رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إبراهيم فرغلي: أنهيت الكتابة الأولى لنص أعده من أصعب ما مر عليّ من خبرات الكتابة (حوار)

الكاتب الروائي إبراهيم
الكاتب الروائي إبراهيم فرغلي

 

صورة ل غلاف رواية “قارئة القطار” لإبراهيم فرغلي والفائزة بجائزة نجيب محفوظ.

عن عوالم ومسارات نجيب محفوظ تكمن محطات فارقة كانت ولا تزال وربما ستظل هي الصيرورة في إيغال عمق الذائقة من قبل الكاتب الروائي إبراهيم فرغلى والذي فاز منذ أيام بجائزة “نجيب محفوظ الروائية” والتى يمنحها المجلس الأعلى للثقافة ووزارة الثقافة.

فرغلي الذي كتب من قبل "أولاد الجبلاوي" عن مفارقات عبثية وهزلية احتكم الراوي "إبراهيم" بتحريك شخوصه في دلالة البحث عن آثار وأثر أعمال النجيب محفوظ فكان السبق في التشريح الأولي لعوالم بناء الرواية العربية محفوظ. 

فرغلي وفي حصوله على الجائزة من خلال روايته الأحدث "قارئة القطار" يبنى على ركام وعيه الفكري وثمة تأثيرات جمة وظلال لجدوى الفكر والقراءة ومتاهات المعرفة و الليل، في ظلمة قطار الرجرجة، و فيما يخص تيمة ساحرة تتخذ من العلم والحلم والسوريالية  دلالات على الكثير من التأويلات في ما هو منتظر من حصاد الأفكار وماهية القراءة، بل والكتابة والسرد عند الروائي إبراهيم فرغلي وعلاقاته بالكتابة والجوائز، “الدستور” التقت إبراهيم فرغلي وكان هذا الحوار..

حدثنا عن شعورك بالفور بجائزة نجيب محفوظ وتحديدا عن رواية قارئة القطار؟

خبر فوز رواية قارئة القطار غمرني بالسعادة والفرح الشديد، وأهم أسباب ذلك ارتباط الجائزة باسم كاتبنا الكبير نجيب محفوظ، وهو له مكانة كبيرة في وجداني وله أثر كبير ككاتب في رؤيتي للفن. بسبب تجديده المستمر للغة والأسلوب وإعادة صياغة الأسئلة الفلسفية والوجودية بأشكل مختلفة في تجاربه الروائية العديدة.

عن الوجود والعدم والخيال وجدوى القراءة والكتابة في روايتك الأثيرة قارئة القطار ماذا كانت دوافعك لكتابة هذه الرواية الفارقة في مسيرتك السردية؟

عادة ما تبدأ الرواية من فكرة أو مشهد محدود وغير مفهوم تماما إلى أين سيذهب، وكانت هذه الفكرة بالنسبة لي هي شخص يفقد ذاكرته بمجرد ركوب قطار، ثم وجود شخصية امرأة كفيفة لها القدرة على القراءة رغم عدم قدرتها على الإبصار، ودورها ألا تجعل القطار يتوقف. وفي أثناء الكتابة تبلورت الفكرة أكثر لكي تلائم الفكرة التي ألحت علي وهي تتعلق بالكيفية التي تتغير بها هوية الفرد أو الشخص إذا فقد ذاكرته. ثم محاولة تأمل السؤال على نطاق أوسع وهو ماذا يحدث للمجتمع إذا فقد ذاكرته. ما تأثير ذلك على هويته، وكيف يمكن لنا في هذه الحالة أن نجيب عن سؤال: من نحن؟ وهذه الأسئلة انبثقت من خلال تداعيات الأحداث في المجتمع المصري بعد 25 يناير وحتى وقت كتابة الرواية.

عن الفكر أو فقر الفكر بعيدًا عما كتبه يوسف إدريس منذ عقود، كيف ترى تلك الثنائية واقعيا وعلاقتها بالمشهد الروائي وجدوى تفاعل القارئ مع الكاتب؟

ما كتبه يوسف إدريس عن فقر الفكر لا يزال صالحا إلى اليوم، ولكن لو كان يوسف إدريس حيا لتبين الكثير من المفارقات التي ربما ما كانت لتخطر على باله آنذاك. وهي المتناقضات الخاصة بتأثير التكنولوجيا الحديثة في حياتنا ودورها الخطير في "تزييف الفكر" من خلال صناعة فقاعات تبدو من بعيد أنها فقاعات معرفية، أو أدبية، أو فكرية، لكنها في الحقيقة مجرد "مظهر افتراضي" غير حقيقي، فبإمكان أي شخص اليوم من خلال صفحة شخصية على أي وسيلة تواصل أن يقدم أي أكاذيب أو معلومات مغلوطة باعتبارها حقائق، وسيتم تداولها من قبل الآلاف فورا، وأيضا يمكن لأي شخص لا يملك سوى كاميرا هاتفه أن يمارس أي تفاهة من قبيل الرقص أو تقليد شخصيات أو أغنيات ويصبح مشهورا في غضون عدة أيام. وهو ما حدث في الأدب، فبفضل نفس وسائل التواصل أصبح من السهل أن يقوم أي شخص لم يكتب حرفا من قبل أن ينشر كتابا ويروج له عن طريق مجموعات "شلة افتراضية" تروج له ويصبح كتابه بين الأكثر مبيعا، بينما المحتوى أدبيا أو فكريا أو معرفيا في الحضيض. لهذا يبدو لي أن فقر الفكر الذي تحدث عنه إدريس أصبح بحيرة تتكون من مياه التفاهة والبلاهة والادعاء، مع الأسف.

