رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العضو الـ31 فى الناتو

بعد ساعات من ظهور نتائج انتخاباتها التشريعية، صارت فنلندا عضوًا فى حلف شمال الأطلسى، الناتو، وتم رفع علمها، العلم رقم ٣١، بمقر الحلف فى بروكسل، بعد ظهر أمس، الثلاثاء، ٤ أبريل، الذى يوافق الذكرى الرابعة والسبعين لتأسيس الحلف. والطريف، هو أن غدًا، الخميس، ٦ أبريل، تحلّ الذكرى الخامسة والسبعون، أى اليوبيل الماسى، لتوقيع «المعاهدة الفنلندية السوفيتية»، أو «اتفاقية الصداقة والتعاون والمساعدة المتبادلة»، التى ألزمت فنلندا بالحياد، وعدم الانحياز لإحدى الكتلتين، الشرقية أو الغربية، خلال الحرب الباردة.

نتائج الانتخابات التشريعية الفنلندية تصدّرها حزب «الائتلاف الوطنى» الفنلندى، الليبرالى المحافظ، بنسبة ٢١٪ تقريبًا، وبالتالى قد يخلف بيتيرى أوربو، زعيم الحزب، سانا مارين، رئيسة الوزراء المنتهية ولايتها، التى جاء حزبها «الاجتماعى- الديمقراطى» فى المركز الثالث، بعد «حزب الفنلنديين» اليمينى القومى. إذ إن العُرف السائد فى فنلندا، منذ سنة ١٩٨٧، يقضى بأن يتولى زعيم الحزب، صاحب أعلى الأصوات، رئاسة الوزراء، لو تمكن من تشكيل ائتلاف تدعمه الأغلبية البرلمانية. غير أن ذلك لن يؤثر، وهو فعلًا لم يؤثر، على عملية الانضمام لحلف شمال الأطلسى، لأنها تحظى بتأييد كل الأحزاب الفنلندية الرئيسية.

المهم هو أن المعاهدة، التى تم توقيعها فى ٦ أبريل ١٩٤٨، حظرت على فنلندا الانضمام إلى أى تحالفات معادية للاتحاد السوفيتى، والتى صار أبرزها حلف الناتو، الذى تأسس فى ٤ أبريل ١٩٤٩، وجعل أمن وسلامة الكتلة الغربية تحت مظلة الحماية الأمريكية. كما نصت المعاهدة، أيضًا، على مبدأ «الإرادة المتبادلة» فيما يتعلَّق بأى مسألة تخص التعاون العسكرى. وبالتالى، بات من حق فنلندا ألا تنضم إلى «حلف وارسو»، الذى أسسه الاتحاد السوفيتى، فى ١٤ مايو ١٩٥٥ وضم سبع جمهوريات من الكتلة الشرقية. 

هذا التوازن أدى إلى ظهور ما يُوصف بـ«الفنلدة»، Finlandization، وهو مصطلح أطلقه باحثون فى ألمانيا الغربية، على سبيل التهكم، لوصف الطريقة التى استطاعت بها فنلندا أن تكون خارج صراعات الكتلتين. وبعد تمديد المعاهدة فى سنوات ١٩٥٥ و١٩٧٠ و١٩٨٣، اعتبرتها فنلندا منتهية أو لاغية فور تفكك الاتحاد السوفيتى سنة ١٩٩١، ثم عقدت معاهدة جديدة مع روسيا، سنة ١٩٩٢، تعهدت فيها الدولتان بعدم استخدام القوة ضد بعضهما البعض، واحترام حدودهما المشتركة، وتسوية أى نزاعات بينهما بالطرق السلمية. وهكذا، تمكّنت فنلندا من تعزيز اندماجها فى التكتلات الغربية، وانضمت سنة ١٩٩٥ إلى الاتحاد الأوروبى، لكنها ظلت، حتى أمس، الدولة الوحيدة فى الاتحاد التى لها حدود مع روسيا وليست عضوًا فى الناتو.

بطول ١٣٤٠ كيلومترًا، تتشارك فنلندا أطول حدود أوروبية مع روسيا، بعد أوكرانيا، ويراها «الناتو»، مع السويد، «حصنًا قويًا على خاصرته الشمالية الشرقية» و«حليفين جديدين يتمتعان بقوات وقدرات عسكرية هائلة». وكان البلدان قد تقدما، معًا، بطلب الانضمام إلى الحلف، فى ١٢ مايو ٢٠٢٢، وفى ٥ يوليو التالى، بدأت إجراءات المصادقة على انضمامهما، التى تتطلب موافقة كل الدول الأعضاء الثلاثين بالإجماع. 

بموافقة الولايات المتحدة، بصمت ٢٧ دولة، وبعد مناوشات مجرية، ومساومات تركية، صار انضمام فنلندا إلى الناتو «أسرع عملية انضمام لدولة فى تاريخ التحالف الحديث»، بوصف ينس ستولتنبرج، الأمين العام للحلف، الذى أعرب عن ثقته فى انضمام السويد، أيضًا، التى لا تزال تجرى مفاوضات أو مقايضات مع تركيا، مؤكدًا أن ضمان حدوث ذلك فى أسرع وقت ممكن يمثل أولوية قصوى له وللحلف.

.. وتبقى الإشارة إلى أن انضمام فنلندا، ثم السويد، إلى حلف شمال الأطلسى، لا يمثل تهديدًا أمنيًا لروسيا فقط، بل سيؤثر أيضًا على مصالحها الاقتصادية فى منطقة القطب الشمالى، وسيضعف موقفها فى الصراع مع الولايات المتحدة على ثروات وموارد تلك المنطقة، وسيعرقل، غالبًا، تنفيذ مشروع «الممر الشمالى الشرقى»، ذلك المسار التجريبى، الذى كانوا يعتقدون، أو يزعمون، أنه سيكون بديلًا لقناة السويس، والذى كانت جريدة «واشنطن بوست» الأمريكية قد وصفته، فى سبتمبر ٢٠١٨، بأنه قناة السويس الروسية!.