رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف يعمل الابتكار؟.. معرض أبوظبى الدولى للكتاب «5-3»

حَفَل البرنامج اليومى لمعرض أبوظبى الدولى للكتاب فى دورته الـ٣٢ بعشرات الندوات التى أقيمت على المنصتين الرئيسيتين: بورصة، وآيا صوفيا، إضافة إلى الندوات التى تقام فى بعض الأجنحة مثل جناح نادى كلمة للقراءة.

تنوعت هذه الندوات، فمنها مناقشات فكرية مثل مناقشة أفكار وميراث العلامة ابن خلدون، ومناقشات تدور حول عالم صناعة النشر والترجمة، ومناقشات لكتب مؤلفة أو مترجمة صدرت حديثًا، ومناقشات فنية حول تحويل الأعمال الأدبية إلى أعمال سينمائية وتليفزيونية. 

ومنذ اطلاعى على جدول الندوات حرصت على حضور ندوة بعنوان «كيف تغير الابتكارات العالم وتغير مستقبلنا»، للكاتب البريطانى مات ريدلى، وهو كاتب بريطانى حاصل على دكتوراه الفلسفة فى علم الحيوان من جامعة أكسفورد، له عدة كتب ومقالات فى الثقافة العلميّة، فهو عالِم وصحفى ومحاضر خبير فى الابتكار، والتعاون، والتاريخ، والتقدم البشرى، وتَغيُّر المناخ.

ألّف ريدلى العديد من الكتب عن تطور الجينات وعلم الوراثة والمجتمع، منها كتاب «المتفائل العقلانى»، وكتاب «كيف يعمل الابتكار».

بيعت من كتب ريدلى أكثر من مليون نسخة، وتُرجمت إلى ٣١ لغة وفازت بالعديد من الجوائز. وكُتب مات ريدلى من الكتب القليلة التى رشحت لنيل جوائز أدبية؛ من بينها جائزة الكتب بجريدة «لوس أنجلوس تايمز».

قبل أن يصبح ريدلى كاتبًا ومتحدثًا ورجل أعمال مستقلًا، عمل لمدة تسع سنوات كمحرر علوم ومراسل فى واشنطن، وهو رئيس المركز الدولى للحياة فى نيوكاسل بإنجلترا، كما أنه أستاذ زائر فى معمل كولد سبرينج هاربر فى نيويورك.

قدم «مات ريدلى» محاضرته حول كتابه الأخير «كيف يعمل الابتكار» على منصة بورصة مساء اليوم الثانى للمعرض، وتحدث عن أهمية الابتكار فى تغيير العالم وتشكيل مستقبلنا، وكيف يمكن للابتكارات أن تحل مشاكلنا الحالية وتفتح أبوابًا جديدة للتقدم والتطور فى مختلف المجالات، كما تحدث عن أسباب نجاح بعض الابتكارات وفشل البعض الآخر، وكيف يمكن للحكومات والشركات والأفراد أن يدعموا ويشجعوا الابتكار فى مجتمعاتهم. 

وأكد ريدلى أن الابتكار يعتمد على تراكم عمل وأفكار عقول عدة، وليس عقلًا واحدًا فحسب. فالابتكار يحتاج إلى حرية، حرية التجريب والفشل، حرية اقتصادية وسياسية واجتماعية، فمُحرك التقدم البشرى عبارة عن اجتماع وتزاوج الأفكار للتوصل إلى أفكار جديدة، وأن الابتكار ينتج عن التفاعل البشرى، وليس من سياسة الحكومة أو إملاءات النخبة.

يتبع ريدلى فى محاضراته، كما هو الحال فى كتبه، أسلوبًا تشويقيًا ينطوى على جاذبية تشد المتلقى الذى لا تتوافر لديه معرفة علمية عميقة بموضوعات كتبه، فيستخدم الصور والخرائط ووسائل الإيضاح البصرية لتقريب المعانى والمفاهيم العلمية، ويقدم محاضرته بأسلوب بسيط سلس يمزج فيه بين القصص الصغيرة ومقولات المشاهير، ويستدعى المعارف والأمثولات الشعبية والمزاح الهادف بطريقة تجعل المتلقى يتجاوب كليًا مع ما يقول ولا يشرد ذهنه بعيدًا عما يقول.. ومما استخدمه للتدليل على مقاومة المجتمعات للابتكارات الجديدة المرسوم الملكى الذى صدر فى عهد هنرى الثامن، والذى يحرم الجلوس فى المقاهى. 

وإيمانًا منه بأن البشرية تسير نحو الأفضل عرض رسومًا بيانية توضح انخفاض قيمة تكلفة الكهرباء فى العالم منذ اختراعها فى القرن التاسع عشر حتى اليوم.

كما عرض رسومًا بيانية توضح معدلات الفقر العالمية منذ عام ١٨٢٠ وحتى ٢٠١٥، والتى أظهرت أنه منذ ما يقرب من ٢٠٠ عام كانت معدلات الفقر تزيد على ٨٠٪ عالميًا ويبلغ دخل الفرد ما يقل عن ٢ دولار يوميًا، وهو المعدل الذى تناقص تدريجيًا حتى وصل لما يقل عن ١٠٪ عام ٢٠١٥.

وتحدث ريدلى عن مستقبل البشرية مع الذكاء الاصطناعى وأنه سيفتح آفاقًا للبشرية لم ولن تكون متوقعة، وأن كل الابتكارات تهدف إلى تحقيق حياة أفضل للإنسان، وكل اختراع يمكن أن يؤدى إلى اختفاء وظائف ومهن ويخلق وظائف ومهنًا أخرى، وهذا حال البشرية منذ بدأ الإنسان فى صقل قطعة حجر لاستخدامها كسكين.. أو سيف أو سهم.

وقد سبق أن تعرفت على أفكار العالم مات ريدلى من خلال الاطلاع على كتاب: «الجينوم- السيرة الذاتية للنوع»، ترجمة: د. مصطفى إبراهيم فهمى، الصادر عن عالم المعرفة «٢٠٠١»، ومن خلال كتاب «الطبع عبر التطبع، الجينات والخبرة وما يجعلنا آدميين»، ترجمة عصام عبدالرءوف ومحمد إبراهيم، الصادر عن المركز القومى للترجمة «٢٠١٤».

وقد جذبنى أسلوب مات ريدلى وأفكاره وثقافته الموسوعية التى تناصر الروح الحرة للإنسان، وتؤمن بقدرته على التطور ومواكبة كل المتغيرات، فجينات الإنسان كما يرى مهيأة لتأخذ دورها من التطبع، وأن الطبع البشرى من الممكن تدريبه دائمًا على الجديد.

وما زالت الحكايات لا تنتهى، وللحديث بقية..