رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المحجوبات.. كتاب عن اللاتى يقهرن المستحيل

سعدت هذا الأسبوع بقراءة كتاب Hidden Figures- المحجوبات، للكاتبة الأمريكية Margot Lee Shetterly- مارجوت لى شيتيرلى.

وقد سبق أن شاهدت الفيلم المأخوذ عن هذا الكتاب، وقد حمل الفيلم عنوان شخصيات مخفية، وتم إنتاجه عام ٢٠١٦؛ من بطولة أوكتافيا سبنسر وتاراجى بيندا هينسون وجانيل موناى، وقدم الفيلم جهد عالمات الرياضيات دورثى فوتون وكاثرين جونسون ومارى جاكسون، العقول المدبرة وراء الإطلاق التاريخى لرائد الفضاء جون جلين، ليصبح أول أمريكى يدور فى مدار الأرض عام ١٩٦٠، وتمكنت النساء الثلاث من أصول إفريقية بهذه المهمة من حفر أسمائهن فى التاريخ. وقد قام الرئيس أوباما بتكريم صُناع الفيلم.

يكشف الكتاب، الذى تعبر ترجمة عنوانه المحجوبات، عن تعمد إخفاء جهد هؤلاء العالمات وغيرهن من النساء ذوات الأصل الإفريقى فى أمريكا فى فترة التمييز العنصرى، التى ظلت سائدة فى أمريكا حتى منتصف الستينيات. 

وقد بذلت المؤلفة مارجوت لى شيتيرلى جهدًا بحثيًا كبيرًا استغرق منها خمس سنوات من أجل الكشف عن دور عالمات الرياضيات الأمريكان من ذوات الأصول الإفريقية فى أبحاث الفضاء الخاصة بوكالة أبحاث الفضاء، فنتعرف من خلال الكتاب الذى تزيد صفحاته على خمسمائة صفحة على عدد من السيدات الأمريكيات ذوات الأصول الإفريقية عن مجموعة من العالمات اللاتى عملن فى وكالة ناسا فى وقت كانت فيه العنصرية ضد السود فى أوجها، فضلًا عن أنه لم يكن للمرأة مكان فى مجالات الحياة المختلفة.

نتعرف على دورثى فوتون وشغفها الدائم بالعلم والتعلم، وتضحيتها المتتالية من أجل مصلحة والديها ومصلحة أبنائها وأسرتها، ونتعرف على كاثرين جونسون الشخصية التى لا تلين من بدايات الطفولة حتى عملها فى ناسا وشغفها بالعمل الذى امتد لثلاثة وثلاثين عامًا.

كما نتعرف على مارى جاكسون، التى بقيت راسخة فى سعيها المزدوج لتحقيق النصر للسود والأمريكيين. 

ما يجذب الانتباه فى هذا الكتاب، هو تقديمه المناخ العام السائد فى الولايات المتحدة فترة الحرب العالمية الثانية وما بعدها فى الخمسينيات والستينيات، وكيف كانت قيمة التعليم مرتفعة رغم سياسات التمييز العنصرى، التى كانت تحول بين الطلاب السود وبين الدراسة الجامعية والدراسات العليا، رغم ذلك شهد المجتمع الأمريكى المحاولات الجادة للتخلص من نير التمييز العنصرى، وكيف كان خريجو الجامعة من السود يعملون فى أكثر من وظيفة من أجل توفير سبل المعيشة، ورغم هذه الشدة فلم يهن حب الوطن والرغبة فى تعويض خسارته فى مجال الفضاء، بعد أن حقق الروس السبق بإطلاق الصاروخ سبوتنيك إلى الفضاء.

ويقدم الكتاب صورة الجهود المبذولة فى وكالة ناسا لتحقيق حلم الوصول إلى الفضاء وهبوط الإنسان على القمر، وكيف أن هذه الخطوة المهمة فى مسار البشرية وقف خلفها ٤٠٠ ألف شخص أسهموا من وراء الكواليس فى جعل هذا الحدث ممكنًا، ولم يكن جميع هؤلاء الأشخاص أمريكيين بيض البشرة، بل كان بعضهم من الملونين المضطهدين، وكيف تغير اسم الوكالة من ناكا، حيث كانت معنية بعلوم الطيران والمجال الجوى، إلى ناسا المعنية بأبحاث علوم الفضاء.

الكتاب يمثل قصة أمل ودليلًا على انتصار الكفاءة حتى فى أحلك وأصعب الظروف، وعلى أنه لكلٍ الحق فى الصعود والترقى، وفقًا لما تسمح به موهبته وما يقدر عليه جهده فى العمل. وبالنسبة لنا كمصريين أتمنى أن يمنحنا هذا الكتاب وقفة مع النفس، من أجل العودة إلى قيم العمل والاجتهاد والابتعاد عن التكاسل والاستسهال، الذى ابتدى يسود حياتنا. 

أهدت المؤلفة الكتاب إلى والديها وجميع النساء اللاتى قامت على أكتافهن وكالتا ناكا وناسا. فى تحية واجبة لجهود النساء اللاتى عملن فى صمت لسنوات، ولم تحظ قصتهن بالاهتمام إلا مؤخرًا.

صدر الكتاب بترجمة رائعة وبلغة سلسة معبرة للمترجم أحمد شافعى فى إطار التعاون بين دار نشر تنمية مع برنامج الكتاب العربى بالسفارة الأمريكية بالقاهرة.