رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أحمد عبده: موروثي الريفي بطل في أعمالي.. ولهذه الأسباب جذبني يوسف إدريس ومحمد مستجاب (حوار)

بورتريه للكاتب الروائي
بورتريه للكاتب الروائي والقاص " أحمد عبده"
صورة لغلاف المتوالية الروائية “ من جراب الكنغر” للكاتب أحمد عبده.

 

بعد مرور أربعة عقود على احترافه الكتابة الأدبية، يظهر الكاتب الروائى والقاص أحمد عبده بثلاثة أعمال روائية جديدة، ليراهن على أن الكتابة والسرد المغاير في مناحيه الثلاث القصصي والروائي والكتابة للأطفال، هي التي يجب أن يراهن عليها المبدع، وخاصة وأن الكاتب المبدع "أحمد عبده قد اختار_ وأمن بالعزلة بعدما قدم مايزيد عن ثلاثون عملاً إبداعي مابين الكتابة السياسية والاجتماعية والسرد للفتية والفتيات.. أحمد عبده يخرج عن صمته ليتحدث لـ الدستور عن الجوائز والعزلة وكتاب التهميش والفارق مابين مركزية وقوام المبدع في العاصمة وهؤلاء القابعون في الظل مكتفين بفرح ونشوة الكتابة كونها هى الملاذ بل والخلاص.. 

«الدستور» التقت بالكاتب أحمد عبده.. وكان هذا الحوار:

صورة لغلاف رواية “ كلاب الصين” للكاتب الروائي أحمد عبده.

 ـــ بعد العديد من الأعمال الروائية والقصصية.. وتحديدا سرديات أدب الحرب.. أين أنت من المشهد الثقافي والكتابي المصري؟

أكتب في ثلاث مناطق: أدب الحرب، أدب القرية، الأدب الاجتماعي والسياسي أن صح التوصيف، هذا غير جانب الفكر السياسي, وأنجزتُ فيه كتبا ثلاثة: ثورة يناير والبحث عن طريق/ حاخامات الدم في الشرق الأوسط/ مصر تخلع النقاب. عن الكتابة في أدب الحرب لي مجموعة من الأعمال الروائية والقصصية: ثعالب في الدفرسوار/ نقش في عيون موسى/ حالة حرب/ مغارة المنجنيز الأسود/ جنرال سيدنا الحسين/ أكتوبر يا أولاد. يا أولاد أكتوبر وهي لليافعين، من يحارب بذراع واحدة؟ لليافعين أيضا، غير رواية "أسطورة الجناين" وهي تحت الطبع.

أما عن السرد الريفي فهناك المجموعة القصصية، الجدار السابع، المتوالية الروائية من جراب الكنغر، المجموعة القصصية كلاب الصين. وفيما يخص الأدب الاجتماعي والسياسي، فيندرج تحته روايات: مكاشفات البحر الميت/ المس العاشق/ بنات 6 إبريل.

ونستطيع القول إن هناك عوامل مشتركة، أو خيوط تربط بعض الأعمال بعضها ببعض؛ فروايات وقصص أدب الحرب، بطبيعة الحال لن تخلو من أبعاد سياسية، كما لاتخلو من رائحة السرد الريفي، بل هو أصيل فيها، على اعتبار أن جبهة القتال ــ خط القناة ــ عبارة عن شريط أخضر من القرى والعزب التي يسكنها الفلاحون، ومن لم يتم تهجيره بعد الهزيمة عاشوا مع جنودنا القصف والغارات، وكان لهم دورا كبيرا مع الجنود أثناء حرب الاستنزاف وأكتوبر. أيضا السرد الاجتماعي والسياسي, منه ما كان توجهه سياسيا خالصا كراوية بنات 6 أبريل، وهي الحركة المعروفة في ظروف ثورة 25 يناير, والمجموعة القصصية حفر في الباطن، وما كان توجهه سياسيا بغطاء صوفي ريفي، كرواية المس العاشق. وها أنذا في المشهد الثقافي المصري بهذه الأعمال، حسب ما يراني من قرأني. 

صورة لأحد أعمال الكاتب الروائي أحمد عبده..

