رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في ذكرى رحيل تشيخوف العرب.. سر الخلاف بين يوسف إدريس وطه حسين

يوسف إدريس - طه حسين
يوسف إدريس - طه حسين

في الذكرى الـ32 من رحيل الكاتب القاص والروائي يوسف إدريس، الذي رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم من العام 1991، تاركًا خلفه تاريخ إبداعي لا ينضب، وهذا يتجسد بدءًا من كتاباته الأولى منها “أرخص ليالي، وجمهورية فرحات".

كان يوسف إدريس أحد الموهوبين الكبار ويمكن وصف بداياته بأنه أحد المحظوظين الكبار، خاصة عندما اقترن ثاني أعماله الإبداعية "جمهورية فرحات" باسم عميد الأدب العربي طه حسين الذي قدمه للمشهد الإبداعي العربي ليصبح صدى اسم إدريس من المحيط إلى الخليج.

وجاء في كتاب كامل رشاد "ذكريات يوسف إدريس" الصادر عام 1991 عن «المركز المصرى العربى» قال لى د.يوسف إدريس: بعد صدور مجموعتى القصصية الأولى «أرخص ليالي» عام 1954 كتب عنه كل نقاد مصر تقريبا وكذلك كل رؤساء التحرير فكتبوا عنه وحدثت ضجة هائلة جعلت النقاد يبحثون عن هذا الكاتب الجديد، هذه الضجة هى التى جعلت د. طه حسين يقرأ ما كتبته فأعجبته القصص فأخذ يبحث عنى ليكتب هذه المقدمة، وفى تلك الفترة اعتقلت، وبعد أن خرجت وجدت د. طه حسين مازال يبحث عنى ليكتب مقدمة المجموعة الثانية فأرسلت له المجموعة وقابلته ودار بيننا حوار ومناقشة حول ما كتبت!

لم يتقبل يوسف إدريس نصيحة طه حسين باستبدال ليال بليالي ليخرج عمله الأول بـ"أرخص ليالي" وكان هذا بمثابة الرفض.

ورصد الكاتب القاص محمد المخزنجي  تلك الإشكالية التي اشار إليها  العميد عبر مقال له نشر بصحيفة الأهالي تحت عنوان يوسف إدريس ستون عاما اللغة  معه "عن لي مرة أن أسأل صاحب القضية نفسة: يوسف إدريس ، والاتهام قديم  قدم معركة المحبين الحميلة، حول اللغة مابين يوسف إدريس والجليل د.طه حسين، انفجرت هذه المعركة في ثنايا تقديم طه حسين لكتاب يوسف إدريس الثاني ، لان طه حسين الثائر يشير إلى  مثالية اللغة عند يوسف إدريس من وجهة نظر محافظة، قاصدا إلى العناية باللغة في  أجروميتها, وكان يوسف إدريس يدافع عن اللغة الحية بين الناس في زمانه".

هذا الخلاف ما بين الجليل والثائر طه حسين، والوسيم والأنيق والوحشي يوسف إدريس لم يمنع الأول أن يقدم الثاني بسعادة ومما جاء في تقديم طه حسين ل "جمهورية فرحات"  

هذا الكتاب ممتع، أقدمه للقُرَّاء سعيدًا بتقديمه أعظم السعادة وأقواها؛ لأن كاتبه من هؤلاء الشباب الذين تُعقد بهم الآمال وتُناط بهم الأماني ليضيفوا إلى رقي . مصر رقيًّا، وإلى ازدهار الحياة العقلية فيها ازدهارا وكان كل شيء في حياة هذا الشاب الأديب جديرًا أن يشغله عن هذا الجهد الأدبي وأمثاله بأشياء أخرى، ليست أقل من الأدب نفعًا للناس وإمتاعا للقلب والعقل.

 فهو تهيأ في أول شبابه لدراسة الطب، ثُمَّ جَدَّ في درسه وتحصيله حتى تخرج وأصبح طبيبًا، لكن للأدب استثثارًا ببعض النفوس وسلطانا على بعض القلوب لا يستطيع مقاومته والامتناع عليه إلا الأقلُون. 

وكلف هذا الشاب بالقراءة، ثُمَّ أحس الرغبة في الكتابة، فجرَّب نفسه فيها ألواناً . من التجربة، ثُمَّ لم يملك أن يمضي في تجاربه تلك، وإذا هو أمام كتاب يريد أن يخرج للناس فيُخرجه على استحياء، ويقرأ الناس كتابه الأول أرخص الليالي فيرضون عنه ويستمتعون به، ويقرؤه الناقدون للآثار الأدبية فيعجبون له ويُعجبون به ويشجعون صاحبه على المضي في الإنتاج، فيمضي فيه ويظهر هذا الكتاب وأقرؤه فأجد فيه من المتعة والقوة ودقة الحس ورقة الذوق وصدق الملاحظة وبراعة الأداء مثل ما وجدت في كتابه الأول، على تعمق للحياة وفقه لدقائقها وتسجيل صادق صارم لما يحدث فيها من جلائل الأحداث وعظائمها لا يظهر في ذلك تردد ولا تكلف.