عن الغربة والغرابة والتغريب في كتابات ورؤى الكاتب إبراهيم فرغلي، ما مدى تأثير أو مؤثرات السفر على تلك السرود أو المصطلحات في عالمك الروائي والإبداعي؟

الغرابة لها علاقة بفهمي للفن، باعتباره خلق عالم فني موازي للواقع، وله علاقة أيضا باهتمامي مبكرا بالمزج بين الواقع والخيال من جهة، وبين الرمزية التي يمكن الاستفادة بها من عالم الخيال أو العجائبي. السفر في حد ذاته ليس له تأثير مباشر في ذلك، بقدر ربما ما يعود لأن الطبيعة التي نشأت فيها خلال طفولتي أقرب للعزلة، من جهة ومطلعا على طبيعة غير مألوفة في مصر، مثل الجبال والبحر في مسقط في سلطنة عمان، والصحراء في الإمارات مثلا لها دور في الانشغال بالسؤال عما قد تخفيه الكهوف في الجبال، أو التلال في الصحراء، ربما لهذا تستهويني العوالم الغريبة في الكتابة.

عن الجبلاوي وعوالم محفوظ الثرية والبليغة فيما يخص رؤى الفلسفة والعبث والوجود وحتى العدم، ما مدى تأثر الكاتب إبراهيم فرغلي بفضاءات وعوالم نجيب محفوظ؟

رغم قراءتي وإعادة قراءتي لأعمال محفوظ كافة، وبدء علاقتي به كقارئ منذ مرحلة مبكرة من حياتي، فإنني لا أجد نفسي صادقا كل الصدق حينما أردد أنني قرأت كل أعمال محفوظ. ليس لأنني لم أقرأها، بل لأنني مع كل قراءة جديدة أكتشف أن شيئا ما قد فاتني من قبل. وأن ما افتتنت به أو انتبهت له في القراءة الأولى أو الثانية قد خبأ عني شيئا جديدا. سواء على مستوى إعادة اكتشاف التكوين النفسي لشخصية من الشخصيات (في رواية مثل الطريق أو خان الخليلي أو الثلاثية أو أولاد حارتنا والحرافيش مثلا) ، أو إدراك كيف كان محفوظ مجربا للواقعية السحرية بشكل غير مسبوق في (ثرثرة فوق النيل)، أو كيف أن مجموعة مثل "حكاية بلا بداية ولا نهاية" التي قد تقرأ كقصص منفصلة، وتشغلنا كل منها بمضمونها تكشف في وقت لاحق أنها متوالية قصصية غير تقليدية تتوالى في اختبار تيمة "الشك" بأشكال متفاوتة. اليقين مقابل الشك، في الدين أو في البشر أو غيرها. كاتب استثنائي كبير وملهم وصاحب لغة أدبية من أجمل ما يمكن.

ماذا سيتبقى إذاً من كتابات محفوظ في هذا الإطار الوجودى أو الرمزى أو حتى الدينى/ الواقعي ؟

لغة أدب نجيب محفوظ هي لغة شديدة الشعرية، بالمعنى الأدبي، أي بالمعنى الذي يتسبب في خلود أعمال أدبية بعينها. وبسبب هذه اللغة ستبقى الكثير من أسئلته حول تغيرات الشخصية الإنسانية، وتناقضاتها، وحول السؤال الوجودي عن معنى الحياة ودور الإنسان في هذه الحياة.

ماذا يشغلك من رؤى الكتابة والسرد في هذه الأيام خاصة مع نذر الحرب والأوبئة الذي يجتاح العالم؟

يشغلني ضرورة وكيفية استعادة البشر لعقلهم المسلوب. العقل الذي سلبته الإيديولوجيا مرة، والغيبيات مرات، وجنون العظمة والغرور في مرات أخرى. لا يمكن للبشرية أن تنجو من دون أن تعود للعقل لكي يمكنها السيطرة على حياتها وعلى استعادة المنطق العقلي في فهم الحياة وبالتالي كيفية التفكير في الوصول للتعايش بين البشر كشرط وحيد للنجاة.

صورة لأديب نوبل نجيب محفوظ والذي تحمل الجائزة اسمه.