ـــ عن إشكالية المركز والأطراف.. المركزية والأقاليم.. هل  لازلت تؤمن بهذه المقولة؟

أستطيع القول بأنها ذابت في بعضها، في ظل مستجدات إدارية وتكنولوجية، وقدرة البعض على تذويبها، ظهرت هذه المقولة مع انعقاد " مؤتمر أدباء الأقاليم " 1969في الزقازيق، وظلت بعده لفترات طويلة، إلى أن سادت تلك العوامل. 

ـــ هل هذه الإشكالية المرتبطة بُكتَّاب الأقاليم والقاهرة كانت سببًا في ابتعادك عن المجال العام؟

لم أبتعد عن المشهد الثقافي، ربما أكون قد قللت من الحركة في السنوات الأخيرة، سكنت في القاهرة من عام 80/ 90 بحكم عملي، وفيها تعرفت على بعض جوانب المشهد الأدبي والثقافي، أنتجت أولى أعمالى القصصية الجدار السابع ونقش في عيون موسى، تعرفت على الندوات وبعض روادها.

وماذا بعد.. حدثنا عن تفاصيلك ومحطاتك مع الابداع وكيف كانت الرحلة؟

انتقلت إلى الشرقية عام 90 حتى عام 2007، وكانت من أخصب فترات حياتي الأدبية, فيها جاء معظم انتاجي/ النشر في الصحف والمجلات/ استضافات إعلامية، فاعلا في المؤتمرات، أقام إقليم شرق الدلتا الثقافي مؤتمرا لمناقشة أعمالي برئاسة الكاتبة والناقدة الأستاذة فريدة النقاش، لم أشعر أبدا بالفجوة بين القاهرة كمركز والشرقية كإقليم. 

ـــ لك روايتان صدرتا أخيرا (المس العاشق/ من جراب الكنغر) ماهي الآليات أو المسارات أو الفضاءات التي يتكئ عليها الكاتب أحمد عبده فيما يخص اختياره لنصوصه؟

صورة لغلاف رواية المس العاشق من أخر إصدارات الكاتب أحمد عبده.

مجموعة من الأفكار في حقل واحد، ستختار الفكرة الأكثر إلحاحا، والتي تشعر أن سيكون لها فضاء رحب، يتحمل المخزون الخام للتجربة، المس العاشق، التجربة الصوفية الريفية، المدفون فيها الدلالة السياسية، ظهر اتساع رقعتها معي منذ البداية، فمكانها من القرية إلى الكونية، امتدت بطول تمدد هذا البطل الصوفي في ملكوته، بعكس النوفيلات العشرة في المتوالية الروائية "من جراب الكنغر"، فهي روايات قصيرة جدا، ما بين القصة القصيرة والرواية، لكنها إلى الرواية أقرب، لتعدد شخوصها، وكثرة وتشابك أحداثها، وربما أماكنها، نصوصها من نوع المتصل المنفصل، لكل رواية منها فكرتها وموضوعها ومكانها, استطعتُ أن أبلور فيها الأفكار العشرة, التي كانت تُلحُ عليَّ، والمأخوذة من موروث بيئتي الريفية، يجمعها البطل الواحد "الحديدي" الذي يقفز مثل " الكنغر" من نَصٍ إلى آخر، ومن مكان إلى مكان, وهي تجربة ربما لن أكررها، لوقوفها بين القصة والرواية، واللبس الذي صنعته، رغم أنك تصنع عالما روائيا خاطفا، لابد سَيُشبع القارئ بقدر امتاعك له، وهي شكل ربما يتناسب مع وتيرة العصر، فكما هناك القصة القصيرة جدا، فلما لا يكون هناك الرواية القصيرة جدا؟، مجموعة من الأفكار تحمل روائح الريف، جاءت فُرادى، وبالتداعي، ولكل فكرة رونقها في خيالي الإبداعي.

_ وماذا عن روايتك الأخيرة المس العاشق؟

 أما فكرة المس العاشق, فقد عالجتها عام 2003 في الرواية القصيرة " مكاشفات البحر الميت" وكانت من تداعيات حرب أمريكا على أفغانستان، وحربها على العراق، وجدتُ أن الفكرة أكبر من مجرد مكاشفات للبحر الميت، فراحت إلى قرية مُتخيلة، لتستمد منها الحدث وتوظف الشخصيات، وللدلالة أن تُحلق في أفق العالمين؛ العربي والإسلامي حسب قوة ومتانة أجنحتها.

