رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شادى وليلى.. وفيروز

من المشكلات الأزلية التي ظلت تعيب مناخ الإنتاج السينمائي في مصر سيادة ما يسمى بسلوك القطيع، بمعنى أن نجاح فيلم كوميدي على سبيل المثال يعني أن تصبح فورا كل الأفلام كوميدية لعدة مواسم وربما لعدة سنوات، وهو ما يمثل ظلما للجمهور والسينما، حيث يظل إنتاجها حبيسا لنوعيات محدودة بالرغم من وجود عدد كبير من الكوادر الفنية القادرة على صناعة نوعيات مختلفة من الأفلام بجودة ممتازة، وأيضا ترحيب الجمهور لنوعيات أخرى طالما تمت صناعتها بشكل جيد، وهو ما بدأ فعليا في السنوات الأخيرة، حيث خرجت لنا أفلام مثل "كيرة والجن، الممر، موسى، ٢٠٠ جنيه، المحكمة"، وبالتالي أصبح لدينا نماذج للفيلم التاريخي والحربي والاجتماعي والخيال العلمي، تلك النوعيات التي طالما ظلت شحيحة جدا على مدار تاريخ السينما المصرية بسبب خوف المنتجين من عدم إقبال الجمهور على مشاهدتها وبالتالي عدم تغطيتها تكاليف إنتاجها، لذلك ظل إنتاج أي نوعية مختلفة عن الأفلام السائدة مغامرة محفوفة بالمخاطر لم يتخطاها في السابق سوى قلة من المنتجين الكبار، أمثال آسيا داغر ورمسيس نجيب وماجدة الصباحي.

نوعية أخرى افتقدتها السينما المصرية مؤخرا، هي الأفلام الرومانسية، بالرغم من اكتساحها دور العرض فترات متعددة، الآن يعد إنتاج فيلم رومانسي مغامرة حقيقية وسط سيطرة الأكشن والكوميديا على غالبية الإنتاج المصري، وهو ما يدعونا مبدئيا للإشادة بصُناع فيلم "أنا لحبيبي"، تأليف محمود زهران، بطولة كريم فهمي، ياسمين رئيس، أحمد حاتم، محمد الشرنوبي، سوسن بدر، محسن محيى الدين، ومن إخراج هادي الباجوري، وتدور أحداث الفيلم حول الروائي الشاب شادي "كريم فهمي" الذي يلتقي صدفة مع الفتاة الثرية ليلى "ياسمين رئيس" في رحلة قطار لتنشأ بينهما قصة حب ويخططان للزواج، إلا أن والدة ليلى "سوسن بدر" ترفض هذا الزواج بشكل قاطع وتلجأ لعدة تصرفات قاسية لتحقيق ذلك، إلا أنها ترضخ في النهاية لرغبة ليلى بعد محاولة انتحارها. يعيش الزوجان حياة سعيدة حتى يدب خلاف شديد بينهما، يختفي شادي الذي تستجديه ليلى مرارا للعودة إليها، لنكتشف في النهاية أنه متوفى بالفعل في حادث سير تصر ليلى غير معترفة بوقوعه، لتظل في انتظار عودة شادي واعتباره لا يزال على قيد الحياة بالرغم من حضورها مراسم جنازته.

ربما تبدو الحدوتة مكررة، لكن الأهم في الدراما هو كيف تحكي قصتك، وهو ما يسمى بالتفاصيل أو المعالجة، قدم الفيلم بطلي الفيلم بشكل صادق وبسيط، كما أضاف هامشا من التعاطف معهما بسبب محاولات والدة ليلى القاسية والمستميتة للتفريق بينهما. بطل أساسي لعب في هذا الفيلم دورا كبيرا في صياغته بصريا بشكل جديد، هو المكان، حيث برع هادي الباجوري في اختيار أماكن تصوير رائعة لم تظهر معظمها من قبل على الشاشة، سواء في أسوان أو نويبع، وهو ما شكل دون شك عبئا إضافيا على إنتاج مثل هذا الفيلم لصعوبة وكذلك ارتفاع تكلفة التصوير في تلك الأماكن.

نجح ترتيب المشاهد في صدمة المتفرج بوفاة شادي، حيث بدأ الفيلم بخلاف البطلين وانتظار ليلى لشادي طوال أحداث الفيلم مستمرة في مراسلته واستجدائه للعودة إليها ومشاركته تفاصيل حياتها، لنفاجأ في النهاية بأنه متوفى طوال هذا الوقت، إلا أن ليلى ترفض تصديق ذلك، وهو ما شكل عمقا جيدا ومؤثرا للحدوتة. بدا مؤلف الفيلم محمود زهران شديد التأثر بالمطربة فيروز، وهو ما ظهر من خلال تقسيم الفيلم لعدة فصول تحمل جميعها أسماء لأغاني فيروز، من بينها اسم الفيلم نفسه، حيث لم تَغِب تلك الأغاني عن أذن المتفرج أغلب أحداث الفيلم، كما حاول هادي الباجوري محاكاة الملامح الكلاسيكية للفيلم الرومانسي من خلال عدة مشاهد، مثل مشهد رقص البطل والبطلة تحت المطر. 

قدمت ياسمين رئيس دورها بعذوبة ونجحت في تجسيد شعورها بالحب والفقد والانتظار، كما أدى كريم فهمي دوره بسلاسة في حدود المطلوب، كذلك سوسن بدر ومحمد الشرنوبي ومحسن محيى الدين.. في النهاية قدم الجميع فيلما رومانسيا خفيفا، وهو ما نفتقده منذ فترة، اجتهد صُناعه لصياغة حالة عذبة قوامها قصة حب يحيطها سحر الطبيعة المصرية وصوت فيروز.