رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بالتزامن مع عيد الجلاء.. إسهامات الفنانين المصريين فى مقاومة الاحتلال البريطانى

عبد الناصر يوقع اتفاقية
عبد الناصر يوقع اتفاقية الجلاء

تحتفل مصر اليوم بالذكرى السابعة والستين لجلاء آخر جندي بريطاني عن مصر  18 يونيو 1956، لينتهي الاستعمار البريطاني الذي دام لمدة 70 عامًا.

وفنانو مصر هم قوتها الناعمة وجزء من شعبها، يتأثرون بالأحداث التي تجري على أرضها، وكما كانت ثورة 30 يونيو 2013 لخلع حكم الجماعة الإرهابية ومن بينها اعتصام المثقفين بوزارة الثقافة، كان فنانو مصر منذ أكثر من ستة عقود بداية لانطلاقة الاستقلال عن الاحتلال الإنجليزي، وهو ما سجلته مجلة الكواكب الفنية في عددها 255 والصادر بتاريخ 19 يونيو 1956، تحديدًا في اليوم التالي لجلاء القوات البريطانية عن أرض مصر.

وفي هذا العدد أبرزت "الكواكب" مساهمات الفنانين للاحتفال بهذه المناسبة، فتحت عنوان "إحنا لها .. صرخة الأحرار" نشرت الكواكب النشيد الذي غناه فريد الأطرش وظهر في فيلم "ودعت حبك"، والتي استوحاها أبوالسعود الإبياري من خطبة للزعيم جمال عبدالناصر، وتحديدًا رده على الشائعات التي تناثرت وقتها عن تعرض مصر لهجوم بريطاني جديد.

 فرد قائلًا  "عزم وقوة"، ومنها استلهم "الإبياري" كلمات نشيد "صرخة الأحرار .. إحنا لها"، والذي غناه "الأطرش"- بحسب مجلة الكواكب - وسط 500 جندي من مختلف الوحدات في فيلمه "ودعت حبك"، والذي شاركه بطولته كل من شادية، أحمد رمزي، عبدالسلام النابلسي، السيد بدير وتوفيق الدقن، وأخرجه يوسف شاهين.

ــ أول مظاهرة فنية نادت بالجلاء

وفي نفس العدد من الكواكب، وتحت عنوان "أول مظاهرة فنية نادت بالجلاء"، رصدت المجلة إسهامات الفنانين في العمل الوطني ومقاومة الاستعمار البريطاني. والذي بدأ مع ثورة 1919.

 وعنها تقول المجلة، جاءت ثورة 1919 فتولي الفنانون مهمة المقاومة وإطالة أجلها واستمرارها، فكان سيد درويش ونجيب الريحاني وبديع خيري وعشرات وعشرات من أهل الفن يتخذون من طرقات القاهرة وميادينها مسارح يؤدون فوقها أجمل أدوارهم، وكان هذا الشعب الثائر الذي يتعجل الوصول إلي يوم النصر، يردد الأغاني والأزجال والأناشيد وهو يتلقي قذائف المدافع الرشاشة فلا يتراجع. 

وتابعت المجلة، وفي الليل كانت المسارح ودور اللهو كلها تترجم في شتى فنونها من أصدق العواطف الوطنية الجياشة، وتثير في نفوس المتفرجين حماسة تدفعهم إلى البذل والفداء، وأحست السلطات البريطانية أن المسارح وسائر الملاهي أضحت مصدر المتاعب والإزعاج لها، فأمرت بإغلاقها، على أن هذا الأمر لم يطل، فسرعان ما عادت هذه السلطات وسمحت بفتحها علي ألا يتجاوز السهر فيها الساعة الثامنة مساء.

 وإلى جانب هذا التعسف، فرضت رقابة على الروايات والأغاني تحاول أن تمنع كل ما يمكن أن تشتم منه رائحة الوطنية والدعوة إلى الكفاح في سبيل الحرية، على أن الفنانين المصريين كانوا يمرون بالعبارات القوية الملتهبة من تحت أنف هذه الرقابة، وكانوا يرمزون إلى الشعب وإلى الاحتلال فيفهم المتفرجون ما يريدون أن يقولوه.

