رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحوار العربى – الأوروبى حول الدين والمجتمع المدنى


لنقرأ معا كلمات رائعة ومعبرة من مقدمة الدستور المصرى "فى مطلع التاريخ لاح فجر الضمير الإنسانى وتجلى فى قلوب أجدادنا العظام فاتحدت إرادتهم الخيرة وأسسوا أول دولة مركزية، ضبطت ونظمت حياة المصريين على ضفاف النيل، وأبدعوا أروع آيات الحضارة وتطلعت قلوبهم إلى السماء قبل أن تعرف الأرض الأديان السماوية الثلاثة. 
مصر مهد الدين وراية مجد الأديان. فى أرضها شب كليم الله موسى عليه السلام وتجلى له النور الإلهى، وتنزلت عليه الرسالة فى طور سنين. وعلى أرضها احتضن المصريون السيدة العذراء ووليدها، ثم قدموا آلاف الشهداء دفاعا عن كنيسة السيد المسيح عليه السلام. وحين بُعِث خاتم المرسلين محمد عليه الصلاة والسلام للناس كافة، ليتمم مكارم الأخلاق، انفتحت قلوبنا وعقولنا لنور الإسلام، فكنا خير أجناد الأرض جهادا فى سبيل الله، ونشرنا رسالة الحق وعلوم الدين فى العالمين. 
وإذا انتقلنا لفقرة أخرى "نحن نؤمن بأننا قادرون أن نستلهم الماضى وأن نستنهض الحاضر، وأن نشق الطريق إلى المستقبل. قادرون أن ننهض بالوطن وينهض بنا". ونستكمل القراءة "نحن نؤمن بأن لكل مواطن الحق فى العيش على أرض هذا الوطن فى أمن وأمان وأن لكل مواطن حقا فى يومه وفى غده".
شرُفت بالمشاركة فى "الحوار العربى – الأوروبى" والذى يدور حول "الدين والمجتمع المدنى" فى الفترة من 13 – 17 يونيو، والذى أقامه منتدى حوار الثقافات بالهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية والتى يرأسها رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر الدكتور القس أندريه زكى.
يهتم منتدى حوار الثقافات بالهيئة بالحوار الدولى – العربى – الأوروبى منذ اثنى عشر عاماً لبناء جسور الفهم المشترك، وتصحيح المفاهيم المغلوطة، وإقامة حوار موضوعى يسهم فى بناء السلام المجتمعى ودعم العيش المشترك.
دار الحوار والنقاش بحضور ممثلين عن منظمات المجتمع المدنى، وممثلى الأحزاب، وعدد من الصحفيين والإعلاميين والأكاديميين والمفكرين، وعدد من النواب والنائبات بمجلسى الشيوخ والنواب من مصر، وعدد كبير من الدول العربية منها لبنان والعراق وتونس، ومن أوروبا ألمانيا والسويد واليونان والدنمارك وروسيا.
ودار الحوار فى جميع الجلسات وورش العمل من أجل تبادل الخبرات والثقافات ومعرفة القيم والعادات والأفكار فى كل البلدان ومن أجل الوصول إلى التحديات التى تقف فى وجه البشرية، ودراسة أسبابها، ووضع الحلول والآليات لها.
خلص النقاش فى الجلسة الخاصة بالدين والمجتمع المدنى حول أن الدين نصوص مقدسة للعلاقة بين الفرد وربه سبحانه وتعالى، وأنه يُشكِّل الأساس لمنظومة القيم، وأنه يجب عدم إقحام الدين فى المجال السياسى، وعدم إقحام المجتمع المدنى فى الاستخدام الخاطئ للدين. كما أكد الحضور أن المجتمع المدنى يتعامل مع الحياة واحتياجات الإنسان، أما الدين فهو أمر مقدس، وهو أحد العناصر الأساسية التى يرتكز عليها المجتمع.
واتفق الحضور على أن الدولة تقدم خدماتها من خلال ثلاثة قطاعات (مثلث به ثلاثة أضلاع) هى الحكومة، والقطاع الخاص، والمجتمع المدنى، وأن المجتمع المدنى هو الضلع أو القطاع الثالث الذى يعمل على تعزيز الديمقراطية والمشاركة فى تقديم الخدمات التنموية والثقافية، والتعليمية، والصحية، بغرض تحسين الأحوال المعيشية للمواطنين والمواطنات على قدم المساواة ودون تمييز أو تفرقة على أساس الدين أو العقيدة أو الفكر أو النوع (ذكر أو أنثى)، أى أن المجتمع المدنى هو كل الروابط والجمعيات الأهلية والمؤسسات والمراكز غير الهادفة للربح، ولا تسعى للسلطة. وتقدم خدماتها لجميع الفئات وتعمل على إحداث تغيير إيجابى لتحقيق مصالح الشعب بالطرق السلمية ولا تلجأ للعنف. 
وفى جلسة أخرى من جلسات الحوار، تناول الحضور دور المجتمع المدنى فى الانضمام لحقوق الإنسان، ومطالبة الحكومات بتحقيق مصالح المواطنين ومصالح الشعوب. كما أكدوا  دور المجتمع المدنى وتأثيره الإيجابى فى مواجهة التحديات التى تقابل المجتمع الإنسانى ومنها ازدياد أعداد اللاجئين والنازحين نتيجة لتأجيج الحروب والاقتتال والصراعات الداخلية المبنية على الاختلافات العرقية والطائفية، وأيضا صراع المصالح بين الدول الكبرى، كما أشار الكثيرون إلى الدور الإيجابى والفعَّال أثناء جائحة كورونا لمواجهة الآثار الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن الجائحة. وتطرق النقاش إلى مشاكل الهجرة غير الشرعية والتعامل معها بتنمية المجتمعات وتوفير فرص العمل والقضاء على الفقر والفقر المدقع.
وخلصت جلسات الحوار إلى عدد من التوصيات منها:
وضع آليات وأدوات لتعزيز الحوار العربى - الأوروبى واستمراره حتى لا يكون موسميا أو مؤقتا بل يكون حواراً دائماً لتقديم التجارب وتبادل الخبرات وتفهم الوضع فى العالم الغربى والعالم العربى.
التركيز على الموضوعات الأكثر إلحاحا كالتعليم والبيئة والتنمية والذكاء الاصطناعى.
وجود أجيال وأعمار مختلفة وخاصة الشباب، وتبادل الزيارات وتبادل وجهات النظر والأفكار والآراء بغرض الوصول لفهم مشترك فى القضايا المطروحة.
التعرف على الأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى هى وراء انكماش المجتمع المدنى فى العديد من الدول.
تعزيز الدور الهام للإعلام فى نقل الحقائق بصدق وأمانة.
مناقشة فكرة العولمة فى ضوء المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
تعزيز التعاون بين الشعوب واحترام اختلاف القيم والقضايا بين المجتمعين الأوروبى والعربى.
وفى نهاية المقال أؤكد ما قاله الرئيس الصينى شى جين بينج فى المؤتمر العشرين للحزب الشيوعى الصينى "إن مستقبل ومصير جميع بلدان العالم مرتبط بعضه بالبعض ارتباطا وثيقا حيث يلعب التعايش والتعلم المتبادل بين الحضارات المختلفة دورا لاغنى عنه فى تعزيز تحديث المجتمع البشرى، وازدهار حديقة الحضارة العالمية".