رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صفاء وقصواء.. والإعلام الثقافى

لا شك أن حصاد منتجات إعلام ثقافي يتولد نتيجة فعل منظومات تدعم الارتباط الإيجابي بين الإعلام والثقافة، وهو ما نراه في كل محاولة لنقل الثقافة من عقول المبدعين ومن خبرات وتراث المجتمع إلى الجماهير، والإعلام بطبعه وسيلة جماهيرية، وعندما تنتقل الثقافة إلى جموع الناس يصبح ما يسمى بالإعلام الثقافي وهو نوع من الإعلام المتخصص الذي يخاطب نخبًا متعددةً داخل المجتمع، وينقل إلينا المعلومات عن كل أشكال المنتج الثقافي الذي يتم إنتاجه داخل مجتمعنا أو المجتمعات الأخرى .
ومعلوم أن وسائل الإعلام من أهدافها الهامة دعم حالة الوعي العام لدى الجماهير، ولعلنا نهتف مع الكاتب المبدع الراحل د. يوسف إدريس "أهمية أن نتثقف يا ناس"، فالتثقيف يرتبط بنقل كل المنتجات الثقافية من عقول المبدعين عبر هذه الوسائل إلى الجماهير، خاصة أن الإعلام في بدايته وخاصة الصحافة كان لنشر الثقافة وليس لنشر الأخبار، لذلك يجب أن تُولي مؤسسات الإعلام الكبرى في بلادي مزيدًا من الاهتمام بالثقافة في إعلامها في العصر الحالي .. عصر اندماج وسائل الإعلام ..
لقد حرص قادة الإعلام في بلادي بشكل عام والتليفزيوني بشكل خاص  في عصر الريادة بحق على توفير توليفات لمواد ثقافية وتنويرية وعلمية وإبداعية متنوعة الأشكال والإطارات الفكرية والترفيهية الممتعة.. وبأن يقدمها أهل الاختصاص وأصحاب الملكات الإبداعية القادرة بما تملك من خبرات ومخزون معرفي وثقافي أن ترعى وتدعم منظومات تشكيل الوعي العام .. ولأن آفة حارتنا النسيان، يمكن التذكير ببعض برامج التثقيف مثل "نادي السينما" ومقدمته القديرة المتخصصة " د. درية شرف الدين ، " الموسيقى العربية " ومقدمته الدكتورة المبدعة المتخصصة "د. رتيبة الحفني" ، "الفنون التشكيلية" والرائعة "رشا مدينة" ، وبرنامج "لغتنا الجميلة" بالإذاعة المصرية و"أمسية ثقافية" بالتليفزيون للشاعر والمثقف العظيم "فاروق شوشة"، و"العلم والإيمان" للمفكر والمبدع "د. مصطفى محمود" ، و"عالم البحار" للعالم الرائع "د. حامد جوهر" و"غواص في بحر النغم" و"سهرة شريعي" للموسيقار والمبدع الموسيقي "عمار الشريعي" ، وبرامج بديعة للطفل المصري والتعريف بالتراث الشعبي وبالجديد في عالم الصناعة  برنامج تكنولوجيا".. باقة رائعة يحتشد لإبداعها نخبة رائعة من رواد الفكر والإبداع في بلادي..
وعلى حين غِرة اختفى معظم تلك البرامج ولم تواصل أجيال جديدة تقديم ما يعوض ذلك الفقد العظيم، والآن نأمل خيرًا مع اقتحام "الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية" لمجال دعم منظومات ترقية الوعي الجماهيري بعد نجاحها في إنتاج دراما رائعة فنيًا وجماهيريًا في التعامل مع القضايا الوطنية والاجتماعية التي من شأنها دعم فكر المواطنة والانتماء والحفاظ على الهوية وإعادة وتصحيح بعض المغالطات الفكرية والتاريخية والمعلوماتية بتوثيق علمي بديع..
لقد بتنا في حالة اشتياق إلى متابعة برامج تبتعد بنا عن برامج محاكمات نجوم الخيابة وأخرى لإهانة نجوم بمقابل مادي وثالثة تقدم الدجل الطبي ورابعة تزور وقائع التاريخ وخامسة وسادسة وسابعة وثامنة وعاشرة لإهدار الوقت وبث المضروب من الافتكاسات التي تطرحها صفحات التراجع الاجتماعي..
وكم أسعدني أن تبادر بعض الفضائيات لتقديم برامج لسد الاحتياج الثقافي والمعرفي وتقديم جرعات بديعة في تنمية الوعي العام الوطني والسياسي والاجتماعي والإنساني للمتلقي المصري..
