رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

النرويج وإطلالة على «بيت الدمية» «٢-٣»

تختلف ثقافة النرويج، التى ستكون ضيف شرف معرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته القادمة ٢٠٢٤، عن ثقافتنا العربية مما يجعل هذه المشاركة القادمة فرصة كبيرة للتعرف على الثقافة النرويجية التى تنتمى إلى الثقافة الاسكندنافية، حيث الصقيع والوحدة والليل أو النهار الذى يستمر أكثر من عشرين ساعة حسب فصول السنة. 

فى النرويج يمكن أن ترى أبوين يتركان طفلهما فى عربته المخصصة له، عندما يذهبان إلى أحد المطاعم لتناول الطعام، ويترك الطفل فى العربة خارج المطعم تمامًا، وذلك على الرغم من كون النرويج معروفة بالطقس الأوروبى البارد طوال العام، ولكن فى الثقافة النرويجية فهذه ليست قساوة قلب منهم تجاه أطفالهم، ولكنهم معروف عنهم أنهم يُفضلون هذه الطريقة فى تربية الأطفال، فيعرضونهم إلى الهواء النقى، حيث يؤمنون بقدرتهم على تقوية مناعتهم ضد الأمراض.

كما أن ممارسة الأمومة أو الأبوة ليست حقًا مطلقًا، فالحكومة لها الحق فى حل كل المسائل المتعلقة بتربية الأطفال مع عدم الأخذ بالاعتبار آراء الوالدين، حيث تمارس الدولة النرويجية رقابة دقيقة فى مجال الأسرة وتربية الأطفال. ويعنى هذا أن الدولة هى التى ستتحمل المسئولية عن مصير جميع الأطفال الذين ولدوا فى النرويج أو قدموا إليها للإقامة أو العيش. وإذا كانت الهيئات الاجتماعية غير راضية عن نوعية حياة الطفل فى دائرة الأسرة لسبب ما، فإن الوالدين سينزع منهما حق رعاية طفلهما على أن تحلّ مسألة تبنيه لاحقًا، بغض الطرف عن رأى والديه.

ويقول المسئولون فى النرويج: إنه وبالرغم من أن النشأة فى الأسرة هى الأفضل بالنسبة لكل إنسان، إلا أن الهدف الأساسى هو المساهمة فى تنمية الطفل وإزالة أى عقبات فى هذا السبيل.

يذكر أن عدد سكان النرويج لا يتعدى ٥ ملايين نسمة، ويتحدثون اللغة النرويجية التى قدمت للأدب العالمى ثلاثة من أعلام الأدب الحاصلين على جائزة نوبل للآداب وهم الكاتب والشاعر: 

بيورنستيارنه بيورنسون، المولود فى ٨ ديسمبر من العام ١٨٣٢، يعد النرويجى الأول الحائز على نوبل ١٩٠٣، والثالث فى تاريخ الجائزة.

قدم بيورنسون فى بداياته الأدبية العديد من الأعمال الشعرية، جُمع أغلبها فى ديوان «قصائد وأغانٍ» الذى يحوى بين دفتيه قصيدة «نعم نحب هذه الأرض إلى الأبد» والتى شكلت كلماتها النشيد الوطنى النرويجى: 

نعم، نحن نحب هذا البلد

كما ترتفع

وعرة صامدة فوق البحر

مع آلاف البيوت

أحبها، أحبها وفكر

فى أبينا وأمنا

وقصص الملاحم الليلية

النرويجى فى البيت والكوخ

اشكر ربك العظيم

أن حفظ هذه البلاد

رغم أن الأشياء كانت تبدو مظلمة

كل الآباء قاتلوا

والأمهات بكين

الرب بهدوء تحرك

لذا فزنا بحقوقنا

نعم نحن نحب هذا البلد

كما ترتفع

وعرة، صامدة، فوق سطح البحر،

مع آلاف البيوت

وكما الآباء قاتلوا لينقذوها

من الحاجة إلى النصر

ونحن أيضًا إذا نادتنا

سوف ننزل وندافع عن سلامها.

وقد تمت كتابته للاحتفال بالذكرى الخمسين للدستور النرويجى فى ١٧ مايو ١٨٦٤م.

