رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قاهر الإرهاب زار القاهرة

الصفة، صفة «قاهر الإرهاب»، كنا قد أطلقناها، أو خلعناها، على «الجنرال» كارل نيهامر، حين اختارته الهيئة العليا لحزب «الشعب»، الحاكم فى النمسا، رئيسًا للحزب، فى ٣ ديسمبر ٢٠٢١، وهو الاختيار الذى استقبله بموجبه الرئيس النمساوى ألكسندر فان دير بيلين، فى خطوة إجرائية، سبقت أداءه اليمين الدستورية، مستشارًا للبلاد، أو رئيسًا للوزراء، خلفًا لألكسندر شالينبرج، الذى شغل المنصب، لمدة ٥٢ يومًا فقط. 

نيهامر، KarlNehammer، الملقب بـ«الجنرال»، قضى سبع سنوات فى الجيش النمساوى، ثم عمل مدربًا لضباط المعلومات فى وزارة الدفاع، وتولى وزارة الداخلية، فى يناير ٢٠٢٠، وخلال الـ٢٣ شهرًا التى شغل فيها هذا المنصب، أدار المواجهات والمداهمات الأكبر ضد التنظيمات الإرهابية، على رأسها جماعة الإخوان، وشدّد فى سياقات ومناسبات مختلفة على ضرورة «مكافحة الإسلام السياسى بلا هوادة»، كما خاض صراعًا قويًا مع جهاز المخابرات الداخلى، انتهى بإعادة هيكلة الجهاز بالكامل وتغيير نمط وأساليب عمله.

قادمًا من العاصمة الغانية «أكرا»، زار «الجنرال» القاهرة، أمس الأول الخميس، واستقبله الرئيس عبدالفتاح السيسى بقصر الاتحادية، وعقد الزعيمان جلسة مباحثات منفردة، تلتها جلسة موسعة ضمت وفدى البلدين، جرى خلالهما تناول أبرز مجالات التعاون الثنائى، ومناقشة عدد من الملفات والقضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، على رأسها الأوضاع فى السودان وتطورات الملف الليبى والقضية الفلسطينية وملف سد النهضة والهجرة غير الشرعية، و... و... والأزمة الروسية الأوكرانية. كما قام الرئيس بإطلاع المستشار على النجاح الكبير، الذى حققته مصر، حكومة وشعبًا، فى مواجهة ظاهرة الإرهاب والتطرف، خلال السنوات الماضية، بتضحيات كبرى وبرؤية شاملة تغطى جميع أبعاد وأسباب تلك الظاهرة البغيضة.

زيارة القاهرة، وصفها المستشار النمساوى، خلال المؤتمر الصحفى المشترك، بأنها «ختام مهم وكريم» لجولته الإفريقية، التى بدأها الإثنين الماضى، كما وصف مصر بأنها «حجر راسخ للاستقرار والأمن فى شمال إفريقيا»، وقال إن مباحثاته مع الرئيس السيسى كانت مكثفة وثرية، وأكد أن الحرب ضد الإرهاب من الموضوعات المهمة، التى تناولتها المحادثات، مشيرًا إلى أن بلاده تحتاج إلى خبرات مصر فى هذا الملف، مشددًا على ضرورة وأهمية التعاون بين البلدين وتبادل المعلومات بشأن التنظيمات والعناصر الإرهابية.

النمسا كانت إحدى الوجهات المفضلة لعناصر جماعة الإخوان التى تغلغلت، منذ ستينيات القرن الماضى، فى المجتمع النمساوى، وأسست شبكات مؤثرة، تدير أنشطتها فى أوروبا. وظلت الجماعة تشكل حلقة الوصل بين الجالية المسلمة الكبيرة، والحكومة النمساوية، حتى قررت حكومة المستشار الأسبق سباتسيان كورتز الدخول فى مواجهة مباشرة معها، وصلت ذروتها بعد أحداث نوفمبر ٢٠٢٠ الدامية، التى دفعت الحكومة إلى تنفيذ استراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب. وبصفته وزيرًا للداخلية، قاد «نيهامر» أكبر مداهمات فى تاريخ البلاد، طالت أكثر من ٦٠ موقعًا، فى ٤ ولايات، على ارتباط بجماعة «الإخوان» وحركة «حماس». ووقتها، أكد «نيهامر»، فى جلسة برلمانية، أن بلاده تعمل بكل قوتها لـ«قطع جذور هذه المنظمات الإجرامية واللا إنسانية». 

تأسيسًا على ذلك، قرر البرلمان النمساوى، فى ٢٢ يونيو ٢٠٢١، حظر جماعة الإخوان، ومنعها من ممارسة أى عمل سياسى، مع مجموعة من الإجراءات لمكافحة التطرف والإرهاب، أبرزها إقرار قانون يتيح تكثيف الرقابة على الاستثمارات والمؤسسات المالية، التى تمثل ممرات لتمويل الإرهاب. وفى ٢٨ أكتوبر التالى، استضافت النمسا «منتدى فيينا لمكافحة الإسلام السياسى»، الذى تحول إلى منصة دائمة، وأدى إلى توسيع دائرة التحالف الأمنى والمخابراتى بين دول أوروبا، لمواجهة أنشطة «الإخوان» وباقى التنظيمات الإرهابية.

.. وتبقى الإشارة إلى أن الجنرال، كارل نيهامر، مستشار النمسا، سلّم الرئيس عبدالفتاح السيسى دعوة رسمية لزيارة النمسا، لمواصلة تعزيز ودفع العلاقات المتميزة بين الدولتين على مختلف الأصعدة، وهى الدعوة التى رحب الرئيس بتلبيتها فى موعد يتم تحديده عبر القنوات الدبلوماسية، معربًا عن تطلعه إلى أن تشهد الفترة المقبلة، مزيدًا من التعاون والتنسيق بين مصر والنمسا، يحقق الرخاء والازدهار للشعبين الصديقين، ويرتقى بالعلاقات الثنائية بين البلدين إلى آفاق أرحب.. وأكثر تميزًا.