رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحوار الوطنى.. والرعاية الصحية

تستمر جلسات الحوار الوطنى فى المحور المجتمعى ضمن ست لجان نوعية تتناول قضايا الأسرة والتماسك المجتمعى، والتعليم، والصحة، والشباب، والقضية السكانية، والثقافة والهوية الوطنية.. ونجد التشابك بين هذه القضايا، حيث إن "العقل السليم فى الجسم السليم" مقولة تجمع بين الصحة والتعليم اللذين هما أساس تقدم ونهضة وبناء المجتمعات.
كما أن هناك علاقة قوية بين القضية السكانية والصحة، حيث تم تناول قضية "تحسين الخصائص السكانية"، والتى نوقش من خلالها أسباب انتشار الأمراض، ومنها التغذية غير الصحية وقلة ممارسة الرياضة والتدخين، والعوامل البيئية.

وفى هذه الجلسة أيضا تبين إصابة 20% من الأطفال فى سن السادسة بأمراض التقزم والأنيميا والسمنة نتيجة لسوء التغذية، هذا بجانب الإحصاءات التى وضحت موت ما يقرب من 100 ألف مصري سنويًا بسبب الأمراض المزمنة، منهم 74% موتًا مبكرًا لأقل من 65 عاما. وكان نتيجة للأمراض أنه فى عام 2017 تغيب عن العمل العديد من المشتغلين مما كلف الدولة 2.5 مليار جنيه، كما بلغت نفقات الانخفاض فى إنتاجية العامل 7.6 مليار جنيه.

وعند مناقشة القضية السكانية تمت الإشارة أيضا إلى أهمية دعم الوحدات الصحية ومدها بالقوة البشرية من الأطباء والممرضات، ومدها بالتمويل الكافى المستدام، وتوافر وسائل تنظيم الأسرة وزيادة الرائدات الصحيات. 

وفى أولى جلسات لجنة الصحة يتم النقاش حول منظومة التأمين الصحى والرعاية الصحية بين التحديات والآمال "منظومة التأمين الصحى الشامل والنظام الصحى الحكومى والخاص والأهلى". 
وينص الدستور المصرى فى مواده "19 و20 و21 و22"، الخاصة بالتعليم الأساسى والجامعى والبحث العلمى، على الاهتمام بالمنظومة التعليمية وتخصيص نسبة من الدخل القومى الإجمالى لاتقل عن 4% للتعليم الأساسى والفنى، و2% للتعليم الجامعى، و1% للبحث العلمى، كما ينص الدستور على أن تزداد هذه النسب إلى الضعف وفقا للمعدل العالمى.

وبالنسبة للمنظومة الصحية ينص الدستور فى المادة "18" على ألا تقل نسبة الإنفاق الصحى من الناتج القومى الإجمالى عن 3%، تزداد تدريجيا إلى المعدل العالمى وهو 6%، كما ينص على حق المصريين فى التأمين الصحى الاجتماعى التكافلى الشامل، وعلى الحفاظ على ممتلكات الشعب من مستشفيات وهيئات صحية وتطويرها وفقا لمعايير الجودة.
كما أنه وفقا للاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، ووفقا للاتفاقيات والمواثيق الدولية التى وقَّعت عليها مصر والتى تعتبر ملزمة للدولة بنص المادة "93" من الدستور، لا بد من التزام الدولة بتوفير الرعاية الصحية للمواطنين والمواطنات منذ ولادتهم، وفقا للمادة "80" من الدستور، الخاصة بحقوق الطفل، بجانب الاهتمام بالرعاية الصحية للمسنين والصحة الإنجابية للأم.
وإذا تحدثنا عن الدواء فلا بد من توفير الدواء الآمن والفعال بسعر مناسب يتناسب مع دخل المصريين الذين يقع 70% منهم تحت حد الفقر الثانى، وهو فقر الاحتياجات الضرورية، و30% منهم تحت حد الفقر الأول، وهو فقر الغذاء، وهذه الإحصاءات وفقا لتقرير البنك الدولى الأخيرة.

وإذ انتقلنا للتقرير الصادر عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فى السادس من أبريل 2023، بمناسبة يوم الصحة العالمى، والذى تحدث عن عدد الأطباء والتمريض وأطباء الأسنان والصيادلة والأسرة- سنجد الخلل التام فى هذه المنظومة بالنسبة لإجمالى عدد السكان فى مصر، حيث عدد الأطباء بالنسبة لكل 10000 (عشرة آلاف مريض) يساوى 8.9 طبيب وبالنسبة للمعدل العالمى 19.6 طبيب لكل 10000 مريض، أى فى مصر نقص الأطباء يصل إلى نصف المعدل العالمى، وربع معدل الدول المتقدمة، وكذلك يوجد نقص فى التمريض يصل أيضا لنصف المعدل العالمى، أما بالنسبة لعدد الأسرّة 8.6 سرير لكل 10000 مواطن والنسبة العالمية 36 سريرا.
كما يوجد نقص فى عدد أطباء الأسنان، فى الوقت الذى يزيد فيه عدد الصيادلة نظرا لغياب مصانع الأدوية ومراكز الأبحاث التى تستوعب خريجى الصيادلة كل عام.
ونجد أن الإنفاق الصحى الحكومى يساوى 30% من إجمالى الإنفاق على الصحة، ويدفع المصريون من جيوهم 70%. كما أن إجمالى الإنفاق الحكومى على الصحة ما زال 1.4% من الناتج القومى الإجمالى، أى نصف ما حدده الدستور فى 2014.