ـــ كيف ترى المشهد النقدي المصري في السنوات العشر الأخيرة.. وهذا انطلاقا من خلال كتاباتك؟

النقاد في مصر مظلومين، فأي قيمة لدراسة ـــ ترك الناقد ما في يده ـــ ليعكف على تأليفها وكتابتها على الكيبورد، أو بقلمه، بالكاد تم بلورة محتواها على منصة في ثلث الساعة، ثم تظل حبيسة الفلاشا أو سطح المكتب!، فعلى الأقل، إن لم يأته مقابلا ماديا منها، يتم نشرها في دورية واسعة الانتشار، أو في كتاب، علاوة على إرهاقه بكثرة المعروض، ونظرًا لتكاليف الكتاب الباهظة، أرى أن يتحفظ الكاتب ولا يدفع بروايته للناقد، لأنها في الغالب لن تُقرأ ولن يُكتب عنها، فما يكون البديل الأنسب؟، النقاد يرون المشهد كاملا، الناقد يطلب رواية فلان بعينها، لما يتوسمه في صاحبها الإجادة والتجويد، وبذلك لن تتكدس عنده الأعمال عاطلا في باطل، بالنسبة لي عندي حوالي 50 ألف كلمة في دراسات نقدية فيما يخص أدب الحرب/ حوالي 120 ألف كلمة فيما يخص الأعمال الأخرى، أقوم الآن بتجهيزها لطبعها في جزأين أو ثلاثة، وحينما نتكلم عن أزمة النقد فنحن نقصد أزمة الفرز، وهي المنوط بها النقاد، رغم حساسيتها.. وليكن!

ـــ بعد أكثر من ثلاثين عاما في المجال أو المشهد الثقافي والروائي؛ أين أنت من الجوائز المصرية والعربية؟

في العشر سنوات الأولى من هذا القرن حصلت على جوائز: نادي القصة/ إحسان عبد القدوس/ الشئون المعنوية للقوات المسلحة/ جريدة المساء/ جريدة الجمهورية، قبل سن الأربعين تقدمت لجائزة الدولة التشجيعية مرة برواية ثعالب في الدفرسوار، ومرة بالمجموعة القصصية كلاب الصين، لكن لم أُوفق، ومجرد الاشتراك في المسابقات العربية مُكلف للكاتب. 

ـــ وهل هناك خلطة ما أو صبغة ما.. أو عتبات تتكئ عليها لجان تحكيم الجوائز في المنح والمنع؟

سراديب ودهاليز هم أدرى بها، ومعهم المُطَّلعون على بواطن الأمور!، وأنا آخر من يعرف شيئا عن تلك الخلطة أو هذه الصبغة. 

صورة للمجموعة القصصية الجدار السابع للكاتب والقاص أحمد عبده.

ـــ عن أدب الحرب في ذكرى احتفالاتنا بذكرى عودة سيناء وعودة طابا، ومرور خمسون عاما على حرب أكتوير، كيف يرى أحمد عبده أصداء تجربة أدب الحرب من خلال أعماله؟

= أصداء الكتابة في أدب الحرب، عندي مثلما عند جميع كُتَّاب أدب الحرب، قد نستثني واحدا أو اثنين، لم تجد هذه الكتابات صدى يُعتد به، أو يشجعنا، نكتب من منطلق واجب وطني، أنا عبَّرتُ في كتاباتي عن جميع مشاعر الجندي وأمه وأبيه وأخته وأخيه وحبيبته وخطيبته، وزميله في الخندق، عبَّرتُ عن المُنهزم وعن المنسحب وعن المنتصر، عن الجبهة الداخلية ودورها مع جبهة الحرب. 