تقدم لنا شبكة تليفزيون الحياة البرنامج الرائع "أطياف" وتقدمه الكاتبة والروائية والمحررة الأدبية لجريدة الدستور وصاحبة صفحة "مرآة الإبداع" التي تقدم بشكل أسبوعي شبابًا مبدعًا في مجالات الإنتاج المختلفة، وهى الأستاذة الأكاديمية في مجال الإبداع الإعلامي د. صفاء النجار..
في حلقة أخيرة من "أطياف" طار البرنامج ومقدمته في حلقة خاصة من دولة الإمارات العربية المتحدة، تغطية حية لمعرض أبوظبي الدولي للكتاب الثاني والثلاثين، في بداية الحلقة، الدكتور على بن تميم، رئيس مركز أبوظبي للغة العربية أشار إلى أن  اختيار العلامة ابن خلدون شخصية محورية في المعرض تقديرًا لإسهاماته الثرية في التاريخ العربي والعالمي، إضافة إلى إنتاجه المعرفي وتأثيره العالمي وتأثيره السياسي، وأشار إلى أن محور الاستدامة جاء امتدادًا لجهود دولة الإمارات في دعم الاستدامة في جميع المجالات، حيث يسلط المعرض الضوء على علاقة الاستدامة بالنشر والقطاع الثقافي والصناعات الإبداعية والمتاحف..
لقد كنا نحلم دومًا أن تنتقل البرامج الثقافية لكل مواقع الإنتاج الثقافي والمعرفي والفني، كنت أتعجب من ابتعاد كاميرات برامج القناة الثقافية عما يحدث في قصور الثقافة ومسارح الجامعات والمسرح العمالي وفعاليات مسابقات الإنتاج الأدبي ومعارض الكتاب في المحافظات، فتحية لبرنامج "أطياف" ومقدمته "د. صفاء" مبدعة مجموعة "الدرويشة" والتي ضمنتها عبارة تقول "المكبلون بالشفقة والفقد لا يملكون إلا الصمت، ومثل هذا الصمت ليس استسلامًا أو يأسًا، إنما هو نوع من المقاومة الإنسانية الفعالة التي قد لا يلحظها أحد.."..
وعلى شاطئ آخر تطل علينا المذيعة البدوية القادمة من أقصى غرب البلاد، حيث صحراء السلوم الإعلامية المتميزة "قصواء الخلالي" على هواء قناة  "cbc"وهى التي خاضت تجربة العمل عبر ميكروفون الإذاعة من خلال برنامج "قهوة المثقفين" ، وفي برنامجها الحالي "في المساء مع قصواء" تؤكد خطأ من يعتقدون عدم جماهيرية وانتشار ونجاح البرامج الثقافية والتنويرية المعنية بقضايا دعم الوعي بشكل عام ..
تعتمد قصواء فى البرنامج على الإيقاع السريع وتقديم كمًا من المعلومات بشكل بسيط، تداركًا لما قد يصيب المشاهد بملل، وفي الغالب تتضمن الحلقة 3 فقرات متنوعة، بالإضافة إلى 11 فقرة معلوماتية قصيرة تستهدف شرائح الجمهور كافة ومن مختلف الفئات، بهدف كسر الخرافات الموجودة لدى البعض والمعتقدات الخاطئة والظواهر والظروف التي تسود المجتمع الثقافي.. وأعتقد أن حلقات البرنامج على هواء قناة " ten " أو " cbc " التي حفلت بمقابلات فكرية رائعة مع رموز الإبداع والفنون والعلوم والفكر قد استطاعت أن تستجيب لشغف المتلقي في الاستنارة بفكر ورؤى نخبة بديعة ظل ينتظر متابعتهم، فاستجابت شاشة "قصواء" كما استجابت شاشة "صفاء" بروعة وبحوارات معدة بروعة وجهد وتحضير بديع ..
وأكدت قصواء في أكثر من حلقة، أن الثقافة تعلمنا الصبر، وأن نسعى بكل طاقتنا لتجاوز العقبات وتحقيق الأمنيات، فالمادة الثقافية إذا طرحت بشكل سلس وسهل لا بد أن تصنع التغيير، لأنها المظلة التي تجمع تحتها كل القطاعات المعرفية من اقتصاد وسياسة وفن ولغة، فكل حياتنا عبارة عن ثقافة تتجلى في سلوكياتنا ومعتقداتنا.. 
أخيرًا أرجو أن تتقبل مني الرائعة "قصواء" ملاحظتي حول ذلك الإيقاع السريع لرتم حديثها، بما يجعلنا نلهث ونبذل الجهد الإضافي لحسن المتابعة، وأستشعر نبض قلبي المتسارع حتى لا يفوتني عروضها المعرفية البديعة..وأعتقد أن شغفها بما تقدم من مادة وحماسها، فضلًا عن تصورها لضيق المساحة الزمنية من وجهة نظرها قد يكون السبب في التعجيل بما يقدم..