رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مشاهد العيد

ولا يعكر صفو فرحتنا بالعيد إلا دماء الأنعام المسفوحة على الطرقات وأخلاط من روائح عطنة ممزوجة بعصارات الأحشاء ونفايات البهيم، فى وقت تحذر فيه أجهزة الدولة من الذبح بالشوارع، وهى التى خصصت مجازر حديثة للنحر المجانى، فنعانى من أسراب «الطير» والأمراض التابعة.

ويلفت انتباهك تكبيرات العيد التى تصدح من بعض المحلات وبعض المساجد بصيغ وأداءات غير مألوفة للمصريين، صيغة يقولون إنها شرعية وما عداها بدعة، فى حين أن الله تعالى ذكر الأمر على إطلاقه فى سورة البقرة: «وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ»، كما أن الإمام الشافعى استحسن الزيادة من تسبيح وحمد وعبادة لله وإخلاص فى الدين، وفى مصر نزيد بالصلاة على النبى وآل بيته وأصحابه وأنصاره وأزواجه وذريته، ولا تستمتع إلا مع صلاة العيد فى مسجد من آلاف المساجد التى حافظت على تراثنا فى التكبيرات صيغة وتنغيمًا، والله أعلى وأعلم.

والبهجة، كل البهجة، حين يتحرك الملايين نحو جسور النهر العظيم، وصاحبه «حابى»، يسابقهم الفتية والصبيان بفورتهم النشطة وتباهيهم بالفتوة والصبوة، يعتريهم ضيق إن حاول أحدهم سجن طاقتهم فى كمون خامل.

أراهم مئات فى المواصلات العامة، وعلى رأسها مترو الأنفاق، وسيلتى الأثيرة نحو العمل حتى فى أيام العيد، مرتدين الثياب الجديدة، تتوج رءوسهم قصات شعر غرائبية، حاملين الدفوف، التى لا يجيدون الطرق عليها؛ فتخرج نغماتهم عشوائية ضجوج، قاصدين متنزهات القاهرة الكبرى، فيسأل معظمهم عن وسط البلد والكورنيش.

يضج المكان بصخب الفتيان وشقاوتهم، يتشعلقون على أعمدة المترو، تتطاير من أفواههم ألفاظ لافتة، لكنها لا تخلو من فرح وسعادة فطرية، لا يشغل بالهم هموم أكل العيش والكد فى طلب الرزق، سعيهم البحث عن المرح لا أكثر، وحين يعيقون حركة الأبواب، فيتعطل المترو تبدأ مناوشات الكبار، الذين يصبرون على هذا الحدث الطارئ خوفًا من اتحاد الفتية عليهم فيدخلونهم فى جدال غير متكافئ ينتصر فيه الجيل الجديد بسخريته اللاذعة و«إيفهاته» الجديدة التى لا يعلم الكبار عنها شيئًا، فيؤثرون السلامة بالصمت أو التودد لهذا الجيل المشاكس ليأمنوا «شره».

وكنت ذات زمن مثل هؤلاء الأشقياء «أتشعبط» فى جرار قطار «كوبرى الليمون»، الذى حل محله المترو الآن، للذهاب إلى السينما، أراوغ المخبرين الذين كانوا يحموننا من خطر السقوط، بينما كنا نظن أنهم «هادمو لذات»، نصخب ونلهو بلا منغصات، نتمتع بقروشنا القليلة بأكلة كشرى على العربة التى تقف أمام السينما، أو رغيف حواوشى، ونحلى بـ«إزازة كازوزة»، وبعد يوم طويل نعود إلى أهالينا مهدودين من التعب، لكننا سعداء. 

كل عيد ومصر بشبابها الصاخب وجميلاتها وشقاوتها بألف خير وسعادة.