رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عندما تكون الوصاية جاهلة وغاشمة

من منا يمكن أن ينسى قرار زعيم الجماعة السلفية أبومصعب عبدالودود بإهدار دم الفنان المصري عادل إمام  بسبب انتقاده لحركة حماس، وكيف أكد في بيان تم تداوله في الفضاء الإعلامي والإلكتروني، جاء فيه "في ظل هذا المصاب الجلل الذي تعيشه أرض الرباط في غزة يحلو لبعض المشركين والكفار الاستهزاء بدماء الشهداء من الأطفال والنساء والمرابطين في سبيل الله وقد فعلها المرتد الكافر عادل إمام وقد استحق هدر دمه"!.

 ووصفت مواقع إسلامية في الجزائر والمغرب وفرنسا عادل إمام " بالزنديق والكافر والمرتد " على خلفية اتهامه لحركة حماس بالتسبب فيما يتعرض له سكان قطاع غزة واستهزائه بالشعوب العربية التي خرجت للتظاهر مناصرة لسكان غزة .. يحدث هذا رغم تأكيد الفنان أنه مع المقاومة الفلسطينية ومع الحق في الدفاع عن الأرض ضد المحتل بكل الطرق، وهو الحق الذي لا يمكن أن يتوافر بغير اتحاد كل الفصائل والقوى الفلسطينية، وبينهم أصدقاء له من فصائل مختلفة، يوجه لهم النداء لكي يتحدوا وينسوا كل الخلافات، وعليهم توحيد صفوفهم حتى تصبح قوتهم مؤثرة.
 

ينكشف أمر أصحاب مخططات الوصاية الدينية التي يتوارثها الانتهازيون ويتواصون بها لبقاء إحكام قبضتهم على عموم الناس بما يحبون من ربهم فى مسائلهم الشخصية ومنها قضايا التعامل مع أصحاب الأديان والمذاهب الأخرى، وأمور حرية المرأة، والنيل من حقوق المبدع والباحث، ومناصبة العداء لمن يُعملون العقل والفهم الرشيد في أمور القراءة المستنيرة لآيات كتب الله المقدسة عبر بث المزيد من نظم فرض السيطرة وآليات الوصاية الغاشمة.


وبكل انتهازية وبتلبس إطارات ومسوح دينية حنونة رقيقة جاذبة للبسطاء منا جمعوا مع هدف السيطرة المجتمعية رغد العيش باعتلاء منازل التوقير والتقديس وتلقى الهبات اللائقة بمنصب "المتحدث الرسمى عن الله أو وكيل أعماله على الأرض"، فلا يسألهم أحد عن أعمالهم وهم يسألون الناس ويؤاخذونهم ليس عن ظلم بعضهم لبعض في معاملاتهم المالية أو الحياتية، وإنما عما جعله الله واسعًا في دينه فأظهروه على الضيق والحرج واصطادوا بهذا المكر الخبيث كثيرًا من الأتباع الذين ظلموا أنفسهم عندما فقدوا الثقة في طمأنينة قلوبهم وقناعة عقولهم فسلموا وجوههم لظالميهم من دون الله الذين حرموهم حق الاختيار الفقهي والديني المكفول لكل عاقل فى استيعاب التعاليم الدينية.


منذ ما يقارب الحقبة من الزمان طالعتنا وكالات الأنباء والعديد من مواقع الإنترنت بصور وتعليقات حول خبر نشر إعلان تم إعداده على شكل لافتات ضخمة مثبتة على أكثر من 800 حافلة تجوب شوارع لندن تحمل عبارة واحدة "الله قد لا يكون موجودًا، كفوا عن القلق وتمتعوا بحياتكم" .. وهي عبارة بالطبع لا تنطلق إلا من بشر ملحد يحمل دعوة كافرة بوجود الله حتى لو أضاف للعبارة "قد" عبر تشكيك غير مقبول من أي مؤمن ينتسب إلى أي دين أو عقيدة، بل هي تحمل رسالة أكثر كفرًا وبشاعة عبر تصوير أن الحياة بعيدًا عن الله العلي القدير يمكن أن تكون ـ وحاشا لله ـ ممتعة وكأننا أمام صوت الشيطان متجسدًا في لافتات تجوب العاصمة البريطانية ليل نهار.

 
ورغم رفضي ورفضك عزيزي القارئ للعبارة وناشريها ومموليها حتى لو كان هناك ادعاء بأن تلك الفعلة الشريرة جاءت بدعوى العمل على فصل الكنيسة عن الدولة في بريطانيا، وأنهم يدعون أنها مجرد عبارة تثير الابتسام وكأنها بمثابة دُعابة، فإنه أمر بشع وممجوج، ولكن دعونا  نتأمل ردود الأفعال في الشارع الإنجليزي كما ورد في الخبر .. تحركت 800 جمعية مسيحية لحقتها جمعيات إسلامية للمطالبة بمنع هذه الإعلانات التي تنفي وجود الله، وتلقت هيئة مراقبة الإعلانات دعاوى بلغ عددها 110 دعاوى يتم نظرها بشكل عاجل، وإن كان هناك رأي مختلف للبعض مثل الكاهن الميثودست "ستيفن غرين " الذي قال إنه أمر جيد للنقاش حول المسائل الكبرى في الوجود، أما الجمعية الإنسانية البريطانية التي ساهمت في تمويل تلك الحملة الإعلانية فقد قال ممثلوها إنهم يشفقون على هيئة مراقبة الإعلانات التي ستضطر إلى إصدار حكم فيما إذا كان الله موجودًا أم لا!!
 

هكذا كان رد الفعل في بلاد الفرنجة أما في بلاد الشرق السعيد، وفي نفس الفترة تقريبًا، وفي مجابهة حدث مماثل ينادى رجال الدين بسرعة لإعلان غضبهم العارم في مظاهرة تذهب إلى الكاتدرائية والتأكيد على رفضهم لإنتاج وعرض فيلم مثل فيلم "بحب السيما" ويعتبرونه إساءة مباشرة للعقيدة المسيحية، وعبر حالة توتر وغضب غير مسبوقة تتم ـ للأسف ـ الاستجابة وإيقاف عرض فيلم بديع ينادي بالتسامح والحب والاقتراب من أطفالنا وتصويب الخطاب الديني والروحي .. قالوا بغير مشاهدة.. ولم يفهموا الفرق بين الرسالة المسيئة والرسالة الداعمة للعقيدة وتقريبها للعباد عبر الوسائط الإبداعية .. حتى إنهم لم يدركوا معنى الآية "اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ وَلكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُول" وكأنما يوجهون رسالة عكسية مفادها أن من شأن فيلم يعرض في دار الخيالة يمكن أن يؤثر على مسار وعقيدة دينية لدى جماعات المؤمنين.
وعليه، نأمل جميعنا أن تبادر أمانة الحوار الوطني بتنظيم ندوات حول عدة محاور لحوار شامل وعملي لوضع تصور للإجابة عن سؤال: كيف السبيل إلى تطوير وإصلاح الخطاب الدعوي والرعوي والتوعوي ورسائل الإعلام والدراما، وبرامج الثقافة والتنوير؟