المشاركة لا المغالبة، في هذه الحالة تكون الإيكواس وهي مجموعة معتبرة قد استفادت من إطارها المؤسسي الذي صنعه الغرب وعدلت توجهها نحو مصالح المواطن الإفريقي البسيط، إذا ما فعلت الإيكواس ذلك سوف نرى أكثر من نيجر تتغير فيها الاتجاهات ليتوقف النهب والغطرسة الغربية، ربما في هذه اللحظة قد تتوقف مراكب الهجرة غير الشرعية نحو الشمال.