رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإعلام العلمى فى زمن الذكاء الاصطناعى

"العلم نور والجهل ظلام" عبارة كانت تتردد في زماننا على ألسنة أساتذة اللغة العربية كمقولة تتكرر لموضوعات التعبير، وكانت بنصها عبارة مدونة على الغلاف الأخير لكراسات التلامذة من باب التنوير والتحفيز للمزيد من الانتماء والولاء للمدرسة والتعليم وحب دراسة كل العلوم.. وعلمونا إن العلم منارة حياتنا ونورها الهادي للتطور والعزة والرفعة، وأن العلوم يتم إحياؤها بكل إنجازات ومخترعات أهل العلم والعلماء..
وعليه، أسعدنا كمواطنين، عقب ثورة 30 يونيو وتولي الفريق عبدالفتاح السيسي مقاليد الحكم، وتحديدًا في شهر سبتمبر 2014، تصريحه "أن العلم هوالحياة بأسمى معانيها، والشمس التي تشرق دوماً ومن كل الجهات، أما الجهل فهو ظلام الحياة الدامس، والفكر المنغلق الذي يرفض التطور والتقدم، وهو عدو الحياة ولعنتها الكبيرة، فالجهل لا يكون في شيءٍ إلا شانه، أما العلم فلا يكون في شيءٍ إلا زانه، وشتان ما بين العلم والجهل، أحدهما يدٌ تبني، والأخرى تهدم، فالعلم يبني الأمم والعقول والدول، أما الجهل فإنه يهدم كل جميل ، بل إنه ينسف جميع أسس الحياة الجميلة لتصبح غارقةً في التخلف.."
ولكن ــ للأسف ونحن نعيش زمن  الذكاء الاصطناعي ــ هناك حالة تراجع إعلامي غريبة ومحبطة في هذا السياق، فقد اختفت المتابعات الإعلامية لأخبار العلم والعلماء والاختراعات ومتابعات إنجازات المراكز البحثية والعلمية ونشر المقالات التي يحررها أهل العلم والبحث العلمي، وتم رفعها من صفحات الجرائد والمجلات الحكومية والخاصة، وإلغاء البرامج العلمية التي تحصن وتدعم الوعي العلمي..
من منا يمكن أن ينسى دور رائد الصحافة العلمية والبيئية "صلاح جلال" وعموده العلمي اليومي بجريدة الأهرام، وعبر رئاسته لتحرير مجلة الشباب وعلوم المستقبل وكيف كانت متابعته لسباق الفضاء بين أمريكا والاتحاد السوفيتي‏‏ وتخصصه في الكتابة العلمية ، والتفوق في تبسيط العلوم والمصطلحات العلمية للجماهير العريضة‏ ‏وكان الصحفي المصري- بل والعربي- الوحيد الذي تابع إطلاق سفينة الفضاء أبوللو إلى القمر حاملة نيل أرمسترونج وزميليه في يوليو ‏1969‏ـ وكانت هذه التغطية الصحفية المتميزة لهذا الحدث الجلل تحتل صفحات الأهرام الرئيسية لأيام عديدةـ وكان يؤمن بأن مصر يجب أن تدخل القرن الحادي والعشرين بالعلم والتكنولوجياـ وكان يدعو دائمًا إلى انتهاج الأسلوب العلمي في التفكير.‏.‏
من منا يمكن أن ينسى برنامج "عالم البحار" ومقدمه العالم الرائع "حامد جوهر" وحلقاته الرائعة التي كانت تمثل إضافة معلوماتية وثقافية متجددة عن سكان البحار والثروات الرائعة التي يتناول أهميتها وكيفية التعامل معها..
من منا يمكن أن ينسى برنامج "تكنولوجيا" ومقدمه الرائع دكتور مهندس يوسف مظهر وكيل وزارة الصناعة والمخترع الهام والفنان والمصور الفوتوغرافي.. وفي فترة التمانينيات كان "مظهرا" واحدا من فريق العمل بمشروع مصري أمريكي هدفة مراقبة الجودة وتطوير الصناعة والتكنولوجيا في مصر ومدير المشروع..
وعليه، يبقى التساؤل، أين أجهزة الإعلام بكل وسائطها من متابعات لمنتجات العلم وفرسانه ومكتشفاته الأحدث في مصر والعالم..
