رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وحيد حامد.. الفارس الذى سار فوق الألغام

الفارس وحيد حامد
الفارس وحيد حامد

حصل على أكبر جوائز الكتابة.. والدولة كرمته بـ«التفوق والتقديرية والنيل»

وصف نفسه بـ«الكاتب المبتدئ».. وقال: «لو شعرت فى لحظة بقيمتى لن أستطيع الكتابة»

نجح فى الجمع بين النجاح الجماهيرى والتقدير النقدى.. وأرجع ذلك إلى الحب والإخلاص

حصل على أكبر جوائز الكتابة.. كرمته الدولة بأرفع ٣ جوائز هى «التفوق» و«التقديرية» و«النيل».. أشاد يوسف إدريس ورجاء النقاش وجابر عصفور وغيرهم من كبار الكتاب بأعماله.. حصد عنها نجاحًا جماهيريًا كاسحًا، ثم نجده يقول: «ما زلت أعتبر نفسى كاتبًا مبتدئًا.. ولو شعرت فى لحظة بقيمتى كما يقدرها الآخرون ربما لن أستطيع الكتابة»... هكذا ظل يردد حتى رحيله.

المدهش فى أعمال وحيد حامد بالفعل هو قدرته الفذة على الجمع بين النجاح الجماهيرى والتقدير النقدى.. يقول عن مفتاح هذا اللغز: «كلمة السر فى الحب.. أنا أحب ما أعمل ومخلص له وهذا يكفينى». بهذه البساطة يلخص موهبة غير عادية أسفرت عن رصيد هائل من الأعمال التى حفرت لنفسها مكانًا خالدًا فى ذاكرة أجيال تلو أجيال.

أفلام مثل: «الإنسان يعيش مرة واحدة- الغول- الهلفوت- التخشيبة- آخر الرجال المحترمين- البرىء- ملف فى الآداب- الدنيا على جناح يمامة- الراقصة والسياسى- الإرهاب والكباب- المنسى- كشف المستور- طيور الظلام- اضحك الصورة تطلع حلوة- النوم فى العسل- معالى الوزير- عمارة يعقوبيان»، ومسلسلات منها: «أحلام الفتى الطائر- أوراق الورد- العائلة- أوان الورد- الجماعة ١، ٢».

أعمال متنوعة نعم.. لكن تجمعها خيوط مشتركة من بينها: طزاجة الموضوع، وبساطة الطرح، وتدفق الإيقاع، وبلاغة الحوار، وإحكام المعالجة.. حقيقة أكيدة تستطيع أن تغزلها من هذه الخيوط هى أننا أمام قمة الموهبة حينما يحركها منتهى الصدق.

ربما يفسر ذلك خلود تعبيرات أبطاله فى ذاكرة الناس: «ده إحنا صغيرين أوى يا سيد- البلد دى اللى يشوفها من فوق غير اللى يشوفها من تحت- هحلم- حاجات كتيرة هترخص».. لاحظ معى بساطة اللغة التى عبرت عن مضامين شديدة العمق، وتابوهات ملغمة لم يجرؤ غيره على اقتحامها.

موهبة خفية

موهبة جديدة سنكتشفها لدى وحيد حامد بمراجعة تترات أعماله، هى حسن اختيار مخرجيها، الذى ينم عن استيعابه تغييرات الزمن وذوق الناس. دليلى ببساطة هو تعامله مع عدد كبير من المخرجين الشباب مثل محمد ياسين فى أفلام: «الوعد- دم الغزال- محامى خلع» ومسلسل «الجماعة»، وتامر محسن فى فيلم «قط وفار» ومسلسل «بدون ذكر أسماء»، ومحمد على فى فيلم «الأولة فى الغرام»، ومروان حامد فى «عمارة يعقوبيان». وعن معاييره فى الاختيار كان يقول: «الموضوع هو الذى يحدد».

فى نفس الوقت كان هناك عدة مخرجين تعاون معهم لمرة واحدة، مثل يسرى نصر الله فى «احكى يا شهرزاد»، وخيرى بشارة فى «رغبة متوحشة»، ومحمد نبيه فى «أنا وأنت وساعات السفر»، وعاطف سالم فى «حد السيف»، وحسن الإمام فى «عسل الحب المر»، وسيمون صالح فى «الإنسان يعيش مرة واحدة»، ومحمد فاضل فى «أحلام الفتى الطائر»، عكس بعض المخرجين الذين كرر التعاون معهم مرات عديدة لاشتراك موضوعاتها فى عدة محاور.