نتيجة لكل ما تقدم نجد ازدياد هجرة الأطباء لقلة الأجور وللعديد من المشاكل، مما يؤدى إلى أنه يتم الإنفاق على تجهيز عدد من المستشفيات ووضع أحدث الأجهزة الطبية فيها ولا يوجد كوادر بشرية لتشغيلها.

وبالنسبة للتأمين الصحى نجد أن هناك منظومة التأمين الصحى المطبق منذ ستينيات القرن الماضى وحتى الآن، والتى تغطى 58% من المصريين، أى 60 مليون مواطن ومواطنة. وبالنسة لمنظومة التأمين الصحى الجديدة، وفقا للقانون 2 لعام 2018، لم يطبق حتى الآن إلا على ثلاث محافظات وهى: بور سعيد والأقصر والإسماعيلية فقط، أى 5% من إجمالى المصريين. 
وبالرغم من المبادرات الرئاسية التى تلعب دورا فى سد احتياجات المرضى "100 مليون صحة، والقضاء على فيروس سى، وصحة المرأة"، بجانب العلاج على نفقة الدولة لـ40% من الشعب المصرى غير المؤمّن عليهم، إلا أننا فى حاجة إلى تطوير النظام الصحى ليشمل كل المواطنين وفى القلب منه العناية الصحية بالمرأة والأطفال والمسنين وذوى الاحتياجات الخاصة.

ولكل ما تقدم نرى أنه لتحسين المنظومة الصحية وتطويرها وتطبيق تأمين صحى اجتماعى تكافلى شامل لا بد من:
التمويل الكافى والمستدام للخدمات الصحية للوصول إلى التغطية الكاملة الشاملة للرعاية الصحية، أى رفع الإنفاق على الصحة بما يتفق مع الدستور.
توحيد الهياكل المتعددة للنظام الصحى فى هيكل تأمينى شامل "مستشفيات التأمين الصحى، ومستشفيات وزارة الصحة، والمؤسسة العلاجية، وهيئة المستشفيات والمعاهد التعليمية" مع تطوير المستشفيات وتوفير المستلزمات الطبية.
دمج نظامى التأمين الصحى وفق قانون واحد يأخذ مزايا القانونين الحاليين، ويطبق على كل سكان الجمهورية، مع تحمل الدولة عبء الأطفال منذ ولادتهم وحتى نهاية الدراسة.
الاهتمام بالرعاية الصحية الأولية "طبيب الأسرة" فى الريف والمدن، حيث تعالج 70% من الحالات المرضية، مع توافر قاعدة بيانات إلكترونية لكل مريض بدءًا من وحدات الرعاية الأولية مما يسهم فى التشخيص والعلاج المناسب، ويوفر مبالغ طائلة يتم إنفاقها على تكرار الفحوص الطبية من تحاليل وأشعة، ويساعد على توفير قاعدة بيانات لوضع خطط مناسبة للرعاية الصحية والتعليم الطبى المبنى على مواجهة مشكلات المجتمع الطبية.
الاهتمام الكافى بالطب النفسى نظرا لزيادة الأمراض النفسية، ومنها الإدمان والعنف المجتمعى الأسرى وفى أماكن العمل.
تعديل هيكل الأجور للأطباء والفئات الفنية المساعدة، مع تحمّل جهات العمل مصاريف الدراسات العليا.
توفير الحماية الكافية للمستشفيات والأطباء وجميع العاملين بالمنظومة الصحية.
إقرار قانون عادل للمسئولية الطبية يحمى حقوق المريض والطبيب، ويوضح التفرقة بين المضاعفات الواردة فى كل إجراء طبى "مع شرح هذا للمريض" وبين الإهمال الطبى.
وقف خصخصة التعليم الطبى فى الجامعات الحكومية بوقف الجامعات الأهلية التى تعيش على إمكانيات الجامعة الحكومية المجانية وتستنزفها، مع متابعة وتقييم أوضاع كليات الطب الخاصة والتأكد من تحقيق معايير الترخيص.

مضاعفة الإنفاق على البحث العلمى الخاص بمنظومة الدواء، مع العمل على تصنيع المواد الخام الأساسية بدلا من استيرادها، والاهتمام بالدخول فى تصنيع الأدوية الحيوية الحديثة، وهى تمثل 20% من الأدوية والمحاليل، مع استعادة الهيئة القومية للرقابة والبحوث الدوائية من أجل تطوير البحوث وصناعة الدواء، ومن أجل توفير دواء آمن وفعال وسعره فى متناول المريض، فالدواء أمن قومى وصحة المصريين أمن قومى.