رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ماذا ينتظر إيران بعد رئيسى؟

أغرقت وفاة الرئيس الإيرانى، إبراهيم رئيسى 63 عامًا فى حادث طائرة هليكوبتر، الجمهورية الإسلامية فى حالة من عدم اليقين، مما أثار تساؤلات حول نقل السلطة، وسط تصاعد التوترات الإقليمية والمشهد السياسى المعقد، بعد أن تم العثور على حطام المروحية التى كانت تقل رئيسى ووزير الخارجية، حسين أمير عبداللهيان، وستة آخرين، فى الجبال بالقرب من الحدود الأذربيجانية، بعد عملية بحث صعبة وسط عاصفة ثلجية.. وبغض النظر عن كيفية وقوع الحادث، وما إذا كان مُدبرًا أو أنه قضاء وقدر وهو ما ستثبته الأيام القادمة، إذا تحققت الشفافية فى تحقيقات الحادث، وتوجهات إيران نفسها بشأنه إلا أنه من المهم الآن، النظر فيما ينتظر مستقبل الجمهورية الإسلامية، بعد مقتل رئيسها.
انتُخِب رئيسى، وهو رجل دين متشدد، رئيسًا لبلاده عام 2021.. كان معروفًا بجهوده لفرض قوانين أكثر صرامة فى إيران، وبلغت ذروتها فى حملة قمع عنيفة ضد الاحتجاجات المناهضة للحكومة عام 2022، والتى قادتها فى الغالب نساء يدعين إلى إنهاء الثيوقراطية.. وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية، دفع رئيسى بقوة فى المحادثات النووية مع القوى العالمية، ووسع علاقات إيران مع روسيا والصين والهند، من خلال استراتيجية (النظر شرقًا).. وتأتى وفاته أيضًا، مع تصاعد التوترات فى المنطقة بسبب الحرب فى غزة، حيث تدعم إيران الجماعات التى تدعى مقاومة إسرائيل والنفوذ الأمريكى فى الشرق الأوسط.
ولفهم التداعيات المحتملة لوفاة رئيسى غير المتوقعة على سياسة إيران الداخلية والخارجية، من الضرورى دراسة المشهد السياسى للبلاد، وعملية الخلافة، وعلاقاتها الإقليمية والدولية الأوسع.
بعد اندلاع الاضطرابات الواسعة النطاق والمظاهرات الجماهيرية عام 1979ـ التى أثارها آية الله الخمينى ضد حكم الشاه، محمد رضا بهلوى أدت الثورة الإسلامية إلى إنشاء حكومة جديدة فى إيران، التى تحولت إلى جمهورية إسلامية، مما أدى فعليًا إلى إزاحة النظام الملكى، وإجبار الشاه على المنفى.. حوَّل هذا النظام الجديد إيران إلى ثيوقراطية شيعية، وفى العام نفسه، تم انتخاب آية الله الخمينى، كأول مرشد أعلى للبلاد، الذى كانت له الكلمة الأخيرة فى جميع شئون الدولة، ومعه، اكتسى دستور البلاد، الذى تم التصديق عليه عام 1979، بمزيج من الثيوقراطية الإسلامية والمبادئ التى تدَّعى الديمقراطية.. ويجلس على رأس الهيكل السياسى الإيرانى اليوم، المرشد الأعلى، آية الله على خامنئى 85 عامًا الذى خلف الخمينى بعد وفاته عام 1989.. ولخامنئى القول الفصل فى سياسة إيران الخارجية وبرنامجها النووى المثير للجدل. 
يقول خبراء، إنه كان يُنظر إلى إبراهيم رئيسى، على نطاق واسع، على أنه حليف قوى للمرشد الأعلى، حيث ينفذ سياساته ويروج للدور الموسع للحرس الثورى الإسلامى الإيرانى فى كل من مجالات السياسة والاقتصاد.. وعلى هذا النحو، من غير المرجح أن يتغير الكثير فيما يتعلق بمواقف السياسة الخارجية الإيرانية الرئيسية لأن (الرئيس ليس له تأثير كبير جدًا) على هذه القرارات، وفقًا لما ذكره علام صالح، المتخصص فى الدراسات الإيرانية فى الجامعة الوطنية الأسترالية.. (صانع القرار النهائى هو المرشد الأعلى، لذلك عندما يتعلق الأمر بالسياسة الإقليمية والخارجية، فمن المرجح أن تظل الأمور كما كانت من قبل).
ونظرًا لعُمر خامنئى، فإن مسألة من سيصبح المرشد الأعلى المقبل للبلاد، هى موضوع لكثير من التكهنات.. وقد اعتبر البعض رئيسى كان خليفة محتملًا، لكن محللين يقولون إن فرصه كانت محدودة، لأنه كان فى منافسة مع مُجتبى، نجل خامنئى، وهو رجل دين إسلامى يعمل بالفعل عن كثب مع والده.. وينص الدستور الإيرانى على أن هيئة مُنتخبة من رجال الدين، تسمى (مجلس الخبراء)، يجب أن تختار المرشد الأعلى.. لكن الجمعية هى أكثر من هيئة احتفالية ذات سلطة محدودة، وفقًا للمراقبين، ومن المرجح أن يكون لخامنئى رأى أساسى فى تحديد من سيتولى العباءة بعده، وكان يرى أنه لا يصح توريث منصب الإمام.. لكن وفاة إبراهيم رئيسى، سلطت الضوء على أن مُجتبى هو المرشح (الواضح) الوحيد، لخلافة والده كمرشد أعلى، خصوصًا أنه لم يتم النظر بجدية إلى الرئيس الراحل فى منصب المرشد الأعلى، خصوصًا أنه واجه معارضة داخلية، بسبب عدد من قراراته السياسية والاقتصادية.
