رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دليل التمويل المناخى العادل

يوم التمويل، فى رأينا، هو أهم أيام الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الدول الأطراف فى اتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ، كوب ٢٧، التى تترأسها مصر وتستضيفها مدينة شرم الشيخ. وكان أبرز ما شهده هذا اليوم قيام وزارة التعاون الدولى، خلال حدث رفيع المستوى، بإصدار «دليل شرم الشيخ للتمويل العادل»، الذى نراه أيضًا أبرز المبادرات، التى تطلقها الرئاسة المصرية للمؤتمر، تحقيقًا للهدف الأساسى: الانتقال من التعهدات إلى التنفيذ.

التمويل العادل، Just Financing، بتعريف الدليل، هو «التمويل الذى يراعى المسئولية التاريخية عن تغير المناخ، لدعم مسارات التنمية المرنة، مع ضمان الوصول العادل إليه، نوعيًا وكميًا». ولعلك تعرف أن الدول النامية، الأقل إسهامًا فى المشكلة والأكثر تأثرًا بتبعاتها، تواجه تحديات عديدة للحصول على التمويل اللازم، لمواصلة جهود التنمية ومواجهة التغيرات المناخية، خاصة عقب وباء كورونا والأزمة الأوكرانية. ولعلك تعرف، أيضًا، أن جدول أعمال «كوب ٢٧» تضمن، للمرة الأولى، بندًا يتعلق بمعالجة «الخسائر والأضرار» التى عانت منها الدول النامية بسبب التغيرات المناخية. كما جدد مطالبة الدول، التى توصف بأنها متقدمة بتقديم المائة مليار دولار، التى تعهدت بها فى كوبنهاجن سنة ٢٠٠٩، ثم سنة ٢٠١٥ فى باريس.

تأسيسًا على ذلك، يهدف «دليل شرم الشيخ للتمويل العادل»، الذى يقع فى حوالى ٣٥٠ صفحة، مقسمة إلى ملخص تنفيذى ومقدمة وستة فصول، إلى تحفيز التمويل المناخى، وتعزيز جهود التعاون مُتعدد الأطراف، وسد الفجوة المعلوماتية لدى الحكومات والمستثمرين، وتقليل المخاطر المرتبطة بالاستثمارات المناخية فى الدول النامية، وتطوير إطار دولى للتمويل المبتكر لتحقيق التعافى المرن والمستدام، وتيسير الوصول إلى التمويل العادل، ودفع الأطراف ذات الصلة للقيام بدورها من منطلق المسئولية المشتركة والمتباينة.

هذه الأهداف، يسعى «الدليل» إلى تحقيقها، معتمدًا على ١٢ مبدأ، تم تقسيمها إلى ثلاثة موضوعات رئيسية: ملكية الدولة، المسارات المنصفة لتمويل المناخ، والحوكمة، وأبرزها: دعم حق الدول النامية فى التنمية والتصنيع من خلال مسارات عادلة فى إطار ما أقرته اتفاقية باريس للمناخ.. ضمان الاتساق بين أهداف العمل المناخى العالمى وأهداف التنمية الوطنية.. دعم جهود الحكومات لخلق بيئة تمكينية من خلال إتاحة التمويل ورفع الكفاءات والقدرات الفنية والمؤسسية.. عدم اعتبار التمويلات المناخية بديلًا عن التمويلات الإنمائية.. وإنشاء نظام حوكمة فعال وإرساء قواعد تنظيمية للأسواق الخضراء، وتفعيل نظام متابعة وتقييم يتمتع بالكفاءة.

جرى إعداد الدليل بعد مراجعة كل إصدارات التمويل المناخى، لاستخلاص الدروس المستفادة، والوقوف بدقة على التحديات، وبناء على مشاورات بين ٦ مجموعات عمل، ضمت حوالى ١٠٠ من ممثلى الحكومات وشركاء التنمية، الثنائيين ومتعددى الأطراف، والقطاع الخاص والبنوك التجارية والاستثمارية وصناديق تمويل المناخ ومراكز الفكر والمنظمات غير الهادفة للربح، وخبراء من مجموعة البنك الدولى، وبنك التنمية الإفريقى، والبنك الأوروبى لإعادة البناء والتنمية، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائى والبنك الإسلامى للتنمية، ومنظمة العمل الدولية، و... و... ومؤسسة بيل وميلندا جيتس، وشركة مايكروسوفت، وشبكة بلومبرج.

الدليل الأول من نوعه فى المنطقة، الذى اعتمد، كما هو واضح، نهجًا تشاركيًا لكل الأطراف ذات الصلة، يقدم مجموعة من دراسات الحالة، تستعرض الطرق المختلفة، التى يمكن أن يشارك بها القطاعان العام والخاص فى الهياكل الفعالة للتمويل العادل. وينتهى بأجندة عملية قابلة للتنفيذ، تزيد من كفاءة وعدالة هيكل التمويل المناخى الحالى فى الاقتصادات النامية، خاصة فى الدول الإفريقية، التى لا تسهم إلا بنسبة ٣.٨٪ من الانبعاثات الضارة، وتحتاج إلى حوالى ٢٠٠ مليار دولار سنويًا، حتى سنة ٢٠٣٠، حتى تتمكن من الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر، وترجمة مساهماتها المحددة وطنيًا إلى مشروعات وخطط استثمارية.

.. أخيرًا، ولأن الشىء بالشىء يُذكر، نشير إلى أن برنامج «نوفِّى»، أو المنصة المصرية الوطنية للمشروعات الخضراء، فاز بالمرتبة الأولى على مستوى دول منطقة شمال إفريقيا وقارة أوروبا، فى مبادرة «صندوق الاستثمار فى المناخ»، CIF، التى يقدم من خلالها الصندوق دعمًا قيمته ٥٠٠ مليون دولار، لتنفيذ مشروعات صديقة للبيئة، تسهم فى جهود التخفيف والتكيف مع تداعيات التغيرات المناخية.