رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بُوصة «بومبيو».. ومذكراته!

البوصة وحدة قياس للطول فى نظام الوحدات الإنجليزية، المعمول به فى الولايات المتحدة، وتساوى ٢.٥٤ سنتيمتر، وهى أيضًا نبات له ساق مجوّفة وأوراق عريضة، مثل الغاب، افترض المثل المصرى القديم أنك لو ألبستها ستتحول إلى عروسة. وتحت عنوان «لا تتنازل عن بوصة.. القتال من أجل أمريكا التى أحب»، صدرت، منذ أيام، مذكرات مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكى السابق، التى ألبس فيها «البوصة» ثيابًا مزركشة، مرّة، ونزع عنها أوراقها العريضة مرّات!

فى ٤٣٨ صفحة مقسمة إلى ١٧ فصلًا، تناول بومبيو السياسة الخارجية الأمريكية قبل وخلال عهد دونالد ترامب، وانتقد تعامل باراك أوباما ونائبه جو بايدن مع ما يوصف بـ«الربيع العربى»، ثم استعرض ملابسات انتقاله من الكونجرس إلى المخابرات المركزية، «سى آى إيه»، وما رافق ذلك من «مطبات» سياسية، داخلية وخارجية، وصولًا إلى قرار تعيينه وزيرًا للخارجية بعد إقالة سلفه ريكس تيلرسون. 

صفحات كثيرة من الكتاب خصصها بومبيو للهجوم على الرئيسين الروسى والصينى، فلاديمير بوتين وشى جين بينج، وقال إن «التدخلات الأمريكية فى العراق وليبيا وسوريا ضاعفت البارانويا عند بوتين»، مؤكدًا أنه «يتقاسم مع شى جين بينج هدف إضعاف الولايات المتحدة والتحالف الغربى». والطريف أنه أشاد بالهند، ورأى ضرورة أن تتحالف الولايات المتحدة معها لـ«مواجهة عدوانية الصين»، بعد أن زعم أنها كادت، لولا تدخله، أن تتسبب فى حرب نووية مع باكستان، حين شنت فى فبراير ٢٠١٩، ضربات جوية على جارتها، ردًا على تفجير انتحارى استهدف قوات رديفة للجيش الهندى بمنطقة كشمير المتنازع عليها!

المولود فى ٣٠ ديسمبر ١٩٦٣، تخرج فى كلية وست بوينت العسكرية، وخدم فى الجيش الأمريكى بين ١٩٨٦ و١٩٩١، ثم درس القانون فى جامعة هارفارد، وعمل محاميًا بشركة وليامز وكونولى، إحدى أشهر شركات المحاماة فى واشنطن، ثم أسس شركة لقطع غيار الطائرات وأخرى للإمدادات النفطية، وسنة ٢٠١٠ خاض انتخابات مجلس النواب عن المقاطعة الرابعة بولاية كانساس، وفاز على منافسه الديمقراطى راج جويل بنسبة ٥٩٪، وأعيد انتخابه فى ٢٠١٢ و٢٠١٤ و٢٠١٦، وخلال عضويته بالمجلس كان عضوًا فى لجنة المخابرات.

خلال عضويته بمجلس النواب، عارض بومبيو بشراسة الاتفاق النووى مع إيران، الذى أبرمته إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، وفى مذكراته أقر بأن وكالة المخابرات المركزية ساعدت عملاء الموساد الإسرائيلى على الفرار من إيران، فى فبراير ٢٠١٨، بعد قيامهم بسرقة أرشيف إيران النووى السرى من قلب طهران، كما أكد أنه هو الذى اقترح تصفية قاسم سليمانى، القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثورى الإيرانى.

جرى تعيين بومبيو مديرًا لوكالة المخابرات المركزية فى ٢٤ يناير ٢٠١٧، وفى ١٠ فبراير التالى، زار المملكة العربية السعودية ومنح الأمير محمد بن نايف، ولى العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية، آنذاك، ميدالية «جورج تينيت» تقديرًا من الوكالة لـ«لعمله المخابراتى المتميز فى مكافحة وإسهاماته غير المحدودة فى تحقيق الأمن والسلم الدوليين». وكتب فى مذكراته أن «العلاقة الأمنية بين الولايات المتحدة والسعودية مهمة للغاية»، وأشار إلى أن علاقته بالمملكة كانت تغيظ وسائل الإعلام الأمريكية.

فى هذا السياق، تفاخر وزير الخارجية الأمريكى السابق بأنه «أعطى إصبعه الأوسط» لجريدتى «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز» وغيرهما من «أولئك الذين يبللون فراشهم». وفى المقابل، وصف تيم وينر، الحاصل على جائزة بوليتزر، كتاب بومبيو، فى مقال نشرته «واشنطن بوست»، بأنه «شرير، ذو قدرة استثنائية على تسميم السياسة الأمريكية، ويحتوى على سم أكثر مما فى جعبة أفعى الكوبرا»!

.. وتبقى الإشارة إلى أن بومبيو، الذى فقد حوالى ٤١ كيلوجرامًا من وزنه، خلال العام الماضى، يعتزم خوض انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة، المقرر إجراؤها فى ٢٠٢٤، ومع أنه قال لشبكة «فوكس نيوز» فى سبتمبر الماضى «لا يمكننى الإجابة بعد عما إذا كنت سأترشح أم لا»، لكنه أقرّ بأنه يقوم بكل الأشياء التى يمكن أن يفعلها المرء، ليكون مستعدًا للترشح، مؤكدًا أن ترشح ترامب من عدمه لن يؤثر فى قراره!