رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المشهد الأدبى والجوائز

تسألني عن المشهد الأدبي الآن فأخبرك أنه احتفالي تمامًا؛ كثيرون من الأدباء فازوا في مسابقات دولية أو محلية، وكثيرون في قوائم الترشح للفوز في مسابقات عربية كبرى (هذه المسابقات هي التي رسخت نظام القوائم الطويلة والقصيرة إلى الختام)، من في القوائم ينتظرون النتائج النهائية، لكنهم يحتفلون بوصولهم إلى هذه القوائم بإعلانها على صفحاتهم في السوشيال ميديا، مع ذكر الأعداد التي كانت تقدمت للمسابقات أصلًا؛ ليظهروا أنهم تخطوا أعمالًا وافرة ليصلوا إلى هذه القوائم، مما يعد نصرًا في حد ذاته.

الاحتفالات شخصية وقليلة طبعًا؛ فالفائزون والمرشحون للفوز أقل بكثير من الذين أخفقوا بالبداهة، وهؤلاء الذين أخفق سعيهم قد يذكرون الأمر لأي سبب، وقد لا يذكرونه البتة، وهو الأغلب، وأصدقاء كل فائز أو مرشح للفوز يهللون له تهليلًا، والله عليم بالنوايا.. ومع كونها احتفالات شخصية وقليلة، كما أسلفت، إلا أنها صاخبة للغاية؛ وهو طبيعي تمامًا فالأدباء صاخبون بسحابهم المجلجل المؤثر، ويجيدون صنع الأفراح كما يجيدون سرقة الدموع من الأعين حين يرغبون!
في المسألة إيجابيات كثيرة، من ضمنها إشعار المحيط المجتمعي بالثقل المعنوي للأدب، وإظهار نفعه المادي أيضًا؛ ففي السنوات الأخيرة زادت المسابقات وارتفعت بعض الجوائز إلى أرقام تحقق ثروات طائلة، أحيانًا بعمل أدبي واحد ليس كبيرًا بالمرة!  
وفي المسألة ما يوجب التلبث عنده بالتأمل، وقد يكون سلبيًا في الحقيقة، لو شئنا أن نقيمه تقييمًا سليمًا بلا خوف ولا حرج؛ فالملاحظ، مع الزيادة التي كنت ذكرتها لقيمة الجوائز الأدبية من الناحية المادية، تهافت الأدباء عليها بكثرة وفوضوية، بل يقول بعضهم صراحة: أنافس على نقود أحتاج إليها؛ فالحياة مكلفة، ولا تهمني القيمة المعنوية للجائزة.. وهو قول خطر، لا سيما إذا ألقاه الكاتب المبدع على ملأ من الناس؛ ففيه حطّ من قدر الأدب أو بيان لاستخدامه من أجل المال، وبتكرار الموضوع قد يفقد الناس الثقة في الأدباء الذين يعتبرونهم أصحاب رسالات مجردة من المنافع، وقد يفقدون الثقة في الأدب نفسه إذ تبدى كوسيلة ربح فقط.. (بعض الكتاب المبدعين يبينون أنهم فصلوا عملًا أدبيًا على مقاس مسابقة معينة بالمضبوط).. وسكوت المتكلمين أكرم طبعًا، وبالذات لو كانت أطماعهم حاكمة. 
من جهة ثانية تنجلى صراعات الكتاب المبدعين، وما أقساها، مع مواسم الجوائز؛ هذا يرى غيره لا يستحق وذلك يرى سواه ليس مؤهلًا للتنافس من الأساس، وينحاز ذوو أقلام كثيرون إلى تنافر الأقطاب المغناطيسية لا تجاذبها، وتتحول ساحة الأدب، جليل المعنى، إلى حرب مشينة بكل معنى الكلمة للأسف.
لماذا لا يكون إيقاع السادة الأدباء أجمل مما يجري وألطف؟! إنهم يرسمون خطوات البشر المرغوبة رسمًا دقيقًا جذابًا؛ فهل يعجزون عن رسم خطواتهم بأشكال لا تخلف وراءها عارًا ولا شنارًا؟!