عاطف الطيب

٥ أفلام كانت نتاج التعاون بين وحيد حامد «مؤلفًا»، وعاطف الطيب «مخرجًا» هى: «التخشيبة- البرىء- ملف فى الآداب- الدنيا على جناح يمامة- كشف المستور». هناك رابط مشترك سنلاحظه بين هذه الأفلام، هى اقتحامها تابوهات محرمة وموضوعات مسكوت عنها، وهو ما يفسر اشتباكها العنيف مع الرقابة، خاصة فيلم «البرىء»، الذى تعرض لفكرة قهر الإنسان وتسخيره ضد إرادته.

فيما يناقش «التخشيبة» كيف يمكن أن يحول القانون شخصًا بريئًا إلى مجرم، وسوء استخدام السلطة فى «ملف فى الآداب»، وفسادها فى «كشف المستور»، وبينما تتعرض «الدكتورة آمال (نبيلة عبيد)» فى «التخشيبة» لأزمة تودى بسمعتها وحياتها بسبب نص غامض فى القانون يحولها من طبيبة مرموقة إلى قاتلة، تواجه «مديحة (مديحة كامل)» فى «ملف فى الآداب» سوء استخدام القانون وما تسبب فيه من وصمة تلازم حياتها بسبب امتلاكها ملفًا فى الآداب.

تميزت الأفلام الخمسة أيضًا بإيقاعها اللاهث، ونجاحها فى كسب تعاطف المشاهد مع أبطالها، سواء «أحمد سبع الليل (أحمد زكى)» فى «البرىء»، أو «مديحة» فى «ملف فى الآداب»، أو «إيمان» فى «الدنيا على جناح يمامة»، أو «سلوى شاهين (نبيلة عبيد)» فى «كشف المستور»، التى تجد نفسها مطالبة بالعودة لعملها كبائعة للهوى لحساب جهة ما، قبل أن تصحبنا فى رحلة بحث تكشف الكثير من الحقائق المثيرة، مثل توحش أذرع «الإسلام السياسى» المتمثل فى شخصية «الشيخة وفاء المغربى (عايدة عبدالعزيز)».

يعتبر الأكثرية هذه المجموعة من الأفلام سياسية، لكنها فى حقيقة الأمر تقدم قضايا شديدة الإنسانية فى المقام الأول. لدينا «أحمد سبع الليل» رمز للمواطن البسيط الذى لم يُكمل تعليمه فيقع فريسة سهلة لعملية غسيل مخ، قبل اكتشافه الحقيقة فى لحظة فارقة هى القبض على بلدياته «حسين وهدان (ممدوح عبدالعليم)» فينتصر لفطرته السليمة التى لم ينجح الكذب والقمع فى تزييفها.

كذلك «سلوى شاهين» التى تُفاجأ بالماضى يطاردها ويهددها بانهيار حياتها تمامًا وتلويث سمعتها، لكنها تحارب من أجل أن تنتصر لقيمة الشرف. كما نرى «إيمان الخطاب (ميرفت أمين)» فى «الدنيا على جناح يمامة» المليونيرة العائدة لأرضها بحثًا عن الحب والطهر، والتى تجد نفسها محاصرة بين الاستغلال من قبل خالها «فؤاد بيه (عبدالله فرغلى)»، والفساد الذى تسبب فى سجن حبيبها حسن درويش (يوسف شعبان)».

كل الأبطال هنا إذن لديهم خصم قوى يريد أن يسلبهم إنسانيتهم، يريد أن يلوث لديهم قيمتى الأخلاق والشرف، إلا أن صرخاتهم تظل حية حتى لو أدى الأمر إلى هلاكهم فى النهاية.

شريف عرفة

٦ أفلام تعاون فيها وحيد حامد مع المخرج شريف عرفة هى: «اللعب مع الكبار- الإرهاب والكباب- المنسى- طيور الظلام- النوم فى العسل- اضحك الصورة تطلع حلوة».

بدأ التعاون بين الثنائى فى أحد أفلام قائمة «أفضل ١٠٠ فيلم فى السينما المصرية»، وهو «اللعب مع الكبار»، الذى يتناول قضية شديدة التعقيد طرحها المؤلف بسلاسة متناهية وجاذبة للجمهور، هى القانون الذى لا يحقق العدالة بسبب تعدد ثغراته، وفى الوقت نفسه ثغرات العدالة التى لا يستطيع أن يدافع عنها القانون.

ويتناول المؤلف هذه الفكرة من خلال عامل التليفونات «على الزهار (محمود الجندى)» الذى يتصنت على مكالمات عدد من كبار المسئولين، فتكشف له عن العديد من الجرائم، قبل أن يخبر بها صديقه «حسن بهنسى بهلول (عادل إمام)»، الذى ينقلها بدوره إلى ضابط أمن الدولة المقدم «معتصم الألفى (حسين فهمى)»، الذى ينتصر لتحقيق العدالة، بعد أن يواجهه «حسن» بتساؤل يلخص مضمون الفيلم ببلاغة متناهية: «اللى يهمك تعمل قضية ولا تمنع خطر؟»، ليجيب الضابط: «الاتنين»، فيحاصره «حسن» فى تساؤل فارق: «وإذا الظروف مسمحتش غير بواحدة منهم؟»، فيجيب الضابط: «أمنع خطر».

