رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لقاء مع عالم كارتييه «4-5»

شخصيًا لا توجد لدىّ علاقة «بكارتييه» سوى أننى منذ بدأت السفر سنويًا لباريس فى الرحلة المدرسية لابنتى كنا نتفق فى اليوم المخصص للجولة الحرة فى شارع الشانزليزيه على أن تكون نقطة التجمع أمام «محل كارتييه»، الذى يقع فى ١٥٤ شارع الشانزليزيه على بعد خطوات من «قوس النصر»، وبينه وبين السفارة القطرية شارع صغير نسير فيه للوصول إلى مكان وقوف الأتوبيس للعودة لفندق الإقامة، وخلال كثير من الوقفات عبر سنوات متتالية كنت أقف فى نقطة التجمع أمام واجهة المحل الأسطورى دون أن أفكر فى الاقتراب من فاترينته والتطلع إلى ما يعرض من مجوهرات.. دون فضول أو مقاومة لرغبة.. فقد تعودت أن أحتفظ بصورة ذهنية عن العوالم التى لا أستطيع أن أكون جزءًا منها، ولا يتخلق لدىّ فضول فى العالم الحقيقى للتطلع إليها. فكارتييه بالنسبة لى أسطورة لا فضول لدىّ لاختبار مدى قدرتى على التواصل مع عالمها الحقيقى.. أقرأ عن تاريخ عائلة كارتييه، أشاهد أفلامًا عنها، أرى مجوهرات كارتييه فى المجلات والكتالوجات فى رحلات الطيران، لكن لا أنظر إلى قطعة مجوهرات من كارتييه دون وسيط.

من هذه القناعات النفسية كان حضورى ندوة «آل كارتييه»، وكانت المتحدثة فى الندوة، وهى فرانشيسكا كارتييه بريكل، حفيدة الشقيق الأصغر فى عائلة كارتييه أحد الأشقاء الثلاثة «بيير، لويس، جاك» علامة كارتييه التى تأسست فى العام ١٨٤٧، وكان جدها الراحل جان جاك كارتييه آخر عضو فى العائلة الذى يدير ويمتلك فرعًا من الشركة العالمية الشهيرة، فرانشيسكا حاصلة على شهادة البكالوريوس فى الأدب الإنجليزى من جامعة أكسفورد، وهى محاضرة دولية تُقدم محاضرات لدور المزادات الرئيسية والمتاحف والجمعيات، وهى مؤلفة كتاب «عائلة كارتييه.. القصة غير المروية لإمبراطورية المجوهرات»، وقد أقيمت الندوة احتفالًا بصدور الكتاب الذى كان نتاج سنوات من البحث المستقل حول عائلتها والشركة التى أسستها العائلة.                   

عبّرت فرانشيسكا فى الندوة عن سعادتها بترجمة الكتاب إلى العربية، مشيرة إلى أن كتابها يقدّم لمحة عن محفوظات العائلة، التى تحوى صورًا ومراسلات نادرة من الأرشيف الذى عثرت عليه مصادفة فى سرداب بيت جدّها، ويعود إلى جد جده، بحيث تمنح القرّاء فكرة فريدة عن أعمال الشركة، وعن مصادر إلهام وبراعة العائلة فى صنع قطع مجوهرات وفقًا لطلب عملائها، وبطريقة تجسّد شخصياتهم وأسلوبهم، كاشفة عن أن جدّها، ولتغيير الصورة النمطية حول ساعات اليد، ابتكر ساعة من تصميمه بوحى من الدبّابات الحربية.

فالكتاب يقدم حكايات العائلة بمهارة وحرفية تمزج بين السيرة الشخصية للعائلة والسياقات التاريخية والتوجهات الصناعية والتجارية فى العالم المحيط، ويستعرض تفاصيل واسعة عن نضالات العائلة فى مواجهة الحرب الفرنسية البروسية فى القرن التاسع عشر، وكذلك خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، وكيف تكيّفت أجيالها الثلاثة الأولى مع تغيّر ظروف السوق، وصولًا إلى بيع أبناء الجيل الرابع فروع «كارتييه» فى نيويورك وباريس ولندن.

كما ركز الكتاب على الجانب الإنسانى للأخوة الثلاثة، الذين صنعوا مجد «كارتييه»؛ لويس، الذى أدار فرع باريس، وبيير مؤسّس ومدير فرع نيويورك، وجاك مدير فرع لندن، عبر استعراض مَواطن القوّة والضعف لديهم، قائلة: «رغم ما كانوا يتمتعون به من قدر عالٍ من الموهبة والاحترافية فى مهنتهم، فإنهم لم يكونوا محصّنين من التحديات التى ترافق إدارة الأعمال التجارية».

وعن علاقة كارتييه بالعالم العربى، فقد كشفت فرانشيسكا عن أن زيارات جدها «جاك» منذ قرابة القرن إلى منطقة الشرق الأوسط ألهمته فى صناعة مجوهرات الشركة، وأنها، ولأكثر من عقد فى البحث الذى تطلّبه كتابها، سافرت حول العالم بحثًا عن القصص الإنسانية وراء المجوهرات، مكتشفةً شيئًا من حكايات ما وصفته باللغز المفقود على مرّ السنوات.

استمتعت بالندوة وبرؤية صور مجوهرات كارتييه يرتديها أيقونات ومشاهير العالم، وبالاطلاع على الكتاب المهم الذى تزيد عدد صفحاته على الستمائة صفحة، والمترجم بلغة رشيقة، صاغها المترجمان: عمر الأيوبى وطارق راشد، والصادر عن مشروع كلمة للترجمة، وهو المبادرة الطموحة التابعة لدائرة الثقافة والسياحة فى أبوظبى الذى بدأ عام ٢٠٠٧، بهدف إحياء حركة الترجمة فى العالم العربى من أجل تأسيس نهضة علمية ثقافية عربية تشمل مختلف فروع المعرفة البشرية. 

.. وللحديث بقية.