رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«باخموت» هل تكون بداية مرحلة جديدة من الصراع الروسى الأوكرانى؟.. خبير يجيب

باخموت
باخموت

قال قائد مجموعة فاجنر الروسية في مقطع فيديو نُشر السبت على تليجرام إن قواته قريبة من وسط مدينة باخموت التي تشهد معارك طاحنة منذ أشهر مع القوات الأوكرانية.

فهل ستكون تلك المدينة التى تشهد معارك منذ شهور عديدة، نقطة تحول ومرحلة جديدة من الصراع الروسى الأوكرانى.

فى هذا السياق، قال الدكتور أشرف الصباغ الباحث السياسي فى الشأن الروسي، إن روسيا تواصل وضع بلدة باخموت ضمن سردية تاريخية للأجيال القادمة، فهذا المكان الذي يقف في منطقة وسط بين البلدة والمدينة، كان قبل سبعة أشهر يمثل مفرق طرق مهم، وطريق لنقل الأسلحة إلى القوات الأوكرانية المتمركزة هناك، ولكن بداية من يوليو الماضى، أي بعد بدء الغزو الروسي لأوكرانيا بحوالي أربعة أشهر، فقدت هذه البلدة الموجودة في دونيتسك بجنوب شرق أوكرانيا أهميتها، لأن وزارة الدفاع الأوكرانية أوجدت عدة بدائل أخرى لنقل الأسلحة والمعدات من وإلى دونيتسك.

وأضاف الصباغ فى تصريحات خاصة لـ"الدستور"، أنه ليس من المستبعد أن تكون القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، هي التي قامت بهذه الخطوة، استباقا لأي سيطرة أوكرانية على كل دونيتسك، ومن أجل حرمان القوات الروسية من أي انتصارات استراتيجية. 

وتابع: "في الواقع القوات الروسية وعلى رأسها مقاتلو شركة فاجنر العسكرية، لم تسيطر بعد بالكامل على أي من المناطق الأربع التي أعلنت موسكو ضمها إلى قوام روسيا الاتحادية، وقلبت الوضع، لتصبح أوكرانيا هي المعتدية على أراض روسية، وكان من الممكن أن تمتلك باخموت، التي تطلق عليها روسيا تسمية "أرتيوموفسك"، أهمية استراتيجية لو كانت روسيا قد نجحت في السيطرة عليها قبل سبعة أو ثمانية أشهر، بل وكان من الممكن أن تعتبر حتى هدية ثمينة للرأي العام الروسي بمناسبة مرور عام على بدء الغزو، ولكن لم تتم سيطرة القوات الروسية حتى الآن على هذه البلدة، والمثير للاهتمام، أن إدارة شركة فاجنر تدلي بتصريحات نارية طوال الشهرين الأخيرين، بأنها قاب قوسين أو أدنى من السيطرة على المدينة الاستراتيجية، لدرجة أن مؤسس الشركة يفجيني بريجوجين نشر مقاطع فيديو وصورا لمقاتليه وهم يحملون أعلام النصر وقال إن الصور في وسط بلدة باخموت، وبعد ذلك، عاد ليتحدث عن اقتراب قواته تارة، وإحكام الحصار على شرق وجنوب البلدة تارة أخرى".

وأشار الصباغ إلى أنه من الصعب الحديث عن سقوط هذه البلدة أو عدم سقوطها في ظل تسخين إعلامي وصناعة "سرديات تاريخية" وذلك النوع من الحملات الدعائية المصاحبة للحروب، وفي الوقت الراهن، يقول مؤسس شركة فاجنر لوسائل الإعلام المحلية في روسيا إن مقاتليه على بعد 1.2 كيلومتر فقط من مركز البلدة، بينما يقول الجانب الأوكراني إن قواته تستبسل في الدفاع عن البلدة، لكن الاستخبارات البريطانية ألمحت على استحياء بأن البلدة قاب قوسين أو أدنى من السقوط، وهذا يعكس مدى ونطاق شراسة الحرب الدائرة حاليا بين القوات الروسية والأوكرانية في شرق وجنوب أوكرانيا عموما، وحول هذه البلدة على وجه الخصوص، لأن كل طرف منهما يرغب في تعميم سرديته عن المدينة الباسلة.