ــ سلطات الاحتلال الإنجليزي تمنع عبدالوهاب من الغناء

وتواصل المجلة، واعتقلت السلطات البريطانية المرحوم عبدالرحمن رشدي لأنه ضبط وهو يتحدث عن المطالب بين فصول المسرحيات التي يقدمها، كذلك منعت السلطات المطرب محمد عبدالوهاب من الغناء بين الفصول في فرقة عبدالرحمن رشدي بحجة أنه صغير السن، والحقيقة أنها منعته لأنه يلقي بعض الأغنيات الوطنية مما كان يثير الحماسة في النفوس.

ــ عزيز عيد يقود مظاهرة فنية ضد الاحتلال الإنجليزي

واشتدت الثورة وقوي ساعدها، فقرر الممثلون أن يقوموا بمظاهرة كبرى تجوب طرقات العاصمة، وتولى تنظيم هذه المظاهرة المرحوم عزيز عيد، وساهمت فيها السيدة صالحة قاصين، وكانت نجمة مشهورة في ذلك الحين، وكذلك اشترك فيها زينب صدقي، فردوس محمد، علوية جميل، وإيرين ستاتي، وفيكتوريا موسي، ودولت أبيض، وعدد من الممثلات الناشئات.

 

ــ زينب عزيز كادت تُقتل برصاص الاحتلال

وتروي الفنانة دولت أبيض ذكرياتها عن هذه المظاهرة فتقول إن الممثلات ارتدين العلم المصري، وارتدي الممثلون الملابس الوطنية للفلاح والعامل وابن البلد، وشاع بين الناس نبأ هذه المظاهرة، فذهب فريق كبير من الجمهور ليشترك فيها ويعمل على حماية الممثلات والممثلين من اعتداء الجنود الإنجليز الذين كانوا يفرقون المظاهرات بالرصاص وبالقنابل المسيلة للدموع.

وخرجت المظاهرة الفنية مخترقة الطرقات هاتفة بحياة مصر مطالبة بالجلاء، وفي الطريق تصدي للمظاهرة بعض الجنود الإنجليز وحاولوا منع المظاهرة، إذ وجدوا طليعتها من السيدات، غير أن حماسة الجماهير دفعت أفرادها إلى الاعتداء على هؤلاء الجنود، فقابلوا الاعتداء بمثله وكاد عزيز عيد وزينب صدقي أن يقتلا في هذه المظاهرة لولا  أن الله سلم.

 

ــ يوسف وهبي من على مسرحه يندد بالاحتلال الإنجليزي

وعاد سعد زغلول من منفاه في سيشل، فخرجت الجماهير في استقباله، وكان أهل الفن في طليعة الجماهير.

وتقول زينب صدقي "كنت أركب عربة حنطور وحولي بعض الممثلات، وأحمل العلم المصري، وتتصاعد الهتافات بالعربية والإنجليزية، وفجأة شهدت مشادة وقعت بسبب الزحام الشديد بين بعض المتظاهرين، وكادت هذه المشادة تتطور إلى معركة دامية"، وعندئذ أسرعت أنا حاملة العلم، ثم رفعته وأنا أصرخ: "مصر .. مصر .. مصر" ورآني المتظاهرون فكف المشتبكون عن العراك ورددوا الهتاف ورائي في حماسة".

 

وفي سنة 1935 أعلن صمويل هور وزير الخارجية البريطاني عن تصريحه المشئوم بأنه لا جلاء عن أرض مصر، فتألفت المظاهرات وخرجت ثائرة ضد هذا التصريح، وتعرض البوليس لهذه المظاهرات فأسفرت عن ضحايا أبرار استشهدوا في معارك دامية بين المتظاهرين ورجال البوليس.

 واشترك أهل الفن في الثورة ضد هذا التصريح، ووقف يوسف وهبي في مسرح بريتانيا يخطب في الناس ويندد بسياسة إنجلترا، وأعلن عن أنه يفتح مدينة رمسيس للشباب ليعقدوا فيها مؤتمراتهم وليتدربوا على مقاومة المحتلين.

 وتختتم المجلة، وهكذا نستطيع أن نقول إن الفن أدى دوره كاملًا غير منقوص، في جميع مراحل الجهاد النبيل من أجل الوطن.