رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عبث فى المدافن!

من المستقبحات أن يقتحم المقتحمون أشخاصًا لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم، عجزوا أو ماتوا، وكأن العجزة والأموات لا حرمة لهم، ومن ذلك اقتحام المدافن بجرأة كاملة، بل باطمئنان كامل لأمان الأجواء ومرور الآثام والمنكرات المنتواة بلا حساب ولا عقاب!
يقتحم المدافن مقتحمون كثيرون للاستيلاء على ما فيها من الأخشاب والحدائد وما إلى ذلك، لو كانت من النوع التاريخي القديم أو الحديث المكلف، ويقتحمونها لممارسة القمار وتعاطي المخدرات بعيدًا عن أعين رجال الأمن، وللتخطيط لجرائمهم من غير أن يكشف أسرارهم المظلمة أحد، وكثيرًا ما يصطحبون إلى هناك داعرات رخيصات لممارسة الزنا في الأحواش الخارجية للقبور أو بداخل القبور نفسها، بعد أن يكونوا هيأوها للأمر طبعًا، وقد يكونون مثليين فيمارسون المثلية هناك بغطاء مضمون!
نسمع ذلك مرارًا، ونقرؤه في أقسام الحوادث في الصحف بكثافة ملحوظة منذ فترات، ونعلمه علمًا تامًا لأننا أبناء هذا المجتمع الذي انتشرت فيه غرائب ليست من أصوله الكريمة الطيبة في شيء، ولا من حضارته التي قادت الدنيا قديمًا، وأبهرتها وما زالت مبهرة..
للمدافن حراسها طبعًا، لكنهم كبار في السن غالبًا وضعفاء، وليسوا بمسلحين ليقووا على مواجهة الشر المدعوم بالوحشية الإنسانية والوساوس الشيطانية، ولا يجب أن ننسى هنا أن صنفًا من هؤلاء الحراس متواطئون مع الخارجين على القانون أصلًا للأسف، وبالذات فيما يخص بيع الجثث طازجة لطلاب كليات الطب، وأمثالهم، بل ربما الراغبون من البشر عمومًا في شرائها!
الأجواء هناك مقبضة ومخيفة بطبيعتها، ظلام دامس في الليل وسكوت موحش في النهار، وكلاب وحيوانات ضالة طوال الوقت، وصبارات كأنها تنطق بالنهاية المحتومة، وأكداس من القمامة في معظم الأركان، تنتشر بسببها روائح تذكر العابرين بروائح الموتى أنفسهم، بعد أن انكشف ما انكشف، ونال الدود نصيبه كاملًا من الأجثاث، والخيال القاسي يعمل في تلك الأجواء طبعًا كأنشط ما يكون العمل؛ ولذا اختارها مخرجو الرعب في معظم أفلامهم..
المقتحمون ميتو القلوب أصلًا، وتحصيل الكسب أو اللذات هو حياتهم الحقيقية، وقد أرى نفسي هنا، بتحفظات كثيرة حتى تستوي الفكرة في الذهن على الأقل، أراها تطالب بشركات خاصة، محترفة وأمينة، تتولى رعاية المقابر في بلادنا، ولنبدأ بالقاهرة، تحفظي لأنني أتوقع المقابل الكبير الذي سوف تطلبه هذه الشركات، كما أنني لا أعرف طبيعتها، إلا صورة في الخيال، ولا كيفية إدارتها للمهمة الصعبة..
لدى الشرطة همومها خارج تلك الحدود، ولو في إمكانها لوافقت على المأمورية، ووضعتها ضمن مسئولياتها الكثيرة الضاغطة، ولكن تقصر أعداد الأفراد عن ذلك وتقصر الإمدادات المادية طبعًا، والحل، كما أشرت آنفًا، أن نسلم الملف لشركات خاصة بعد أن نكون قد أنشأناها أو وجدناها وفقهنا ضوابطها. قد يكون الباقي أن أقول إن منتهكي الموتى وضعاء كمنتهكي الأحياء، وأكثر!