رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التطوير والوعى العام «2-4»

شهدت القاهرة مؤخرًا حركة توسيع لحارات السيارات فى شوارعها، كحل لمواجهة زيادة كثافة السيارات، لكن هذا التطوير، فى عدد من الشوارع التى أسير أو أمر بها، مثل شارعى المنيل والتحرير جاء على حساب رصيف المشاة على الجانبين والجزيرة الفاصلة بين اتجاهى السيارات، حتى أصبح من الصعب أن تسير على رصيف شارع التحرير، وهو شريان حيوى ورئيسى فى قلب القاهرة يمتد من ميدان الجلاء حتى شارع السودان مرورًا بميدان الدقى، خاصة فى الجزء الذى يلى ميدان الدقى وعند المركز القومى للبحوث وكلية رياض الأطفال.

وفى شارع المنيل- حيث أقيم- تم القضاء على الأشجار والزهور التى كانت مغروسة فى الجزيرة التى كانت تتوسط الشارع، وظللت لسنوات أستظل بإحداها وأنا أنتظر «أتوبيس المدرسة» لمريم ابنتى، وكنت أستغل فترة الانتظار فى المشى بين شجرتين أعلمهما بحيث لا أبتعد كثيرًا عن مكان وقوف الأتوبيس، وفى الوقت نفسه أحرك قدمى وأكتسب بعضًا من الرشاقة، كان عرض الجزيرة مريحًا بما يسمح لمن يريد المشى أو العبور للناحية الأخرى من الشارع، ويسمح لمن يريد الانتظار ألا يضايق السائرين، وكان الرصيف على الجانبين يسمح لى ولغيرى بالتمشية والوصول لأى مكان فى الشارع دون عناء بعيدًا عن المحلات، وفجأة حدث تطوير للشارع، فتم رصفه وهذا شىء محمود وضرورى، لكن السيئ هو استقطاع نصف متر من الرصيف على الجانبين ومن الجزيرة فى وسط الشارع، ربما تكون هذه الزيادة فى عرض الاتجاهين مفيدة لسيولة حركة السيارات، لكن ضررها أكبر من نفعها وتعطى دلالة على أن الشارع للسيارات فقط وليس للمشاة أيضًا، وهذا أمر قد يكون مقبولًا فى الطرق السريعة خارج المدن وليس فى الشوارع الداخلية، حيث المناطق السكنية والخدمية، حيث تميزت أحياء القاهرة القديمة الراقية كالزمالك وجاردن سيتى والمنيل باتساع أرصفتها وانتشار الأشجار بها، مما يشجع القاطنين بها على ممارسة رياضة المشى، أو الاستمتاع بجمال الخضرة، وتخفيف عبء التلوث عن صدور المارين بها. 

إن التطوير عليه أن يراعى غالبية السكان، وما زال معظم الشعب فى القاهرة يستخدم المواصلات العامة أو السير على قدميه، فحاجة القاهرة لتوسيع أرصفتها أكبر من حاجتها لتوسيع حارات السيارات ولنستمع لآراء الخبراء ونشاهد تجارب الدول المتقدمة فى التعامل مع مشاكل زيادة كثافة السيارات فى مدنها، ففى أمستردام بهولندا وجدت الرصيف على الجانبين أكبر من حارة السيارات، والرصيف منخفض بما يسمح لكبار السن وذوى الاحتياجات الخاصة بصعوده بيسر وسهولة، والرصيف مقسم لحارة للمشاة وحارة لراكبى الدراجات، وهو أمر علينا أن نتبناه ونشجعه لتخفيف حدة التلوث فى مدينة مثل القاهرة. 

إن الرصيف هو حق المشاة فى الشارع، حقهم فى أن يسيروا بأمان دون معوقات أهلية كوضع أصحاب المحلات بضائعهم أو كراسى المقاهى عليه، أو معوقات تضعها المحليات ومسئولو الأحياء، مثل قيام الأحياء بمنح تراخيص لأكشاك لبيع السجائر والمشروبات، بل ويحاول البعض إضفاء الشرعية والحصانة على هذه التراخيص المشبوهة بوضع صورة الرئيس السيسى على مثل هذه الأكشاك، وهو ما تم عن خبث طوية أو شر متعمد أو فقدان للوعى والذوق من تشويه لمدخل شارع المنيل من ناحية شارع السرايا بإقامة كشك كبير أو منفذ لبيع المنتجات الغذائية دون مراعاة لأى قيم جمالية يتم هدرها بوجود هذا الكشك الكبير، الذى يأكل الرصيف فى دوران الشارع ويعوق حركة السير على الرصيف، ويؤذى البصر جماليًا، ويضعون على المنفذ أكثر من صورة للرئيس، وكأنهم ينسبون للرئيس السيسى زورًا وبهتانًا رضاه عن هذه العشوائية والتلوث البصرى وهو برىء من هذا الافتراء، فهو الذى جعل من محاربة العشوائية أحد أهم ملامح الجمهورية الجديدة، كما أن وضع هذا المنفذ فى مدخل واحد من أعرق أحياء القاهرة ومعقل الطبقة المتوسطة المصرية بما يقطنه من وزراء وأساتذة جامعة وإعلاميين هو إعلان مدسوس لتصاعد وتنامى خط الفقر فى مصر حتى إنه وصل إلى المنيل الحى الذى اختاره «الأمير محمد على» مقرًا لقصره المنيف؛ ليكون مقرًا للحكم إذا ما تولى عرش مصر، وهذا الكشك المشوه يبعد خطوات عن قصر المنيل فى مواجهة حديقة إلهامى باشا. 

إن تلبية حاجة الشعب للسلع الغذائية يمكن أن تتم بطرق تحافظ على رونق وجمال ما لدينا من عراقة وأصالة. ولا أحد يضع «سبت» الغسيل بما فيه من ملابس قذرة تحتاج للغسيل فى مدخل بيته. 

إن المحليات فى بلدنا تحتاج للكثير من التوعية والفرز، حتى لا يتم إهدار الأهداف النبيلة على أرصفة الواقع. 

وللحديث بقية..