رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ذاكرة الكتب| «سكان هذا الكوكب».. إدراك مُبكر للمشكلة السكانية

سكان هذا الكوكب
سكان هذا الكوكب

فى عام ١٩٣٦، قدّم العالم الجغرافى والأديب المصرى محمد عوض محمد كتابه «سكان هذا الكوكب»، الذى يعد دراسة بانورامية لمحددات النمو السكانى فى العالم على مر التاريخ واستبصارًا مبكرًا بالمشكلة السكانية فى مصر. 

وعلى الرغم من أن عدد السكان فى مصر آنذاك لم يتجاوز ١٥ مليون نسمة، فإن الكاتب قد قبض على حقيقة عدم التناسب ما بين نمو سكانى متصاعد بوتيرة مرتفعة، وموارد مادية وعلمية محدودة، مما أثار الانتباه للقضية، ليصير الكتاب سببًا فى انعقاد أنشطة مختلفة حول المشكلة السكانية، ومنها مؤتمر الجمعية الطبية المصرية لتنظيم الأسرة الذى عقد فى العام التالى من صدور الكتاب. 

درس الكتاب قضية النمو السكانى فى أقطار مختلفة من العالم ومن منظورات مختلفة، منها الناحية التاريخية للسكان، وتوزيع الأجناس والسكان، والأمور الصحية والطبية، والناحية الديمجرافية، أى وصف أحوال السكان من حيث الحجم والنمو، والناحية الاجتماعية كمسألة الأسرة والعلاقة بين السكان وموارد الثروة. 

ومع أن الكاتب قد خصص فصلًا واحدًا فقط عن الزيادة السكانية فى مصر، فقد تطرّق إلى المشكلة فى أجزاء أخرى من الكتاب وحللها من جوانب مختلفة، لينوه بأنها مشكلة معقدة تحتاج إلى تكاتف وتعاون جهات مختلفة تشمل مصلحة الصحة، والإحصاء، والمعارف، والتشريع، والعدل، والزراعة، والتجارة.

تعرّض عوض إلى الفكرة التى ما زالت ترسخها بعض الخطابات الدينية عن أهمية التناسل، فأشار إلى أن الكثرة العظمى من الأديان تحض الناس على أن يتناسلوا ويتكاثروا، ولكن ينبغى التفكير فى سؤالين؛ إلى متى وإلى أين؟

وأوضح ذلك بقوله: «إن الجماعات العاقلة المفكرة لا تصدر فى عمل من أعمالها صغيرًا أو كبيرًا إلا من عقل وروية، فهل تشذ مسألة نمو السكان عن هذه القاعدة.. ما يجمل بنا نحن الشرقيين أن يمنعنا التعنت من مواجهة هذه الحقيقة المرة، وهى أن الأوروبيين استطاعوا بانتباههم ويقظتهم أن ينقصوا من حجم أسرتهم وتقليل عدد الأطفال، وتمكنت كل أسرة بذلك أن تعنى بتربية أبنائها وتثقيفهم إلى أقصى حد، وهم بذلك كسبوا قوة جديدة فوق قوتهم وتمكنوا من أن يبارزونا فى ميدان جديد، وليس هذا وحده الخطر، ولكن الخطر الحقيقى هو هذا الجمود السائد فى بعض بلاد الشرق التى تزداد عددًا وجهلًا ومرضًا، ويأبى الذين فى أيديهم أمرها إلا أن يغضوا النظر أو يكابروا».

انتقد عوض فى أكثر من موضع التفاخُر بكثرة النسل دون السؤال عن قيمة هذا العدد الهائل إذا كان معظمه رهين الفقر والأمراض، ووجه حديثه للمفكرين قائلًا: «إذا جاز للعامة ولذوى التفكير السطحى أن يعجبوا بهذا النمو الهائل، فالأجدر بالمفكرين أن يسألوا ويُلحوا فى السؤال عما إذا كان هذا النمو قد صحبه تحسن فى معيشة الناس، وهل المصريون اليوم عامة أرغد عيشًا مما كانوا فى الأزمنة السالفة؟ وبوجه عام يجب أن يبحث قادة الرأى فى مصر عما كانت مساكن المصريين ومآكلهم ومشاربهم وحالتهم الصحية وثقافتهم؛ مما يجعلنا نفخر بانتمائنا لهذا الشعب». 

واختتم «عوض» كتابه بالتأكيد على أن الحسم فى مسألة الزيادة السكانية بوابة لأى مشروع للإصلاح الاجتماعى، فلن يقيض لأى مشروع إصلاحى النجاح دون دراسة مشكلة السكان دراسة جدية عملية، ومعالجتها معالجة جريئة ناجعة؛ لأنها أكبر المشكلات خطرًا وأبعدها أثرًا.