رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الطويل قارئًا وأبوعمر خطيبًا.. التليفزيون ينقل شعائر الجمعة من المنيل

د. أيمن أبوعمر
د. أيمن أبوعمر

ينقل التليفزيون والإذاعة المصرية شعائر صلاة الجمعة، من رحاب مسجد صلاح الدين بحي المنيل بمحافظة القاهرة، ويتلو قرآن الجمعة القارئ الشيخ قطب أحمد الطويل، ويؤدي الخطبة الدكتور أيمن أبوعمر، وكيل الوزارة لشئون الدعوة بعنوان: "الدِّين يُسر.. التيسير في العبادات والسماحة في المعاملات".

جاء نص الخطبة كالآتي، الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه الكريم: {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}، وأَشهدُ أنْ لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأََشهدُ أنَّ سيدَنا ونبيَّنا مُحَمَّدًا عَبدُه ورسوله، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَيهِ، وعلَى آلِهِ وصحبِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ، وبعد.
فإنَّ مظاهرَ العظمةِ في دينِنا الحنيف أكثرُ من أن تُحصَى أو تُعَد، وإن مِن أعظم ما تميَّز به الدين الإسلامي اليُسر والسماحة، فدينُنا عدلٌ كله، رحمةٌ كله، تيسيرٌ كله، سماحةٌ كله، إنسانيةٌ كله، وكلُّ ما يحقق هذه الغايات الكبرى فهو من صميم الإسلام، وما يصطدم بها أو يتصادم معها إنما يتعارض مع الإسلام وغاياته ومقاصده، حيث يقول الحق سبحانه: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}، ويقول سبحانه: {لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا}، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلجَةِ)، ويقول (صلى الله عليه وسلم): (إنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ أيسَرُهُ)، ويقول (صلى الله عليه وسلم): (إنَّ اللهَ رضِيَ لهذه الأمةِ اليُسرَ، وكرِه لهم العُسرَ)، ويقول (صلى الله عليه وسلم): (إنِّي بُعثتُ بالحنيفيَّةِ السَّمحَةِ).

- الرسول كان نعم القدوة لأمته


والمتدبر في حياة نبينا (صلى الله عليه وسلم) يدرك يقينًا أنه (صلى الله عليه وسلم) كان نعم القدوة لأمته وللإنسانية جمعاء في السماحة والتَّيسير، حيث يقول الحق سبحانه على لسان نبينا (صلى الله عليه وسلم): {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ}، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ اللَّهَ لم يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا، ولا مُتَعَنِّتًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا)، وتقول السيدة عائشة (رضي الله عنها): (مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثمًا، فَإِنْ كَانَ إِثمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ)، ويقول (صلى الله عليه وسلم): (إِنِّي لأَدْخُلُ فِي الصَّلاَةِ وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي؛ مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِه). 

والسماحةُ والتيسيرُ في ديننا الحنيف نَمَطٌ سائدٌ شاملٌ، ففي شأن الصلاة يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (يا أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّ مِنكُم مُنَفِّرِينَ، فمَن أَمَّ النَّاسَ فَلْيَتَجَوَّزْ، فإنَّ خَلْفَهُ الضَّعِيفَ والكَبِيرَ وذَا الحَاجَةِ)، ووجَّه نبيُّنا (صلى الله عليه وسلم) عمرانَ بن حصين (رضي الله عنه) عندما كان مريضًا، فقال له (صَلِّ قَائِمًا، فإنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فإنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ)، ومن التيسير في العبادات رخصة جواز الإفطار في السفر، ومن اليسر والسماحة في الحج إعانة الضعفاء في الرمي، والتوسع في وقته، وجواز الإنابة في الرمي لغير القادرين، فما يسَّر نبينا (صلى الله عليه وسلم) في شيء أكثر من تيسيره على حجاج بيت الله عز وجل في قولته المشهورة: (افْعَلْ وَلا حَرَج).
 

- الشريعة الإسلامية قد اتسمت باليُسر والسماحة في جانب المعاملات


 وتابع،  الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، لا شك أن الشريعة الإسلامية قد اتسمت باليُسر والسماحة في جانب المعاملات أيضًا، فرفعت المشقة والحرج بين الناس في البيع والشراء، والاقتضاء، حيث يقول الحق سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ولا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}، ويقول سبحانه: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى).
والسماحة في البيع تتطلب ألا يكون البائع مغاليًا في ربحه، أو محتكرًا لسلعته، أو مطففًا وزنَه، أو مستغلًّا أزماتِ الناس، كما تقتضي أن يكون المشتري سهلًا سمحًا مع البائع، فلا يبخس الناس أشياءهم، والسماحة في الاقتضاء: تعني أنْ يطلبَ الرجلُ حقَّه، أو دَيْنَه بلين ويُسر ورفق وسماحة.
وقد أخبر نبينا (صلى الله عليه وسلم) أن اليُسْرَ والسماحةَ في المعاملات من أسباب النجاة يوم القيامة، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (حُوسِبَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ شَيْءٌ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يُخَالِطُ النَّاسَ، وَكَانَ مُوسِرًا، فَكَانَ يَأْمُرُ غِلْمَانَهُ أَنْ يَتَجَاوَزُوا عَنِ الْمُعْسِرِ، قَالَ: قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ، تَجَاوَزُوا عَنْهُ)، ويقول (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ أَظَلَّهُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ)، وهكذا السماحة في سائر المعاملات مع الناس جميعًا، بيعًا وشراءً، وقضاءً واقتضاءً، وتعايشًا وقبولًا للآخر.
فما أحوجنا إلى الوعي بعظمة الإسلام، فهو دين السماحة واليسر، لا التواء فيه، ولا تعقيد، ولا تقعُّر، لا لفظًا ولا مضمونًا، اللهم احفظ مصرنا، وارفع رايتها في العالمين.