الصباغ: باخموت تشبه الآن مدن الرعب في أفلام الخيال العلمي

وأكد الصباغ أن بلدة باخموت حاليا، مدمرة بشكل كامل، ومع بداية العام، اعتمدت القوات الروسية مبدأ الأرض المحروقة ردا منها على تفجير جسر القرم في العام الماضي، وعلى هجوم القوات الأوكرانية على مقاطعة بريانسك الروسية، وضرب كراسنودار في جنوب روسيا بالطائرات المسيرة، وفي كل مرة ترد روسيا بقصف مكثف وواسع النطاق للبنى التحتية ومنشآت الطاقة ومجمع الصناعات العسكرية في أوكرانيا، ولم تفلت بلدة باخموت من مصير الأرض المحروقة، فهي الآن تشبه مدن الرعب في أفلام الخيال العلمي، ومع ذلك، فسيطرة روسيا على البلدة، أو مواصلة القوات الأوكرانية في الدفاع عنها، هما جزء من الحرب الواسعة في جنوب وشرق أوكرانيا، ولا يمكن اعتبارهما معركة منفصلة أو سببا في معارك استراتيجية. 

وأوضح أن روسيا في واقع الأمر، تتحرك بحذر وبطء في اتجاه السيطرة الكاملة على المناطق الأربع التي ضمتها إلى قوامها دونيتسك ولوجانسك وخيرسون وزابوروجيه، وهذا سيحتاج لوقت طويل، بسبب صعوبة الحركة في تلك المناطق التي تتواجد بها كتل سكانية، وغابات، ومنشآت صناعية ونووية، وحتى إذا سيطرت روسيا على تلك المناطق الأربع من أجل التلاعب بمواثيق الأمم المتحدة وبقوانين الحروب والعدوان على الأراضي، فإنها لن تتمكن من السيطرة على منطقة دونباس بالكامل، ولا على جنوب وشرق أوكرانيا بالكامل، لأن ذلك يحتاج إلى عدة سنوات، لاعتبارات عسكرية وأمنية، وإلا سيحدث ما توقعه الجميع من استنزاف سريع وواسع النطاق للقوات الروسية ويمكن أن يتكرر سيناريو أفغانستان مع الاحتلال السوفيتي في ثمانينيات القرن العشرين.

ولفت الصباغ إلى أنه في الوقت الراهن، نجحت روسيا في تحويل بحر آزوف إلى بحيرة روسية حصرية، حيث استولت على جميع الأراضي الأوكرانية المحيطة به، وهناك أصوات في مفاصل السلطة الروسية تدعو إلى سرعة الاستيلاء على أوديسا للسيطرة الكاملة على البحر الأسود وإغلاق جميع المنافذ البحرية أمام كييف وحرمانها من الشواطئ والمسارات البحرية، ولكن احتلال أوديسا المدينة والميناء سيكلف روسيا ثمنا باهظا وسيعرض قواتها إلى عمليات استنزاف واسعة، إضافة إلى التداعيات السياسية والجيوسياسية لمثل هذه الخطوة مع حلف الناتو عموما، ومع تركيا على وجه الخصوص، وبالتالي، فموسكو تعمل الآن بهدوء، وتستخدم صواريخ أسرع من الصوت، وتقصف من بعيد، وكأنها هي التي تقوم بعمليات استنزاف للقوات الأوكرانية، على الأقل هذا ما يبدو من البيانات والمعلومات التي تبثها وزارة الدفاع الروسية ووسائل الإعلام الحكومية في روسيا، وهذا السيناريو يعمل على إطالة أمد الحرب، ويرد على تزويد الغرب كييف بالأسلحة، ويمنح موسكو إمكانية للمناورة وإجبار الغرب على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، ولكن من المبكر أن يتحقق كل ذلك.

واختتم الصباغ تصريحاته قائلا: “في كل الأحوال، الحرب مستمرة وستستمر لعدة سنوات مقبلة وروسيا والغرب وأوكرانيا أعدوا أنفسهم جيدا لذلك، وحتى إذا توقفت أو هدأت وتيرة العمليات العسكرية، فإن المواجهة بشكلها الساخن سوف تستمر، والعقوبات سوف تستمر، وربما تتوسع أيضا، بل ومن المتوقع أن تظهر بعض العوامل والمتغيرات الجديدة بخصوص احتمال انجرار الصين أو إيران إلى الصراع في ظل تحولات المشهدين العالمي والإقليمي، ومع المخاوف من إمكانية أن تستخدم روسيا أسلحة دمار شامل أو تقوم بخطوات مفاجئة ضد دول من حلف الناتو، أو وضع أسلحة هجومية استراتيجية أو نووية في كاليننجراد أو في المناطق الأوكرانية التي استولت عليها في جنوب وشرق البلاد، في هذا المشهد الكبير، لا تملك بلدة باخموت إلا أن تكون معبرا صغيرا في منطقة دونيتسك بجنوب شرق أوكرانيا، وليس أكثر من ذلك”.