 

عن ماهيات النشوة والخلاص والجدوى المنتظرة من الفن/ الكتابة، كيف يرى السارد إبراهيم فرغلى مستقبل تلك المفردات او المصطلحات في ظل حروب النسف للهويات والتاريخ والجغرافيا؟

لا يزال العالم يستعيد أرسطو لإدراك إمكانات العقل البشري الهائلة في التحليل والتفكير، ومن بعده سلالة طويلة من الفلاسفة أكدت أن ثمة خلاص في الكتابة باعتبارها أساسا طريقة تفكير، يتم تدوينها في وقت لاحق. وشخصيا أنقذتني الكتابة أكثر من مرة، وأقصد أن الكثير مما قرأت أنقذني، وبالتالي فإني في المقابل أؤمن بأهمية دور الكتابة في توجيه رسائل فنية أو وجدانية أو عقلية لأجيال معاصرة أو مستقبلية. واليوم مع التطور في المعرفة وزيادة تجاربنا في الترجمة، حتى لو أنها لا تزال بعيدة عن المأمول، يتبين لنا كيف يلعب الفن والكتابة دور كبير في إعادة فهم المصطلحات التي ثبت أنها كانت كاذبة أو غير واقعية أو غير حقيقية، وإعادة فهم العالم بشكل أكثر عمقا بالتالي. هذا دور مهم أمامه عائق يتمثل في إزاحة أطنان من التفاهات التي يتم تداولها اليوم باعتبارها كتابة أو أدبا، ثم بعد الفرز ستظهر الكتابات الجادة والعميقة تدريجيا.

صورة للكاتب الروائي ابراهيم فرغلى مع الكاتب حاتم حافظ

وما هو مفهومك للخلاص الكلي بالنسبة للكاتب / الفنان، وهل ينتهى هذا الأمل أو الأمل بالخلاص مع انتهاء الكاتب من نصه؟

 الكتابة محاولة من محاولات التعبير عن الذات والعالم، ليس فيها خلاص، بل هي محاولة للاشتباك مع الواقع ومع الماضي من أجل التبشير بمستقبل قد يكون أفضل مما مرت به البشرية.

حدثنا عن طقوسك في القراءة والكتابة في شهر رمضان الكريم؟

صورة للكاتب ابراهيم فرغلي مع الكثير من الأصدقاء بدولة الكويت

عادة ما يكون شهر رمضان فرصة للمزيد من القراءة، أكثر من الكتابة، وربما بالفعل تتاح لي فرصة ولو نسبية أكبر للقراءة لبعض ما لا تتيح لي الظروف قراءته لضيق الوقت. لكنه أيضا شهر يتسم بالكثير من الزيارات العائلية والارتباطات الاجتماعية وتغير برامج النوم والاستيقاظ والتي تؤثر تدريجيا على الذهن والتركيز. أبدأ شهر رمضان بخطط كثيرة ولكني أستسلم لما يتاح لي خلاله.

بعد مرور عقدين من الزمن على خروجك من القاهرة، والاقامة بالكويت ليتك تحدثنا عن حصاد الرحلة فكريا وثقافياً ومن هي الشخصيات الادبية أو الفكرية القريبة لعقلك وهواك ورؤاك للكتابة أو الادب

لقطة تجمع الروائي محمود الورداني مع الكاتب ابراهيم فرغلي في عمان بالأردن.

أعيش في الكويت منذ عام 2007، وقد أتاحت لي تجربة الحياة في الكويت لسنوات أن أجد وقتا أكبر نسبيا للكتابة، خصوصا في السنوات الأولى قبل أن تتسع شبكة علاقاتي الاجتماعية، وتعرفت على العديد من الشخصيات وكونت صداقات مع أدباء وكتاب وشباب مثقف ممن يسعدني دائما الجلوس معهم والنقاش. بل يدهشني أن جيل الشباب في الكويت قادر على النقاش بشكل عقلاني ومحترم ويعبر عن أفكاره باستفاضة ومعرفة وعقلانية وبشكل شديد الاحترام . هناك شباب من أجيال أصغر بكثير أجد فيهم صحبة عقلية وإنسانية، وهناك بعض الصداقات مع مثقفين وكتاب معروفين في العالم العربي، لا أريد ان أذكر أسماء حتى لا أنسى أخرى، مطلعين أستفيد من قراءاتهم ونتبادل الخبرات، وطبعا بفضل إشرافي على البرامج الثقافية في منصة الفن المعاصر تابعت العديد من المحاضرين النابهين في مجالات أدبية وعلمية مختلفة وبينها نماذج تدعو للإعجاب. طبعا هناك علاقات مع شخصيات من جيل الستينات الذين تعلموا أو عاشوا في مصر، ويعرفون عن مصر أكثر مما أعرف، والتقيت بالكثير من الشخصيات الراقية التي لديها اطلاع على العالم والثقافات الأخرى. المجتمع الكويتي على صغره بيئة فيها الكثير من التنوع والغنى الثقافي المدهش.

أخيرا، ماهو جديد الكاتب المتعدد المسارات ابراهيم فرغلي فيما يخص سرود الناشئة والفتيان او جديدك المنتظر بشكل عام؟

أنهيت الكتابة الأولى لنص أعده من أصعب ما مر علي من خبرات الكتابة، والآن أراجعه وأعيد كتابة بعض الأجزاء وآمل أن يرى النور قريبا، وبعدما أنتهي منه سأعود لإنهاء نص آخر للفتيان.