رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإجهاد الرقمي.. كيف يؤثر على صحة وأداء الطلاب والموظفين؟

الإجهاد الرقمي
الإجهاد الرقمي

التكنولوجيا أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتنا العملية، فهي تساعدنا على التواصل والتعاون والتعلم والإبداع. لكن هل تساءلنا يومًا عن الآثار السلبية للاستخدام المفرط للأدوات الرقمية؟ هل يعاني الطلاب والموظفون من ما يسمى بالإجهاد الرقمي؟

الإجهاد الرقمي هو حالة التعب والقلق التي تصيب مستخدمي التقنية بسبب كمية وسرعة وتنوع المعلومات التي يتعين عليهم معالجتها، هذه الحالة تؤدي إلى حمل ذهني زائد وضعف في التركيز والذاكرة والقدرة على حل المشكلات، كما ترافقها أعراض جسدية مثل الصداع والأرق والتوتر والتعب.

خطر رقمي

هناك عوامل عديدة تسهم في زيادة خطر الإصابة بالإجهاد الرقمي، يشرحها استشاري الصحة النفسية، أشرف كامل، قائلًا: "تكاثر القنوات والخدمات الرقمية التي يستخدمها الموظفون في أماكن العمل، مثل البريد الإلكتروني والواتساب والزووم والتيمز وغيرها؛ ما يجعلهم يشعرون بالارتباك والضغط للرد على كل الرسائل.

كما أن انتشار العمل عن بُعد وقت اندلاع جائحة كورونا، تسبب في زيادة استخدام الموظفين للأدوات الرقمية لإجراء الاجتماعات والتقارير والتدريبات، دون توفير فواصل أو دعم نفسي أو اجتماعي.

ويتابع "كامل" حديثه لـ "الدستور":"عدم وجود حدود واضحة بين الحياة العملية والشخصية، حيث يستمر الموظفون في استقبال وإرسال رسائل إلكترونية بعد ساعات العمل الرسمية؛ ما يُقلل من فترة الراحة والاسترخاء، ويعرضهم للمعاناة من الإجهاد الرقمي".


مخاطر صحية

وينوّه استشاري الصحة النفسية إلى أن الإجهاد الرقمي له تأثيرات سلبية على صحة وأداء الموظفين، منها زيادة مخاطر الإصابة بأمراض القلب والسكري والسمنة والتهاب المفاصل والتهاب الجيوب الأنفية، نتيجة للتوتر والالتهابات وعدم النشاط البدني، بالإضافة إلى زيادة مخاطر الإصابة بالاكتئاب والقلق والإنهاك المهني وانخفاض الثقة بالنفس والرضا عن العمل، نتيجة للعزلة والضغط وعدم التوازن بين العمل والحياة.

ويضيف: "يؤثر الإجهاد الرقمي أيضًا في انخفاض جودة وكفاءة العمل، نتيجة للانحراف والتشتت والخطأ والنسيان وعدم التعاون والابتكار؛ بسبب الإرهاق والارتباك وعدم الوضوح، لذا يجب اتخاذ بعض الإجراءات التي تحد من آثار الإجهاد الرقمي على الموظفين".

ويوصي "كامل" بضرورة تنظيم استخدام الأدوات الرقمية بشكل فعّال، عن طريق تحديد الأولويات والمواعيد والقنوات والمتلقين والمرسلين، وتجنب الرسائل غير الضرورية أو المكررة أو المبهمة، بجانب توافر حدود واضحة بين الحياة العملية والشخصية، عن طريق إيقاف التنبيهات والرسائل بعد ساعات العمل، وتخصيص وقت كافٍ للنوم والاسترخاء والهوايات والعلاقات الاجتماعية.

ويستطرد: "يجب أيضًا تحسين البيئة العملية، عن طريق توفير مساحة هادئة ومريحة ومضاءة بشكل جيد، وضبط درجة حرارة الغرفة والتهوية، واستخدام كرسي مريح وشاشة مناسبة، وأخذ فواصل دورية للتمدد والتنفس، فضلًا عن طلب المساعدة عند الحاجة، عن طريق التواصل مع المدير أو الزملاء أو المستشارين أو الأصدقاء أو الأسرة، للحصول على الدعم والتشجيع والإرشاد".