«حسن بهنسى» إذن هو رمز للمواطن البسيط الذى يعجز عن تحقيق أبسط أحلامه وهو الزواج من حبيبته، لكنه لم يتلوث بعد، أو يفقد حس المسئولية تجاه وطنه، وهو ما يتشابه مع «يوسف المنسى (عادل إمام)» فى فيلم «المنسى»، عامل التحويلة البسيط المنسى فى قاع المجتمع، الذى تجبره الظروف على مواجهة شرسة مع الطبقة الرأسمالية، متمثلة فى رجل الأعمال «أسعد ياقوت (كرم مطاوع)».

ويتكرر هذا أيضًا مع «أحمد فتح الباب (عادل إمام)» فى «الإرهاب والكباب»، لكن فى مواجهة السلطة هذه المرة، إذ يفاجأ بتورطه فى عملية استيلاء على مجمع التحرير، الذى كان يتردد عليه لنقل أولاده إلى مدرسة أخرى.

ربما ما يربط بين هؤلاء الأبطال أيضًا هو الجسارة والشرف، فبينما يقرر «يوسف المنسى» اقتحام قصر «أسعد ياقوت» لاسترداد «غادة (يسرا)» التى تختزل أحلامه، يقرر «سيد الغريب (أحمد زكى)» فى «اضحك الصورة تطلع حلوة» أن يتسلل إلى فرح «طارق (كريم عبدالعزيز)» ويصفعه على وجهه دفاعًا عن ظلمه لابنته «تهانى (منى زكى)»، بينما ينحاز «أحمد فتح الباب» أيضًا للناس أمام السلطة، تمامًا مثل «العميد مجدى نور (عادل إمام)» فى «النوم فى العسل»، الذى يقرر قيادة الناس لمواجهة المسئولين فى المشهد الختامى للفيلم، تاركًا النهاية مفتوحة.

سمير سيف

هو أكثر المخرجين عملًا مع وحيد حامد بمجموع ٩ أفلام هى: «غريب فى بيتى- الغول- الهلفوت- آخر الرجال المحترمين- الراقصة والسياسى- مسجل خطر- ديل السمكة- سوق المتعة- معالى الوزير»، إلى جانب ٤ مسلسلات هى: «سفر الأحلام- البشاير- أوان الورد- الدم والنار».

ناقشت هذه الأفلام كالعادة قضايا مهمة تم طرحها بأسلوب مثير وجرىء. لدينا مثلًا فيلم «الغول»، الذى ناقش الانفتاح وما ترتب عليه من سيطرة للرأسمالية أسفرت عن فساد مستشرٍ وخراب للذمم، من خلال رجل الأعمال الشهير «فهمى الكاشف (فريد شوقى)»، الذى يحاول إسقاط تهمة القتل الخطأ عن ابنه «نشأت (حاتم ذو الفقار)» بالتزوير والكذب.

القضية الأخطر التى يطرحها الفيلم هى مواجهة الفساد، خاصة حينما يتسلح بالمال والنفوذ الذى يسهل لأصحابه البقاء فوق القانون، فى إشارة تحذيرية تفيد بأن اختراق القانون سيؤدى حتمًا إلى انهياره كاملًا، وهو ما تجسد فى قتل الصحفى «عادل عيسى (عادل إمام)» «فهمى الكاشف». نسمعه فى مشاهد سابقة يردد فى بلاغة: «العدالة ليها رجلين اتنين.. إنها تنصف المظلوم وتعاقب الظالم.. إنتم عايزين عدالة برجل واحدة».

تتكرر تيمة الفساد لدى الثنائى فى فيلمهما المهم «معالى الوزير»، الذى قدم أفضل تشريح لتغلغل الفساد داخل النفس الإنسانية من خلال قصة «رأفت رستم (أحمد زكى)»، الذى يتحول من شاعر حالم شريف إلى وزير فاسد لا يتورع عن فعل أى شىء فى سبيل اتساع نفوذه وزيادة ثروته، وهو ما نراه فى «خالد مدكور (صلاح قابيل)» فى «الراقصة والسياسى»، ذلك المسئول الفاسد الذى لا يتورع عن سرقة أجر الراقصة «سونيا سليم (نبيلة عبيد)» فى غفلة منها، ويساوى الفيلم بينهما فى جملة تختزل الحدوتة على لسان «سونيا»: «أنا بهز وسطى.. وأنت بتلعب لسانك وتخطب».

