رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ميكروفونات المساجد فى الفجر

سألت نفسي مرارا: ما الذي يجعل مقيما للشعائر في مسجد يصر على جهرية صلاة الفجر في الميكروفون؟! لا أتحدث هنا عن الأذان؛ فلا بأس بجهريته كما في كل الصلوات، لكنني أتحدث عن الجهر بقرآن الصلاة نفسها وصوت الركعات والسجدات إلى التسليم!!
الفجر، والمؤذنون والأئمة أكثر من يعلمون، هو الصلاة الوحيدة التي يقال في أذانها "الصلاة خير من النوم"؛ والمعنى الواضح أن معظم الناس نيام في توقيتها، جوف الليل، وإذا كان الشارع الحكيم رآها خيرا من النوم فنحن نؤمن بما رآه، لكننا لا نحب، كما نظنه لا يحب، أن يشار إلى الأمر بطول الصلاة، يكفي الأذان الجهري المعتاد فهو بمثابة إعلان قصير، وإن كان لا بد من خفض الصوت في هذا التوقيت المتأخر، أما أن تكون الصلاة نفسها علنية، من أولها إلى آخرها، فوضع لا نحسبه يرضي الله ورسوله؛ ففي الجوار مرضى ومتعبون ومنتمون إلى أديان أخرى، نعلم أنهم لا يرفضون الأذان بتة، لكن أن نلقي بكل الصلاة في آذانهم، بلا مراعاة لأحوالهم في هذه الساعة العميقة فنحن مبالغون تماما يا أسيادنا المشايخ الطاهرين! 
الأصل أنك تقيم الصلاة لمن يصلون معك في المسجد، ويترتب على إقامتها لهؤلاء أن تجهر بكل شيء فيها لأنهم يتبعونك، لا أن تعالن الذين في بيوتهم بما تتلو، وبأخطائك لو أنك تخطئ في القراءة، وبتصحيح المصلين الذين خلفك لك، وبصوتك القرآني الذي ليس جميلا في الأغلب..
المؤمن بالله ذو ذوق في التصور العام، وهو عطوف على خلق الله وحريص عليهم من كل ما يمكن أن يزعجهم ويقض مضاجعهم، غير أن الله تعالى ابتلانا بمؤمنين ليسوا كالذين نتصور وداعة أخلاقهم، هم أول من يمارسون الإزعاج وأكبر من يقضون المضاجع، وإذا كان شخص بائس بوسعه تشغيل الأغاني الصاخبة في هذه الساعة الحرجة، فغالبا لن يفعل مخافة الملام على الأقل، وهم يشغلون الميكروفونات متلذذين، وقد يكونون ضمنوا سكوت الناس لأن القرآن شفيع لأهله!! لكن أشفيع بمعانيه أم علو صوته والناس في ظروفهم التي يعلمها ربهم؟! 
حتى في المغرب والعشاء، الصلاتين الجهريتين الأخريين، لا أحبذ أن تكون وقائع الصلوات برمتها علنية، لكن تكفي علنية الأذان كما أسلفت، وإنما أركز على الفجر لأن موعده حساس للغاية، ولأننا نريد أن نحب الإيمان ونحبذه لا أن نجد بيننا وبينه حواجز تخنق الأرواح..
كان الواجب أن تصدر وزارة الأوقاف قرارها بعلنية الداخل لا الخارج في الفجر (بطون المساجد لا محيطاتها)، وأن تطالب المؤذنين بخفض الأذان معه كذلك، وأن يحسم الأزهر الموضوع حسما فلا يتكرر مثل هذا الفعل الذي يظنه الطيبون قويما، فلنقل الطيبين، وهو متطرف إلى أقصى درجة، ينافي الاعتدال ويجافي مفهوم اللياقة وحسن الأدب!