رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بين الأهلى والزمالك.. ما صنع الأغبياء


  نشأنا منذ وعينا رياضيا أن يكون بيننا من ينتمي للأهلي أو ينتمي للزمالك أو عاشق للدراويش أو متيم بسيد البلد أو مشجع للشواكيش. و هكذا تعددت انتماءات مشجعي الكرة وتنوعت مشاربهم وعشقوا لون قميص ناديهم وشعاره وتاريخه  وبطولاته ونجومه. ثم تطور الأمر قليلا، فصرنا نستمتع بمكايدة بعضنا البعض حين يفوز فريقنا وحين يخسر الفريق المنافس، لينتهي الأمر بضحكة صافية من الطرفين، ولا مانع من أن يدعو الفائز نده على كوب شاي على المقهى أو زجاجة مياه غازية على سبيل التهنئة، وإظهارا للروح الرياضية.
 وتدريجيا، بدأت تظهر حدة محسوبة بين المشجعين. ثم زاد الأمر إلى حد التلاسن، لكنه كان محسوما بأن يظهر في النهاية كل طرف تقديرا واحتراما للطرف الآخر، إذ كان الجميع حريصا على أن لا يتعدى أمر المزاح أو أن يتطور إلى تجاوز لفظي أو اشتباك بالأيدي. ومؤخرا زاد الأمر سوءا، إذ وصل إلى حد التعصب الأعمى بين مشجعي كل طرف، ومكّن منه ذلك الذيوع والانتشار الذي أحدثته السوشيال ميديا، غير المراقبة وغير المحكومة بمعايير مهنية أو أخلاقية، مما صار يهدد السلم المجتمعي.
 الغريب في الأمر أن حالة الاحتقان الحالية - بين مشجعي كرة القدم عموما ومشجعي قطبي الكرة المصرية خصوصا – تغذّيها كتابات ومداخلات وملاسنات يطلقها شخصيات عامة، ليست محسوبة على الرياضة فقط ولكنها محسوبة على فئة المثقفين ونجوم المجتمع من الكتّاب والمفكرين والفنانين والإعلاميين!! فإحدى الكتلتين تبرر تخاذل نتائج فريقها بالترويج لوهم الاضطهاد، والأخرى تتباهى بانتصارات فرقها في معظم الألعاب فردية وجماعية باستعلاء المنتصر. 
   وقد وصل الأمر إلى حد تشجيع أنصار أحد الفريقين لأي فريق ينافس ندهم أو يهدد دولاب انتصاراته، حتى لو كان فريقا أجنبيا أو منافسا على لقب قاري أو ميدالية دولية ستحسب في النهاية لصالح الوطن كله، وليس للنادي أو أنصاره وحدهم. و قد أحزننا جميعا ذلك المواطن المغترب الذي تكبّد مشقة السفر من ألمانيا قاطعا مسافات طويلة ومنفقا آلاف اليوروهات ليذهب إلى المغرب الشقيق ليس لتشجيع "بني وطنه"، وإنما لتشجيع الفريق المنافس!! أإلى هذا الحد وصلنا؟
  وتناسى البعض أو ربما جهلوا أن أعضاء الجمعية العمومية في هذا النادي وذاك فيهم من لا يشجع المنافس ولكنه يحمل كارنيه عضوية نادي منافسه. وتناسى كثيرون وربما جهلوا أن أقطاب الإعلام الرياضي  - وهم في غالبيتهم ليسوا بإعلاميين في الأساس – صاروا يغذّون فكرة الاحتقان لتحقيق أغراض ومصالح شخصية، أبسطها الذيوع والانتشار وجلب الإعلانات وزيادة نسب المتابعة تليفزيونيا أو صحفيا.
  ورحم الله أياما كنا نعجز فيها عن تفسير انتماء: الخال فهمي عمر أو عبدالمجيد نعمان أو نجيب المستكاوي أو عبدالفضيل طه أو عبدالرحمن فهمي أو حمدي الكنيسي أو كامل البيطار أو عمر بطيشة أو فايز الزمر أو حسام فرحات أو غيرهم ، ليس لأننا لا نعرف من يشجع كل منهم، ولكن لأن مواقفهم خلال الأداء المهني كانت محايدة تماما وتعلي من قيمة المصلحة العليا للوطن ثم للمهنة، أكثر من قيمة  وصالح الفريق الذي يشجعونه أو ينتمون إليه.
    والحمد لله أن الأمر ما زال - حتى الآن -  تحت السيطرة، لكن علينا أن لا ننسى أن قطاع الرياضة هو القطاع الهش في جملة النسيج الوطني لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها الآن، وأن اختراقه هو الأيسر بالنسبة لأعداء الوطن. ولست في حاجة إلى التذكير بأن أكبر عدد من شهداء فترة الاحتقان في الشارع السياسي خلال أحداث مابعد يناير 2011 كان من مشجعي الفريقين إثر حادثين متتاليين. مأساة حقيقية فقدنا خلالها عددا كبيرا من خيرة الشباب، لن يقبل المجتمع – لا قدّر الله- أن تتكرر بأي شكل من الأشكال، ولا لأي سبب من تلك الأسباب التافهة.
على العقلاء إذن أن يتدخلوا ومبكرا لرأب التصدعات التي حدثت في بنية الرياضة المصرية والمنتمين إليها من الممارسين أو المشجعين، وأن لا تُترك ميكروفونات البرامج الرياضية التي صارت تملأ فترات الذروة في القنوات والإذاعات المختلفة ليتصدى لها نجوم كانت حرفتهم كرة القدم وليس توجيه الرأي العام، فيبادروا بالانتقال مباشرة – بالشورت – من الملاعب إلى الاستوديوهات بمجرد اعتزال اللعبة ، فتستمر شهرتهم وتزداد مداخيلهم وتتعاظم مدخراتهم وفي المقابل يُحمّلون الوطن ما لا يطيق من احتقان بين جماهير رياضية غير واعية. كما يغذي هذا الإسفاف للأسف - بغير وعي ، ولا أقول عن عمد – رموزا مجتمعية نعوّل عليهم في مجالات تخصصهم، بينما هم في مجال الرياضة فاقدو الوعي تماما لا يُعملون عقولهم الراجحة وإنما يزايدون على الجهلاء والحمقى فيتفوقون عليهم.