رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الليالى العامرة.. حكايات من دار الأوبرا المصرية «1-3»

استمتعت الأسبوع الماضى بحضور عرض باليه «الجمال النائم» لفرقة باليه موسكو بمشاركة نجوم مسرحى البولشوى والمارينسكى على المسرح الكبير لدار الأوبرا المصرية.

و«الجمال النائم» أو Sleeping Beauty أو La Belle au bois dormant، هو أحد كلاسيكيات الباليه فى العالم، وضع الموسيقى له الموسيقار بيتر إليتش تشايكوفسكى عام ١٨٨٩ وهو ثانى عمل موسيقى لتشايكوفسكى بعد باليه «بحيرة البجع» ١٨٧٦ وقدم من بعده باليه «كسارة البندق ١٨٩٢».

وتم تقديم العرض الأول للباليه على مسرح مارينسكى فى سانت بطرسبرج عام ١٨٩٠، وقد أدت كارلوتا بريانزا دور الأميرة أورورا فى العرض الأول، فى حين أدت الدور نفسه فى العرض الأخير «داريا يوكوفا» الصوليست بفرقة باليه مسرح بولشوى.

صمم الرقصات الأصلية لـ«الجمال النائم»: ماريوس بتيبا ووضع السيناريو الأصلى لباليه الجمال النائم «إيفان فسكولوئسكى»، والذى يعتمد على واحدة من أشهر قصص الجنيات للفرنسى «تشارل بيرو»، وقد نشرها عام ١٦٩٧ فى مجموعة «حكايات من الماضى». 

وقد تكون قصة «الجمال النائم» أكثر قصص الجنيات بعدًا عن الواقع، وأكثرها خيالًا، فرغم أن فكرة اللعنة موجودة فى معظم الحكايات التراثية، وأن الحب فى معظم الأحيان يكون الوسيلة لفك اللعنة وإزاحتها، إلا أن الجمال النائم لا يتحقق سحره إلا بعامل شرطى، يمثل قمة الرفاهية والحماية بالنسبة للأميرة النائمة، وهى إيقاف الزمن وهو ما يحدث عندما تسقط الأميرة نائمة بعد أن وخزت أصبعها بالمغزل، كما تنبأت الساحرة الشريرة، لكن الساحرة الراعية للأميرة تجعل كل من بالقصر وكل من يحيطون بالأميرة يسقطون فى النوم فيتم تجميد الزمن عند اللحظة التى تغيب فيها الأميرة عن الوعى وتنام، فلولا ذلك لتحولت القصة إلى تراجيديا عظمى، حيث تستيقظ الأميرة فى زمن ووقت غير الذى نامت فيه، وبفعل تقدم السنين ستجد كل من حولها هرم وتغير، الأشخاص والمبانى والأفكار، وأساليب الحياة وستعيش حالة من الاغتراب فى زمن لن يكون زمنها، وبالتالى ستكون قُبلة الأمير التى ستكون سببًا فى إيقاظها الجسدى هى السبب فى اغترابها الروحى والنفسى. 

وفى الواقع لا يمتلك أحدنا رفاهية الغفوة أو الغفلة، فكل اختيار خاطئ هو فخ أو متاهة نخرج منها منسحقين، ليست لدينا حوريات حاميات والزمن يدور حولنا بسرعات متزايدة ومطردة، وما لم تعشه أو تنجزه عليك أن تتعايش مع حقيقة تسربه من بين أصابعك.

الشعوب والأمم أيضًا لا تمتلك رفاهية الجمال النائم، فغفوتنا لن تخص أحدًا سوانا، وكل الدعوات والصلوات والطيبات لن تستطيع أن توقف تقدم العالم وتطوره بينما نحن متسربلون بغفوتنا، وعندما نستيقظ سنكتشف أن الأرانب والسلاحف وكل الأحياء تواصل طريقها فى سباق الحياة فتفكر وتبتكر وتخترع، ونحن سنكون هذه الفتاة الغافلة التى لم تختبر حقائق الحياة، وستظل فى غفلتها التى لن تتمنى أى فتاة أو أمة عاقلة أن تكون فى محلها. 

وسيفقد اسم «الجمال النائم» سحره فى العصر الحديث مع اكتشاف الأطباء متلازمة «الجمال النائم» والتى هى اضطراب عصبى، يعانى المصاب بها من نوبات متكررة من النوم المفرط، وتبدأ نوبات النوم بشكل تدريجى، إلى أن يصل الأمر بالمصاب أن يمضى معظم ساعات النهار والليل نائمًا، ولا يستيقظ سوى للأكل أو الذهاب إلى الحمام.

تستمر هذه النوبات أيامًا وأسابيع وشهورًا، حيث تتوقف جميع الأنشطة اليومية، ولا يزال العامل الرئيسى وراء الإصابة بها، لكن الأكيد أنها ترتبط بتعرض المنطقة المسئولة فى المخ عن التحكم فى عمليات، النوم والشهية ودرجة حرارة الجسم، لضرر ما يكون نتيجة فيروس أو غيره. 

ورغم سيطرة هذه الفكرة على ذهنى وخوفى من حالة النوم أو الغفوة التى تفتقد الجمال فى الواقع، إلا أن ذلك لم يمنعنى من الاستمتاع بموسيقى تشايكوفسكى الخالدة والمعبرة عن كافة المشاعر من رقة وحب وقوة وغضب وحسد والأداء الراقى لراقصى فرقة باليه موسكو، وقد انتزعت بعض المشاهد الراقصة الضحك من جمهور الحضور مثل مشهد مطاردة القط المحب للقطة المشاكسة، التى أدت فيها الآلات الموسيقية أصوات القطط بنجاح باهر، كما اتسم العرض بجمال تصميمات الملابس وقدرتها على التعبير عن أنواع الحوريات المختلفة، وقد اتسم الديكور بالبساطة والتقشف، لكن عوضته فخامة الأداء من السوليست الرئيسى: أليكسندر فوكلوف فى دور الأمير، ورهافة ورقة داريا بوكوفا فى دور الأميرة أورورا وإداليا نازموتدينوفا فى دور الجنية ليلاك.

وللحديث بقية..