يحدث هذا رغم اهتمام القيادة السياسية والإيمان الهائل بمدى الاحتياج الملح للتطبيقات العلمية ودورها التنويري والتنموي في كل مناحي الذهاب إلى دعم وازدهار صناعة التقدم، فكانت مبادرة الرئيس بتشكيل "المجلس الاستشاري لكبار علماء وخبراء مصر" وقد أكد الرئيس أهمية الدور الفاعل الذي يضطلع به المجلس، وكذلك المهمة القومية التي يؤديها أعضاؤه من أجل طرح الأفكار والتوصيات لحل المشكلات التي تواجه مصر في العديد من المجالات، الصناعية والتعليمية والطبية وغيرها، ومن ثم إطلاع رئيس الجمهورية علي أحدث ما وصلت إليه العلوم الحديثة علي مستوي العالم في مجالات البحث العلمي والتطوير التكنولوجي، وبحث إمكانية الاستفادة منها علي مستوي مؤسسات الدولة..
ولا شك أن الثقافة العلمية باتت تمثل إضافة لفكر وسلوك المواطن، والتي تشمل كل سبل الاطلاع والتعرف على آليات تحقيق الطفرات العلمية ونتائج تفعيل نظريات العلوم الأساسية والإلمام بالتقنيات المرتبطة بحياة الفرد والمجتمع، والأهم ممارسة منهج التفكير العلمي في الحياة اليومية، ومجال كل ذلك هو الذهن والسلوك الحياتي واليومي..
وتمثل الثقافة العلمية دافعًا و مجددًا لآليات الأنشطة العلمية في كل المواقع ذات العلاقة والمستفيدة بأصحاب وأهل الثقافة العلمية.. وأرى أن دعم فكرة تشكيل الجمعيات العلمية في المدارس والجامعات والمجتمعات المحلية أمر مهم ويشكل ضرورة؛ لتحقيق وتعميم فكرة الاهتمام بالفكر والبحث العلمي، بعد أن تابعنا في الفترة الأخيرة انصراف الطلاب عن الانتساب لأقسام العلوم والرياضة وتفضيل القسم الأدبي في المرحلة الثانوية.
ويبقى السؤال الضرورة: من يحمي المواطن المصري من ممارسات الدجل العلمي بشكل عام والطبي بشكل خاص عبر استضافة من يدعون التخصص في علوم التغذية والتخسيس وعلاج العديد من الأمراض عبر تجارة تمارسها بعض القنوات التليفزيونية والمواقع الإلكترونية والمنصات الفضائية بلا رحمة ولا رادع.. بعضهم بتحميل آيات الأديان بما ليس فيها ما يدعم بضاعتهم الزائفة والمميتة أحيانًا، وبعضهم بإدعاء التخصص الفريد غير المعلوم لدى البسطاء منا؟.. من يحمي المواطن المصري من مروجي الأدوية التي تعالج كل الأمراض وبإلحاح إعلاني رذيل؟!!  
ولابد من إعادة التفكير في إشراف وزارة واحدة على نشاط كل الجمعيات، وحتى بعد أن تجاوزت أعدادها الـــ 50 ألف جمعية.. لماذا لايكون الإشراف الفني المهني العلمي ــ على سبيل المثال ـــ على الجمعيات العلمية والبحثية من قبل الجامعات الإقليمية أو المركز القومي للبحوث، ويظل الإشراف المادي والمحاسبي من قبل وزارة التضامن الاجتماعي قائمًا؟
لقد أكد العالم المصري الراحل الدكتور أحمد زويل الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء للعام 1999 على أهمية خلق قاعدة علمية تستقطب الطاقات المحلية ورجال العلم والباحثين المنتشرين في كل أنحاء العالم، ويكون هدفها بناء استراتيجية علمية على مستوى الوطن..
وقال الدكتور زويل، إن هذه القاعدة العلمية بمؤسساتها يجب أن تعمل بعيدًا عن البيروقراطية، وأن يوفر للعاملين بها والدارسين في معاهدها الأجواء والمناخات الملائمة للبحث والإبداع، وأن هناك قناعة لدى الإدارة المصرية بأهمية ودور العلم والتكنولوجيا في بناء وتطوير المجتمع، وأشار إلى أنه قد حان الوقت لأن يسهم المواطن من جديد في تقدم البشرية والإنسانية بعد أن أسهم علماء العرب من قبل في تقدم العالم ودرست نظرياتهم واكتشافاتهم في كل أنحاء الدنيا.