رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الغولة الحامل فى وحش».. كيف رأى وحيد حامد الزيادة السكانية؟

السيناريست الراحل
السيناريست الراحل وحيد حامد

في عام 2005، كانت الحكومة المصرية في أوج صراعاتها مع أزمة الزيادة السُكانية، وبينما كان الرئيس الأسبق مبارك يفتتح دورة جديدة من معرض القاهرة الدولي للكتاب بحضور مجموعة من الكتاب والمثقفين طرح الأزمة على طاولة المناقشة مستعرضًا الأحمال التي تثقل كاهل الدولة المصرية بسبب الاطراد في الزيادة السُكانية. كان السيناريست والكاتب الراحل وحيد حامد حاضرًا يصغي لشرح الأزمة التي يعي أبعادها جيدًا ويتردد في أعماقه أمنيات لبلده لطالما راودته. 

أمنيات حبيسة

لم يكتف وحيد حامد بأن تبقى أمنياته حبيسة بداخله، ولم يمنعه إدراكه من تعقيد الواقع من أن يُدلي برأيه حول أزمة آمن أنها على وشك ابتلاع مقدرات بلده وإدخالها في دوامة يستحيل الخروج منها. التقط حامد أطراف الحديث الذي دار في ساحة معرض الكتاب ليُطالب الدولة بسن قوانين وترسيخ قواعد تنص على أن الدولة ينبغي ألا تتحمل مسئولية أكثر من طفلين من صحة وتعليم  لكل أسرة، وأن ما يزيد على ذلك تتحمله الأسرة لا الدولة.

كان حامد، الذي انشغل في أعماله الفنية بقضايا المواطن المصري، مهمومًا بالمآلات التي قد تقود إليها زيادة سكانية لا تجد ما يُلائمها من موارد اقتصادية لكنه لم ينخرط في نوستالجيا تعيقه عن إدراك مقتضيات الواقع؛ لم يراوده الحنين لزمن الملكية في مصر على علاته ليغض الطرف عن سلبياته، كان الحكم فاسدًا لكن الزمن جميل، أما الآن فالزمن فاسد وعدد السكان في تزايد، "الحقيقة أن الشعب أخطأ كثيرًا فى حق نفسه، فمثلا كيف يكون راتب المواطن ٢٠٠ جنيه وينجب ٦ أطفال؟ وبأى منطق سيعيش حياة كريمة؟.. بصراحة أشعر أننا مقبلون على زمن أسوأ" هكذا لم يحجب حامد تشاؤمه من المستقبل، في حوار أُجري معه عام 2008. 

اختيارات المواطن

لطالما ألقى حامد لومه على اختيارات المواطن السيئة، فلم يمنعه دفاعه عنه وتعاطفه مع قضاياه العادلة من ذلك اللوم الذي تكرر مرارًا، ما الذي يدفع المواطن الذي بالكاد يملك قوت يومه إلى إنجاب المزيد من الأطفال؟ لِم لا يحتكم إلى العقل في النظر إلى مستقبله ومستقبل أولاده؟ 

تشابك هذا اللوم مع إدراك لأزمة الفكر الديني في مصر، فالمواطن مسئول عما يقترفه بحق نفسه أولًا وبحق بلده ثانيًا لكنه ضحية أفكار دينية مغلوطة، هذا ما أكده وحيد حامد في حوار له مع "روزاليوسف" في العام 2020، حينما أشار إلى أن المؤسَّسات الدينية بعيدة عن قضايا الوطن القومية الأساسية. بل إنها تعمل بالضد منها، إذ أسهمت في الزيادة السكانية عبر تشجيع الشيوخ للزيادة السكانية. 

يرتكز رجال دين على حديث يدعو إلى التكاثر فيما يهملون عقولهم ويدعون إلى مزيد من تجنب التفكير في سياقات النص ومبرراته، موضحًا: "هذا الحديث الشريف كان وقت ظهور الإسلام، لكن تستخدمه مع وطن مساحته على الخريطة معروفة ومصادر ثروته محدودة وتتآكل بحُكم الزيادة السكانية المستمرة! أطالب الدولة باتخاذ كل إجراء يُحد من الزيادة السكانية؛ لأن هذه القضية تُعتبر قضية أمن قومى لا يمكن أن تترك لرأى مشايخ أو موروث شعبى.. يعنى إحنا نقول العَيّل بييجى برزقه وننسى "اعقلها وتوكّل".. مَهما ضاعفنا معدلات التنمية لا بُدّ من إيقاف الزيادة السكانية".

كان منزعجًا من الزيادة السكانية

كان وحيد حامد منزعجًا من الزيادة السكانية المضطردة بل متشائمًا، نظر إلى العاصمة في تخمتها وازدحامها بسكانها ورسم لها صورة مشوّهة؛ القاهرة صارت مثل"غولة حامل في وحش"، هي "غولة" تضافرت الأفكار الدينية المغلوطة حول أهمية التكاثر وعدم التفكير في المستقبل، مع الأوضاع الاجتماعية المغلوطة في تشكيل بنيانها الضخم، والتي سينجم عنها وحش يبتلع الجميع.

في لقائه عام 2020 مع برنامج "يحدث في مصر"، عبّر حامد مجددًا عن انزعاجه قائلًا: "أنا منزعج من الزيادة السكانية.. هي طحنت الناس وخنقتهم، ولما كانت مصر تعدادها السكاني متوازنا كانت الحياة حلوة، وعلى سجيتها، والحب يسود، ولكن نعيش الآن زمن الزحام، وثقافة الزحام البشعة مسيطرة على الناس".

ربما كان مشهد الأتوبيس المزدحم في فيلمه "الإرهاب والكباب" ماثلًا طويلًا أمام عينيه في توصيفه للعاصمة "الغولة"؛ فلا أمل مرجوا مع التكلس السكاني؛ "حاجات كتيرة هاترخص وتبقى بسعر التراب! أنا  وأنت والأستاذ وحضراتهم أجمعين!".

واقرأ:
 معركة وحيد حامد في سينما.. ناقد: ثلاثيته عن الإرهاب كشفت واقعا مريرا

ناقد فني عن وحيد حامد: اهتم بالفقراء والمهمشين وطرح القضايا بفكر مستنير