تأثير دراسي

يرى استشاري الصحة النفسية أن الإجهاد الرقمي يؤثر على الطلاب أيضاً، خاصة في ظل الانتقال إلى التعلم عن بُعد؛ بسبب صعوبة الوصول إلى المنصات والبرامج والموارد الرقمية بسبب قلة الدعم التقني أو المالي، بجانب ضعف التفاعل والتواصل مع المدرسين والزملاء والأهل؛ بسبب عدم وجود قنوات فعّالة أو مناسبة للتوجيه والإشراف والتشجيع.

ويستكمل: "يتعرض الطلاب أيضًا إلى زيادة كمية وصعوبة المهام والمشاريع والاختبارات التي يتعين عليهم إنجازها بشكل مستقل وذاتي، فضلًا عن اختلاط الحياة الدراسية والشخصية في نفس المكان والزمان؛ مما يؤدي إلى تشتت الانتباه وانخفاض التركيز والحافز".

"هذه العوامل تؤدي إلى حدوث أعراض نفسية وجسدية للإجهاد الرقمي عند الطلاب، مثل القلق والاكتئاب والصداع والأرق والتعب والملل، كما تؤثر سلبًا على مستوى التحصيل الدراسي والتطور الشخصي والاجتماعي للطلاب، لذا يجب على الطلاب اتخاذ بعض الإجراءات للتخفيف من الإجهاد الرقمي، مثل تنظيم جدول زمني للدراسة والراحة والترفيه، والالتزام به بشكل متوازن"، وفق حديث "كامل".

ويوجه استشاري الصحة النفسية نصيحته للطلاب، بضرورة تحسين بيئة الدراسة، بحيث تكون هادئة ومريحة ومناسبة للاستخدام الصحي للأجهزة الرقمية، بجانب التواصل بانتظام مع المدرسين والزملاء والأهل، وطلب المساعدة عند الحاجة، والمشاركة في الأنشطة التعاونية والتفاعلية، واستخدام المصادر والخدمات الرقمية بشكل مسؤول ونقدي، وتجنب المحتوى غير الموثوق أو المضلل أو المزعج.

حلول ممكنة

وفي دراسة أجراها باحثون من جامعة كاليفورنيا في بيركلي على 103 طلاب جامعيين، وجدت أن 76% منهم يعانون من الإجهاد الرقمي؛ بسبب استخدامهم للهواتف الذكية والحواسيب والإنترنت، أما في دراسة أخرى أجراها باحثون من جامعة الملك سعود على 1057 طالبًا وطالبةً جامعية، وجدت أن 31% منهم يعانون من الاتصال المفرط بالخدمات الرقمية؛ مما يؤدي إلى حمل ذهني زائد وضغط نفسي.
وعن الحلول الممكنة للتغلب على الإجهاد الرقمي، والتي تتطلب جهدًا من الفرد والمؤسسة والمجتمع، يقول "كامل" إن التعلم المستمر وتطوير المهارات الرقمية والتخصصية، تساعد بشدة على التأقلم مع التغيرات المستمرة في سوق العمل، بالإضافة إلى تكامل الأدوار بين مؤسسات التعليم العالي والحكومة والقطاع الخاص في تأهيل وتدريب الطلاب والموظفين بالمهارات المطلوبة لسوق العمل.

وفي ختام حديثه، يحث "كامل" على ضرورة تقسيم الدروس إلى دفعات صغيرة أو ما يسمى بالتعليم المصغر؛ لتسهيل الحفاظ على التركيز والاستيعاب، بجانب تنويع طرق التقديم والتفاعل في الدروس الرقمية بإضافة الصور والفيديوهات والألعاب والاستطلاعات وغيرها، وتحديد أوقات محددة للاتصال بالخدمات الرقمية والابتعاد عنها في أوقات الراحة والنوم، واستخدام نظارات واقية من الضوء الأزرق أو تعديل إعدادات الشاشة؛ لتقليل تأثيره على العين.