رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لوفر أبوظبى فاترينة عرض رائعة للحضارات العالمية «5-5»

لم أكن أستطيع إنهاء زيارتى لأبوظبى لحضور فعاليات معرض أبوظبى الدولى للكتاب دون زيارة متحف لوفر أبوظبى. 

من أمام مركز المؤتمرات أخذت تاكسى إلى لوفر أبوظبى، الذى يبعد عن المركز ١٣ كيلومترًا، قطعها التاكسى فى مدة نصف ساعة، مررت خلال الطريق بالمحكمة العليا فى الإمارات ونفق الشيخ زايد حتى وصلت إلى جزيرة السعادات.

سبق لى زيارة متحف لوفر باريس منذ عام ٢٠٠٦، فكان لدى هذا الشغف الكبير لزيارة لوفر أبوظبى، 

حرارة الشمس الشديدة، رغم أننى وصلت لمدخله فى الساعة ١١ صباحًا، لم تجعلنى أتمكن من تأمله من الخارج، لكن شدنى اللون الأبيض الذى يغلف ما قابلنى من واجهته، والذى عكس حداثة وعصرية فى تصميم المبنى، الذى ذكرنى على الفور ببساطة تصميم متحف أم كلثوم فى قصر المانسترلى بالمنيل. 

بمجرد دخول المتحف، وقبل بدء الجولة المتحفية، توجد مساحة عرض كبيرة على شكل مستطيل ناقص الضلع عبارة عن حائطين متواجهين، على كل حائط لوحة، الأولى تمثل الرسام نفسه وهو حى ولكن متمدد فى المشرحة، والثانية لوحة لوالد المتوفى لكنه يبدو وكأنه حى، وبينهما حائط أعرض معلق عليه لوحة ضخمة رسم للوحة الموناليزا من رؤية الفنان وعن يمينها ويسارها لوحتان لمناظر طبيعية لغابات أوروبية أو آسيوية. 

فبتكليف من متحف أبوظبى قام الرسام الصينى: يان باى- منج، المولود فى شنغهاى عام ١٩٦٠، بإعادة رسم لوحة الموناليزا الشهيرة، ولكن من رؤيته ومنظوره الخاص. 

تروى اللوحات الزيتية الخمس، المرسومة على القماش، والتى تشكل سلسلة جنازة الموناليزا، حكاية أوجه مختلفة فى الزمن الذى رسمت فيه اللوحة الشهيرة. فضلًا عن حياة الرسام نفسه، وهو ما يعكس دورة الحياة والموت وقوة العائلة ونفوذ الرسم. وتشمل اللوحات الخمس التى يغلب عليها اللون الأبيض، وهو لون يرتبط مع ظاهرة الحداد فى الصين، صورة للموناليزا والدموع فى عينيها وقطعتى أرض مفروشتين بالجماجم ولوحات حميمة للفنان ووالده. لوحات يسيطر عليها الأبيض والأسود والرمادى، فتتداخل الخيالات مع المنحوتات الكبيرة الخاصة فى متحف أبوظبى وما قدمته الفنانة الأمريكية المعاصرة جينى هولزر «١٩٥٠»، حيث قامت بابتكار ثلاثة جدران حجرية خصيصًا لمتحف اللوفر أبوظبى «٢٠١٧»، نحت على الجدار الأول مقتطفات من كتاب «المقدمة» لابن خلدون.. أما الجدار الثانى فيحمل نصوصًا مستوحاة من لغات بلاد الرافدين «السومرية والأكادية المكتوبة بالخط المسمارى» الموجودة على «لوح الأسطورة»، فى حين نقشت على الجدار الثالث نصوص مدعمة بالشرح من طبعة عام ١٥٨٨ لمقالات الكاتب والفيلسوف الفرنسى ميشيل دى مونتين.

ولأنه لا يوجد متحف دون أن تزينه آثار مصرية قديمة، فلم يطل بحثى، حيث وجدت أثقل قطعة متحفية فى لوفر أبوظبى، تمثالًا ضخمًا للملك رمسيس الثانى، الملك الثالث فى الأسرة التاسعة عشرة «١٢٧٩- ١٢١٣ ق.م»، طول التمثال ٢.٥ متر، ويزن ٥ أطنان كاملة، جالسًا على كرسى مكعب مغطى بنقوش باسم الملك رمسيس الثانى فى الوضع الملكى ويداه مسطحتان على فخذيه، ويرتدى غطاء رأس النمس مع كوبرا «مكسور» ولحية مستعارة. 

وقد نُقشت أسماء وألقاب رمسيس الثانى على إبزيم الحزام وعلى ظهر العرش وجوانبه. التمثال مصنوع من حجر الديوريت، وتم اكتشافه فى تانيس بمحافظة الشرقية عام ١٨٢٧م، ونقل لمتحف لوفر باريس، وتمت إعارته للوفر أبوظبى. 

يضم متحف لوفر أبوظبى ٢٣ صالة عرض دائمة تقدم تحفًا فنية تروى قصصًا من الحقب التاريخية المختلفة التى مرت بها البشرية وصولًا إلى الوقت الحاضر فى ١٢ سلسلة مختلفة. 

وآثار المتحف معارة من العديد من المتاحف العالمية، على رأسها مركز بومبيدو، متحف أورسيه وقصر فيرساى. والمعارض العربية مثل: تمثال «عين غزال»، من الأردن، ويرجع تاريخه إلى ٨٠٠ عام مضت، ونحو ٤٠٠ عملة فضية من سلطنة عُمان، وأداة حجرية تعود لعصر ما قبل التاريخ من السعودية.

ولا يقتصر المتحف على عرض الآثار، فقد حضرت جزءًا من فعالية معرض بعنوان «كبار نجوم بولیوود: عالم السينما الهندية»، حيث يعرض الإرث الفنى والحضارى الذى تزخر به شبه القارة الهندية من خلال تاريخها الحافل فى مجال صناعة الأفلام التى تميزت بالثراء والعمق والتنوع.

يسلط المعرض الضوء، من خلال ما يزيد على ٨٠ عملًا فنيًا تشمل صورًا فوتوغرافية، ومنسوجات، وفنون تصويرية، ومقتطفات من أكثر من ٣٠ فيلمًا، على تاريخ السينما الهندية الثرى منذ نشأتها فى أواخر القرن التاسع عشر حتى وقتنا الحاضر.

متحف لوفر أبوظبى هو نافذة وفاترينة لعرض نماذج الحضارات العالمية، ولتقريب رؤى الشعوب، وهو مشروع يستحق التشجيع، فهو متحف يمكن أن يضم ويرعى الإبداعات الفنية للأجيال العربية المعاصرة ويصل بها إلى العالمية، وهو ما نتمناه ليتحول عالمنا العربى من مستهلك إلى منتج للحضارة.

تحية محبة لشعب الإمارات الشقيقة، الشعب الطيب المحب لكل ما هو مصرى، وتحية تقدير لإدارة معرض أبوظبى الدولى للكتاب التى أتاحت لى فرصة الاستزادة من المعرفة ونقل هذه التجربة لقراء جريدة «الدستور» ولمشاهدى برنامج «أطياف» على تليفزيون «الحياة».