رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

النرويج وإطلالة على «بيت الدمية» «١-٣»

أحسنت إدارة معرض القاهرة الدولى الكتاب صنعًا باختيارها النرويج لتكون ضيف شرف معرض الكتاب فى دورته المقبلة الـ٥٥، فهذا الاختيار سيساعد على تسليط الضوء على الثقافة النرويجية، التى تبدو بعيدة وغائمة فى أذهان الكثيرين، وقد تصادف أن شاهدت مطلع هذا العام فيلمين على منصة نتفليكس من إنتاج النرويج وهما «Narvik» وهو فيلم نرويجى تدور أحداثه أثناء الحرب العالمية الثانية، عندما يقع الصراع بين ألمانيا وبريطانيا على الأراضى النرويجية لضمان استمرار إمدادات خام الحديد النرويجى، فتقوم القوات الألمانية بغزو النرويج عن طريق ميناء «نارفيك» المنفذ الرئيسى لتصدير الحديد وتحاول القوات البريطانية والفرنسية دعم المقاومين النرويج بعد استسلام الجيش النرويجى.. لم يظهر الفيلم ملامح أو روح الشعب النرويجى، لكنه أظهر ما تتمتع به النرويج من موارد طبيعية مهمة وافتقار النرويج لجيش قوى، وكانت هزيمة هتلر فى نارفيك أول هزيمة يتلقاها هتلر فى الحرب العالمية الثانية. 

والفيلم الثانى هو فيلم Troll «غول الجبل» وتدور أحداثه حول حدوث انفجارات فى الجبال النرويجية بسبب أعمال البناء وظهور مارد يهاجم كل من يقابله ويقضى عليه، يحمل الفيلم مغزى فلسفيًا يشير إلى أن بعض الأساطير التى نعيش ونسمعها طوال الوقت قد يكون فى بعضها جزء من الحقيقة التى يحاول البعض إخفاءها. وقد نجح الفيلم فى إظهار قدرة الإنسان على تدمير الطبيعة وتحويلها إلى عدو يحطم الإنسان وكل منجزاته الحديثة، فى رسالة تحذيرية من خطورة استمرار الجور على الطبيعة، كما استطاع اكتساب تعاطفى مع الغول وفى نفس الوقت الخوف من سلوكه وقدرته التدميرية التى لا يمكن السيطرة عليهما. 

حصتى القليلة من مشاهدة الأفلام النرويجية تأتى من طبيعة السينما النرويجية التى ظلت سنوات طويلة حبيسة العروض المحلية، ولم تحظ بقدرة منافسة عالمية، سوى بعدد قليل من الأفلام لا يزيد على أصابع اليد الواحدة مثل فيلم: الموج The waveهو فيلم كوارث أنتج سنة ٢٠١٥. مثل المشاركة النرويجية الرسمية فى جائزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية فى حفل توزيع جوائز الأوسكار الثامن والثمانين ولكن لم يفز، على الرغم من أن تاريخ السينما فى النرويج يعود إلى عام ١٩٠٧، حيث أنتج أول فيلم محلى، وكان فيلمًا قصيرًا تدور أحداثه عن الصيادين تحت عنوان Fiskerlivets farer. وتم إصدار أول فيلم مطول عام ١٩١١ من إنتاج هالفمان نوبل. وبالبحث عن مزيد من الأفلام النرويجية التى يمكننى مشاهدتها، لم يبد الموضوع سهلًا.

يبدو الأدب النرويجى أقرب وأيسر فى الوصول إليه، على الرغم من أن اللغة النرويجية من اللغات التى لا تحظى بانتشار عالمى، فهى لغة جرمانية شمالية، يبلغ عدد الناطقين بها حوالى ٥ ملايين نسمة، يتركزون فى النرويج وبعض الأقليات فى أمريكا وكندا، وتتقارب هذه اللغة مع اللغتين السويدية والدنماركية، حيث تنتمى إلى عائلة اللغات الإسكندنافية. 

وقد حقق الأدب النرويجى حضورًا عالميًا كبيرًا مع شهرة الكاتب هنريك إبسن «١٨٢٨- ١٩٠٦» أحد أهم كتاب المسرح على مر التاريخ، فهو صاحب المسرحيات الواقعية الرائدة مثل «البطة البرية وبيت الدمية»، وكثير منها أثار ضجة أخلاقية بسبب تجسيدها الصريح للطبقة المتوسطة. كما يعرف إبسن بـ«أبو المسرح الحديث». 

وقد أقامت وزارة الثقافة المصرية عام ٢٠٠٦ بالمجلس الأعلى للثقافة احتفالية كبيرة بمئوية هنريك إبسن، حملت عنوان «إبسن بين الشرق والغرب» وحضرت افتتاحها ملكة النرويج. شاركت فى الاحتفالية نخبة من الباحثين المصريين والأجانب، ودارت محاور الاحتفالية حول رحلة إبسن المصرية وخطاب الاستشراق، وإبسن فى الثقافة العربية، وإبسن ونقد خطاب الاستشراق، وهل كتب إبسن مسرحيات سياسية؟ وإبسن بعد مائة عام وأدب الرحلة فى مسرح هنريك إبسن ومن النص الأدبى إلى النص السينمائى وإبسن بين المسرحية والفيلم.

فلم تكن أعمال إبسن غريبة عن القارئ أو المشاهد المصرى، وقد تأثر الكثير من المثقفين المصريين بإبسن ومنهم المفكر المصرى سلامة موسى الذى خصص فصلًا كاملًا فى كتابه «هؤلاء علمونى» للمسرحى الكبير هنرى إبسن وخاصة مسرحيته الخالدة «بيت الدمية».

وللحديث بقية..