اقتحم الثنائى أيضًا منطقة الكوميديا من خلال فيلم «غريب فى بيتى» المستوحى من مسرحية «فتاة الوداع» لـ«نيل سايمون»، من خلال لاعب الكرة «شحاتة أبوكف (نور الشريف قبل اعتذار محمود الخطيب عن الدور)»، الذى يجد نفسه متورطًا فى مشاركة الموظفة «عفاف (سعاد حسنى)» للسكن قبل أن تجمعها قصة حب. المدهش أنه رغم ظرف المفارقات طوال أحداث الفيلم، لا يخلو المضمون من عمق خفى، وهو أن الحق لا يقبل الحلول الوسط، وأن الفساد يدفع ثمنه البسطاء ويدفع بهم لصراعات طاحنة دون إرادتهم؟

الإذاعة والتليفزيون.. والمسرح أيضًا

ربما لا يعرف كثيرون أن بدايات وحيد حامد كانت فى الإذاعة، فقد قدم فى بداياته أكثر من ٢٠ مسلسلًا إذاعيًا، كان أولها: «ليلة حظ- نهاية ليل- قبل أن تسقط ورقة التوت- عندما يموت الخوف»، وغيرها الكثير، كما قدم عدة مسلسلات حولها فيما بعد إلى أفلام سينمائية مثل: «الإنسان يعيش مرة واحدة والدنيا على جناح يمامة».

وللمسرح قدم ٤ مسرحيات هى: «الرجل الذى يريد أن يضحك- يا عالم نفسى أتسجن- كباريه- جحا يحكم المدينة». أما التليفزيون فقدم له ١٥ مسلسلًا هى: «أحلام الفتى الطائر- أوراق الورد- سبع صنايع- الحادث- أنا وأنت ورحلة العمر- أبلة منيرة- سفر الأحلام- الجوارح- البشاير- العائلة- أوان الورد- الدم والنار- بدون ذكر أسماء- الجماعة ١، ٢».

وتشترك هذه المسلسلات فى تحقيق معظمها نجاحًا جماهيريًا كبيرًا واقتحامها قضايا شائكة لم يجرؤ التليفزيون على طرحها فى مسلسلاته، فبينما اقتحم الكاتب أوكار التطرف فى «العائلة»، أثار ملف الفتنة الطائفية بجرأة غير مسبوقة فى «أوان الورد»، وتصدى فى «الجماعة» بجزأيه لأكاذيب «الإخوان» وفضحها فى دراما ممتعة ومتماسكة.

على المستوى الجماهيرى بدأ وحيد حامد فى التليفزيون بنجاح كبير تمثل فى المسلسل الخالد «أحلام الفتى الطائر»، الذى كان قادرًا على إخلاء شوارع القاهرة وقت عرضه قبل عصر الفضائيات والإنترنت، ثم تكرر النجاح الساحق فى عدة مسلسلات مثل: «العائلة- أوان الورد- الجماعة بجزأيه».

لكن هناك مسلسلات أخرى ربما لم تحقق جماهيريًا النجاح ذاته، رغم جودتها الشديدة، لدينا مثلًا: «بدون ذكر أسماء»، هذا المسلسل شديد الأهمية والتميز، الذى قدم المؤلف من خلاله قراءة متأنية وشديدة العمق للتحول الذى حدث للمجتمع المصرى فترة الثمانينيات، مثل هجرة الأسر المصرية إلى الخليج، والتغير الثقافى الحاصل نتيجة لعودتهم إلى مصر بثقافة مغايرة فرضوها على المجتمع، فضلًا عن مناقشته تغلل الانتهازية فى مجالات الصحافة و«البزنس»، وقفز الفاسدين على أكتاف الحالمين والشرفاء.

لدينا أيضًا مسلسل «سفر الأحلام»، الذى يطرح تساؤلًا عن قدرة الإنسان على خلق عالم مثالى مغلق من خلال «أنيس (محمود مرسى)»، الذى يقرر تحويل منزله إلى بنسيون، بعد خروجه على المعاش، ويختار نزلاءه وفق معاييره الخاصة.

عمل آخر قدمه وحيد حامد للتليفزيون هو الفيلم التليفزيونى «أنا وأنت وساعات السفر»، الذى يعتبر منسيًا رغم كونه من أرق الأفلام العاطفية، بالإضافة إلى كونه مثلًا مذهلًا فى كيفية تقديم عمل طويل قائم بشكل كامل على الحوار، دون أن تخفت متعة المشاهدة لدقيقة واحدة، من خلال صدفة تجمع الكاتب «عزت هلال (يحيى الفخرانى)» بحبيبته السابقة «سلوى عابدين (نيللى) فى رحلة داخل القطار».. ربما يدفعنى ذلك للتأكيد بأننا لا نزال نحتاج للتنقيب فى منجم أعمال وحيد حامد التى لن تنضب أبدًا.