تنوعت أعماله بين المسرحيات، والقصص الطويلة والرواية، فكتب مسرحيتى «المحرر»، والتى عرض فيها مشكلات مهنة الصحافة، و«المفلس» التى هاجم فيها الخداع فى التعامل التجارى، فأكسبتاه سمعة عالمية، وصار بفضلهما مؤثرًا فى الأدب الأوروبى، كما كتب مجموعة من القصص الطويلة منها «الولد السعيد» التى عدّها الدارسون أبرز الكتابات الإبداعية الرومانسية الوطنية النرويجية.

وفى عام ١٨٨٤ نشر روايته المهمة «طريق الله» التى تجسد نظريته حول التعليم والوراثة، وفى عام ١٨٨٩ نشر رواية «الأعلام المتطايرة فى المدينة والميناء»، والتى لاقت رواجًا كبيرًا، ووزعت الكثير من الطبعات والنسخ.

الكاتب الثانى هو الروائى: كنوت همسون «١٨٥٩- ١٩٥٢»، حاز جائزة نوبل للأدب لعام ١٩٢٠، وقد اهتم بالكتابة عن الريف النرويجى وتصوير حياة المنبوذين، وقد كتب رواياته الكبرى، ومن بينها «الجوع» و«بان» و«أبناء الزمن» و«نمو الروح» (التى أعطته جائزة نوبل للأدب فى العام ١٩٢٠) بعدما تجاوز الخمسين من عمره، وطوال فترة تزيد على ثلاثين عامًا. ومات متجاوزًا التسعين من عمره مريضًا أصم وغير قادر على الحركة.

الكاتبة الثالثة هى الروائية: سيجريد أوندست، التى يتنوع إنتاجها ويمتد من الروايات المعاصرة إلى الروايات الملحمية والقصص القصيرة والمقالات وحكايات السفر، وتعد ثلاثية «كريستين لافرانسداتر» هى قمة عطائها، وهى التى كانت السبب فى منحها جائزة نوبل للآداب فى عام «١٩٢٨».

ويلاحظ أن العمل بالسياسة، أو اتخاذ مواقف سياسية معينة مع أو ضد حكومة النرويج، كان قاسمًا مشتركًا بين الأدباء الثلاثة، وكانت ألمانيا وعلاقتها بالنرويج والاتحاد مع بقية الدول الاسكندنافية فى الغالب هى محور هذا النشاط. وقد أدى ذلك إلى اتهام اثنين منهما بالخيانة ومغادرة ثالثتهما البلاد فرارًا من النظام الألمانى أثناء الحرب العالمية الثانية. 

بيورنستيارنه بيورنسون كان متحدثًا للحركة اليسارية النرويجية، وانضم إلى النضالات والمساجلات السياسية فى الستينيات والسبعينيات من القرن التاسع عشر، وبسبب آرائه السياسية، وجهت إليه الكثير من التهم، ومنها الخيانة العظمى، وخلال اتهامه بها اضطر للفرار لألمانيا، وعاد بعد ذلك عام ١٨٨٢.

وكان لمسرحياته أثر بالغ فى تأسيس ما عرف بالواقعية الاشتراكية، وكان له الفضل فى حل النزاع السويدى النرويجى، وكذلك فى حل الاتحاد الذى كان قائمًا بين الدولتين بشكل سلمى.

كما يؤخذ على «كنوت همسون» موقفه الملتبس، بل المؤيد فى نظر البعض، إزاء النازية، حيث كان يفضّل وجود حكومة قوية تتحكم فى المجتمع، وقد أيّد احتلال الألمان أثناء الحرب العالمية الثانية للنرويج، وقد تم الحكم عليه بغرامة فيما بعد لمناصرته الألمان، إلا أن رواياته القوية فاقت كثيرًا حدود آرائه السياسية.

وفرّت سيجريد أوندست سنة ١٩٤٠ من النرويج إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بسبب وصول النازية إلى بلادها ولكنها عادت بعد الحرب العالمية الثانية.

ويلاحظ أيضًا أن النرويج لم تحصل على نوبل منذ حوالى مائة عام.

وللحديث بقية..