رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حمدي البطران يكشف العلاقة الإنسانية بين قبائل البدو وأعضاء الحملة الفرنسية

الحملة الفرنسية
الحملة الفرنسية

كشف الكاتب حمدي البطران، في كتابه "حكايات عابرة" إن الفرنسيون دونوا تفاصيل حياتهم في مصر ورحلاتهم إلى مختلف بلادها تدوينا دقيقا، صحيح أن المؤلفين من ضباط الجيش الفرنسي ومهندسيه، ولكنهم تركوا لنا وصفا للحياة الاجتماعية والعادات والتقاليد وكل نواحي الحياة في مصر كلها، حيث لعب الفرنسيين بالعرب والقبائل العربية التي كانت تشكل مركز القوة الثاني بعد الحكام المماليك، من حيث الضغط على أعصاب وحياة المصريين، وامتصاص أموالهم وخيراتهم.

وأضاف الكاتب أن العرب قاوموا الفرنسيين عند قدومهم من الإسكندرية، إلا أنهم عندما توطدت أقدام الفرنسيين بدأوا في مهادنتهم، بل والتعاون التام معهم، في 24 ديسمبر 1800 رحل المهندس. ب. ب. مارتان، وهو أحد ضباط الحملة الفرنسية من القاهرة إلى الفيوم ومعه معاونه كاريستي والمملوك سليمان الكاشف كموقف إنساني خلال رحلة ترفيهية.

وأكمل: استطلع المهندس ب. ب. مارتان رأي الشيخ سيد أحمد، والمملوك سليمان الكاشف، حول رغبته في الدوران حول بحيرة قارون لمعرفة تاريخها واستطلاع جغرافيتها، ولكنهما حاولا إثناءه عن عزمه، وأكدا له أن العرب والبدو الذين يتجولون حول البحيرة ربما سببوا له متاعب كثيرة، حيث سيصبح هدفا لكل منهم على حدة. 

وتابع: كما نصحوه بعدم التحالف مع قبيلة من قبائل العرب، فإن القبيلة الأخرى المعادية سوف تجعله هو وجنوده هدفا لها، باعتباره متعاونا مع أعدائها، ولكن المهندس ب. ب. مارتان لم ييأس، وتفاوض مع إعرابي آخر هو الشيخ على بن أبو صالح، نجل الشيخ أبو صالح شيخ قبيلة السمالو الكثيرة العدد، والتي تحيط مضاربها ببحيرة قارون وإقليم الفيوم كله. 

وكان الشيخ علي في الثلاثين من عمره ويقيم في الفيوم، أما والده الشيخ أبو صالح فكان يقيم في المنيا وله ثلاثة أولاد وابن أخ، يتولى كل واحد منهم زعامة قسم من أقسام القبيلة المترامية الأطراف، ويقيم الابن الثاني في أجروبة، أما الثالث فيقيم في قرية أبو جندير، ويقيم ابن شقيقه علي عثمان في النزلة.

كما كانت قبيلة السمالو في ذلك الوقت، في حالة صراع وقتال مع عرب الفرجان في صحراء الإسكندرية والبحيرة، وعرب الضعفا في بني سويف وقريتي طامية وأبويط، وكانوا يشنون غاراتهم ويسلبون القرى التابعة للسمالو، ولم يوافق الشيخ على نجل الشيخ أبو صالح على العرض الذي قدمه له المهندس ب. ب. مارتان بمجرد أن عرضه عليه، ولكنه أمهله فسحة من الوقت ليفكر، تشاور الشيخ الشاب مع أفراد قبيلته وأضمر أمراً ما، وعندما قابله للمرة الثانية، طلب منه الشيخ علي أن يجهز ثلاثين جنديا بأسلحتهم من البنادق الحديثة والبارود، وفي المقابل تمكن مارتان من إقناع الشيخ علي، بأن يصطحب هو الآخر ثلاثين فارسا من أبناء قبيلة السمالو أتباع الشيخ على بخيولهم وحرابهم وسيوفهم.

لم يكن في سلطة المهندس أن يوافق على اصطحاب جنود غير مصريين تحت قيادته، دون الرجوع إلى قائد حامية ولاية الفيوم الفرنسي" الكولونيل ابلير"، والذي كان يفتقر إلى القوات اللازمة للمحافظة على بقائه في الإقليم. وعلى ذلك رفض العرض الذي تقدم به مارتان، كما أبلغ الشيخ علي، ب. ب. مارتان، أن الدوران حول بحيرة قارون محفوف بالمخاطر سواء من العربان أو فلول المماليك.

ولكن قائد الحامية اضطر في النهاية تحت حماس وإلحاح ب. ب. مارتان إلى الموافقة، تحركت الرحلة، يقودها مارتان على فرسه واضعا البرنس الذي يرتديه العرب على ظهره، وغطى رأسه بطربوش.

منذ رحيل مارتان من الفيوم في صحبة الشيخ على تعامل فرسان السمالو مع القائد الفرنسي مارتان كما كان يتعامل معه شيخهم، وسلكوا نفس مسلك الشيخ علي في سلوكه إزاء "لمدبر مارتان" كما أطلقوا عليه. 

كان الشيخ علي لصيقا بالمهندس الفرنسي، ولم يكن بتحدث مع أحد سواه، وكان يقص عليه بقصد تسليته وإرضاءه حكايات كان مارتان يجد مشقة كبيرة في تتبع تسلسلها، وكانت تلك الحكايات تشتت انتباهه لدرجة أكثر مما يود، إذ كان مارتان غارقا في ملاحظاته عن الطبيعة الصامتة حوله، بينما الشيخ علي يقص عليه بطولاته، التي تغلب عليها حركات الفرسان العسكرية.

كان الفرسان من جانبهم يحاولون أن يدخلوا البهجة على قلبه، وتسليته بافتعال معارك ومبارزات وهمية، وكانوا في نهاية تلك المبارزات ينشدون عليه الأشعار التي لا يفهمها، وكانت مظاهر السرور التي يبديها لهم هي مكافأتهم على تلك البطولات.

كان مارتان هو الذي يبدأ إشارة التوقف للمبيت، وكان قد أعد مرتبتين صغيرتين، إحداهما للشيخ على والأخرى له، ولكنه لم ينجح أبدا في حمل الشيخ على ليتقبل المرتبة التي خصصها له، ولم يكن الشيخ على يقبل أيضا أن ينام داخل خيمة مارتان، وأكتفي بحصيرة بسيطة يطويها فوق الرمال خارج الخيمة، ووصلت الرحلة إلى قصر قارون ووجد مارتان أن ليس قديما كالمعابد الفرعونية، وأطلاله لم يشوهها التخريب الذي فعله الزمن، ولكن التشويه الحاصل فيها متعمدا، كما وجد في مدخل القصر أحجار خشنة منحوتة على طريقة الإغريق.