ـــ مَن مِن الكتاب المصريين والعرب الأقرب لروح وكتابة وثقافة أحمد عبده.. ومن منهم كان له تأثير في كتاباتك؟

في بداياتي كانت ثقافتي خليط من قراءات مشتتة في الأدب والفلسفة والدين، قرأت أبو حيان التوحيدي وأبو حامد الغزالي، وشوبنهاور، أحببتُ العقاد فكرا وعصامية، ذائقة السرد بدأت مع سلسلة كتابي الذي كان يصدرها محمد حلمي مراد، وروايات الجيب المترجمة، ثم ذهبتُ لنجيب محفوظ الرواية، ومللتُ من قصصه، جذبني عالم يوسف إدريس، وطريقة  محمد مستجاب، رحت لزكريا تامر، فؤاد حجازي في أدب الحرب، سرد القهر والسجون عند عبد الرحمن منيف     

ـــ ليتك تحدثنا عن رؤيتك للمشهد الروائي المصري والعربي في السنوات العشر الأخيرة.. وهي سنوات ما سُمي بالربيع العربي؟

صورة لغلاف أحد أعمال الكاتب أحمد عبده للأطفال.
صورة للقاص الراحل القدير يوسف ادريس، أحد المؤثرين في الكاتب أحمد عبده.

كان علينا أن نصمت فترة، كما فعل نجيب محفوظ بعد ثورة 23 يوليو 52, لكن تسارع الأحداث, المحلية والعربية, والعالمية بعد 2011، جر الجميع لاستئناف الكتابة، الكتابة التي وضعت النقد السياسي والاجتماعي نصب أعينها, جاءت مباشرة إلى حد كبير، ومعها الكتابة التي راحت تبحث عن الإيديولوجية، أما الكتابة التي حشرت أنفها بين تفاصيل الحياة الجديدة، ومستجدات الفترة، هجرة غير شرعية، وعذابات اللاجئين، والخطاب الروائي مع ما يُعرف بالدين الشعبي، واستدعاء التاريخ, وتعرية موروث القبلية والمذهبية والسلالية، وما شابه ذلك، كل هذه الكتابات، مصريا وعربيا، جاءت على درجة عالية من التفوق الروائي، وأُعفي نفسي من ذكر أسماء، ونستطيع القول بأن هذه الفترة أسفرت عن: رواية مصرية/ رواية يمنية/ رواية سورية/ رواية عراقية/ رواية ليبية/ رواية تونسية.. فنحن أمام (رواية منطقة الصراع)، كل على حده, فلكل منطقة عربية صراع من نوع معين, صراعات تُشكِّل مسبحة خيطها التشدد الديني! ويضيف الكاتب الروائي والقاص وكاتب الأطفال أحمد عبده،             

ولدينا في مصر موضوعات روائية جاهزة لا تحتاج لبلورة.. مثلا: المتحولون، طغمة النظام السابق.. أغنياء الثورة بكل أشكالهم بلطجية الانفلات الأمني كنموذج من كتب عنهم؟ 

ـــ عن الهُوية والأعراق والتاريخ والجغرافيا، ما هي الآليات التي يتحرك من خلالها المبدع، في ظل تلك الحروب التي تواجه العالم, والأوبئة ونسف الهُويات، على أي آلية يتحرك في الكتابة؟

يمكن أن يتحرك من خلال استدعاء التاريخ، والتاريخ الذي يعيد نفسه، ويمكن من خلال التراث بكل مستوياته، المادي والمعنوي، ومن خلال التخييل الخالص والفانتازيا، ومن خلال أبعاد فلسفية... 

ـــ عن مفهوم ومعنى "الخلاص".. هل ينتهي حُلم الكاتب وخلاصه، بعد انتهائه من كتابة نَصِّه؟، أم هناك معنى آخر لمسألة الخلاص؟          

صورة ل غلاف قصص في ظلال العنب للكاتب أحمد عبده.

الكاتب في "خلاص" متجدد طالما فشل في خلاصه السابق!, و"الخلاص" عند الكاتب هو الوهم الجميل، هو المغناطيس الذي يشده لخلاص آخر، لحظة وضع نهاية العمل هي لحظة الضغط على "الزِر" الذي سيغير العالم!، أو قل؛ هي لحظة وضع ما عذَّبَ الكاتب وأرهقهُ تسعة أشهر.. بعوامل نسبية.