لقد تلقى الاقتصاد الإيرانى ضربة فى عهد رئيسى، حيث وصلت عملة البلاد، الريال، إلى مستويات قياسية منخفضة، حيث فقدت ما لا يقل عن 55% من قيمتها فى السنوات الثلاث الماضية.. (شىء واحد عن رئيسى، هو أنه لم يكن يتمتع بشعبية على الإطلاق.. لم يكن قادرا على الوفاء بوعوده الاقتصادية.. رأينا تراجعًا إضافيًا فى الفضاء السياسى، وتقليصًا للحريات فى ظل حكمه.. لم يكن محبوبًا من قبل الإيرانيين)، كما يؤكد بعض المحللين.
القضية السياسية الأكثر إلحاحًا بالنسبة لإيران فى الوقت الحالى، هى إجراء تصويت لانتخاب رئيسها المقبل، والذى من المقرر أن يتم فى غضون خمسين يومًا، بعد أن عُين النائب الأول للرئيس، محمد مُخبر، قائمًا بأعمال رئيس الجمهورية الإسلامية، ومن المتوقع أن ينظم الانتخابات.. ويحذر المراقبون من صراع محتمل على السلطة على الرئاسة، لا سيما بين المحافظين المتشددين فى البلاد، حيث يمكن للمتشددين أن ينظروا إلى وفاة رئيسى، على أنها فرصة لكسب السلطة والنفوذ محليًا.. وقال المحلل السياسى، آرش عزيزى، وهو كاتب ومحاضر كبير فى التاريخ والعلوم السياسية فى جامعة كليمسون فى الولايات المتحدة، إن تركيز النظام سيكون الآن على انتقال منظم للرئاسة، (أتوقع صراعًا قاسيًا تخوضه فصائل مختلفة من الجمهورية الإسلامية، حول من سيصبح رئيسًا.. لن تكون هناك أزمة دستورية، لأن الجمهورية جيدة إلى حد ما فى الاستجابة المؤسسية للحظات مثل هذه.. لكن سيكون هناك بالتأكيد صراع على السلطة على الرئاسة).. ويقول مراقبون، إن الشكوك حول وجود خطأ يحيط بوفاة رئيسى، يمكن أن تغذى نظريات المؤامرة التى تشكك فى الطبيعة الحقيقية للحادث.. وهنا يؤكد عزيزى، أن هذا يمثل مشكلة خاصة (فى نظام مغلق مثل الجمهورية الإسلامية، حيث لا توجد صحافة حرة).
انهالت رسائل التعازى فى وفاة رئيسى، من بعض جيران إيران وحلفائها الإقليميين، بمن فيهم قادة السعودية وسوريا ومصر والإمارات العربية المتحدة وقطر والأردن والعراق وباكستان، وكانت هناك ردود فعل فورية أقل من القادة فى الغرب، لكن الاتحاد الأوروبى واليابان قدما تعازيهما.. لقد وصلت علاقات إيران مع الغرب إلى مستوى منخفض جديد بعد عام 2018، عندما انسحبت الولايات المتحدة بقيادة دونالد ترامب آنذاك من صفقة نووية مع إيران وفرضت عقوبات اقتصادية، مما أضر بصادرات البلاد الرئيسية من النفط الخام والمنتجات النفطية.. وتولى رئيسى الرئاسة، بعد ثلاث سنوات من فرض العقوبات، لكنه لم يتمكن من التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة.. وبدلًا من ذلك، حولت إيران نهجها من التعامل مع الدول الغربية إلى تعزيز علاقات أوثق مع روسيا والصين والهند، التي تعهدت بتعميق التعاون، فى الوقت الذى تتصارع فيه الدولتان مع العلاقات الأمريكية المتوترة، وقد صف الرئيس الروسى، فلاديمير بوتين، رئيسى، بأنه (صديق حقيقى لروسيا).. والأهم من ذلك، تمكنت إيران من إصلاح علاقاتها مع المملكة العربية السعودية، العدو الإقليمى منذ فترة طويلة، حيث وقعت اتفاقًا فى بكين عام 2023، لإعادة إقامة علاقاتهما الدبلوماسية.
ووفقًا للمحللين، من المتوقع ألا يتغير الكثير، فيما يتعلق بكيفية إدارة إيران علاقاتها الخارجية.. (عندما يتعلق الأمر بقضايا السياسة الخارجية الرئيسية وصنع القرار الاستراتيجى، فإن الرئيس ليس لديه رأى يذكر.. المرشد الأعلى والدولة العميقة يلعبان دورًا كبيرًا، وهما صانعا القرار النهائيان).. كان واضحًا من رد المرشد الأعلى، على خامنئى، وتصريحاته للشعب الإيرانى، فى أعقاب حادث سقوط طائرة رئيسى، أن تركيز الحكومة كان على مواصلة (العمل كالمعتاد).. قال خامنئى إن حدود البلاد آمنة والبلاد آمنة، وستكون هناك استمرارية سياسية كالمعتاد.. أعتقد أن هذا هو التركيز الأساسى للحكومة فى الوقت الحالي.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.