رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رحلة الاكتشاف والطمع.. تفاصيل أخرى عن مكتشفي مقبرة الملك توت عنخ آمون

صور من اكتشاف المقبرة
صور من اكتشاف المقبرة

100 عام بالتمام والكمال مرت منذ أعظم اكتشاف حدث في القرن العشرين، وهو مقبرة الملك توت غنخ آمون، والتي كانت بمثابة حدث جعل العالم كله يوجه أنظاره لمصر وحضارة مصر وعلم المصريات وغيرها، ولكن هناك الكثير من الأسرار حول اكتشاف المقبرة.

يقول الدكتور شريف شعبان، الخبير في الآثار المصرية القديمة وتاريخ الفن ومحاضر في كلية الآثار جامعة القاهرة: “ثمَّة شيء جمع بين اللورد العجوز الطامع في الآثار والشاب العصبي المفعم بالانطلاق، وهي الرغبة في اكتشاف ما لم يصل إليه أحد من قبل، حيث قاد كلاهما أكثر من موسم مكلل بالنجاح اكتشف فيه كارتر الكثير من مقابر النبلاء وكبار رجال الدولة بطيبة، ثم مقبرة الملك أمنحتب الأول التي طال البحث عنها، ومن بعدها مدخل مقبرة الملك أمنحتب الثالث. إلا أن الحلم الكبير أصبح هو الهدف الحقيقي لكل منهما، وهو العثور على مقبرة توت عنخ آمون”.

ويضيف: “ولم ينطلق كارتر في مشروعه البحثي إلا في عام 1915 مع حصوله على تصاريح الحفائر الرسمية لصالح كارنرفون، والذي كان ممنوحًا لدافيز من قبل، حينها سخَّر كارتر كل قدراته العقلية وخبراته الأثرية مصحوبة بأموال كارنرفون ومشَّط الوادي كله مستخدمًا كل الخرائط التي رُسمت له من قبل البعثات السابقة من أجل تحقيق الحلم المنشود”.

ويواصل: "كي نعرف ومضات عن شخصية كارتر الملتوية، دعونا نتطلَّع إلى ما حدث له خلال اشتعال الحرب العالمية الأولى (1914-1918). ففي تلك الظروف الملتهبة كانت مصر تحت حكم الخديوي الوطني عباس حلمي الثاني، الذي كان ميالًا لدعم دول المركز متمثلة في الدولة العثمانية وألمانيا ضد دول الحلفاء ومنها بريطانيا، الأمر الذي أثار الخوف لدى سلطة الاحتلال البريطاني، فقامت بإعلان الحماية على مصر وعزل الخديوي من منصبه وتعيين عمه السلطان حسين كامل بدلًا منه. حينها تم تكليف كارتر من قبل مكتب المندوب السامي البريطاني "هنري مكماهون" بالعمل في خدمة التاج البريطاني خلال الحرب، وتمثلت خدمته في نقل الرسائل السرية المتبادلة وأعمال الترجمة بين حكومة بريطانيا والوسطاء العرب وعلى رأسهم الشريف حسين بالحجاز؛ نظرًا لإجادته العربية بمختلف لهجاتها بشكل كبير. ولكن لسبب ما ورغم مهارته، لم يطمئن المندوب السامي لطرقه في العمل، ولم تسند إليه أية مهام جديدة. وخلال عمل كارتر في القاهرة بتلك الفترة، كان يقوم برحلات سريعة إلى الأقصر. وخلال إحدى زياراته الدورية، وفي ذروة المشاعر المعادية للألمان، تم تفجير مقر الحفائر الألماني في الأقصر. ودارت الشائعات بأن كارتر كان له يد في هذا الأمر، لكن هذا يصعب إثباته". 

ويتابع: "مواسم كاملة استمرت منذ عام 1917 لم يحقق فيها كارتر أية نتائج تذكر، لم يعثر على أي دليل آخر يدلُّه على خط السير نحو مقبرة الملك توت أو أية بوصلة قد توجهه نحو الطريق الصحيح، حتى تسلل اليأس إلى نفسه بعدما سمع ما يدور حوله بأنه يخادع نفسه ويبعثر وقته وجهده بلا نتيجة، بل ويستنزف الثري العجوز دون فائدة. ولنا أن نتخيل أن وصل الأمر إلى اللورد كارنرفون نفسه حين بدأ في إعادة ترتيب مصروفاته بعدما أنفق الكثير من المال دون اكتشاف ما يعوض ما صرفه، واعتنق فكرة أن الوادي قد ضنَّ عليه بأية قطع براقة يضيفها إلى مجموعته الخاصة بلندن، حيث كان اللورد دائم التباهي بتلك المجموعة من الكنوز الأصلية والقطع الأثرية والتي أطلق عليها "خزانة الآثار"، وهو الطمع الذي جعله ينفق على حلم كارتر. ورغم حماس كارتر المتَّقد وترديده دائمًا بأنه "طالما هناك بقعة في الوادي لم تُكتشف بعد فإن المخاطرة ما زالت مقبولة"، لكن مطامع الرجل الكبير باتت بلا أمل، وتلاشت لديه الثقة والصبر في أن يعثر على أي شيء، وأعلن اللورد رسميًّا انتهاء الحفائر في موسم 1921-1922، وأوقف التمويل مغادرًا الوادي إلى إنجلترا". 

ويكمل: "حاول كارتر مستميتًا الدفاع عن موقفه، وسافر خلف سيده الثري ليقابله في مقره بقلعة هايكلير في مقاطعة هامبشاير في محاولة قد تكون الأخيرة ليمد تمويل المشروع الحلم. ورغم المقابلة الجيدة وتقديره لما بذله كارتر من جهد ووقت، إلا أن اللورد قد اعتذر عن التمويل بسبب تأثير الحرب العالمية على وضعه المالي، وإيمانه بأن العمل في الوادي لم يعد يؤتي ثماره. لكن كارتر كان من العناد والتصميم بأن راوغ اللورد وأخبره بأن الوادي لم يفرغ تمامًا من المقابر وما زال هناك احتمالية العثور على مقبرة توت عنخ آمون، وهي عند المنطقة التي لم يكمل كارتر العمل بها عند مقبرة رمسيس السادس. وزيادة في إقناعه بالتمويل لموسم أخير، أشار كارتر للورد بمشاركته في التمويل، خصوصًا بعدما نجح كارتر في تكوين ثروة بسيطة من بيع التحف والأنتيكات للمتاحف وتجار الآثار وهواه جمع القطع الفنية في الفترة التي طُرد فيها من مصلحة الآثار المصرية وما بعدها خلال اشتراكه في الحفائر. ووسط كل تلك الحجج والدفوع مصحوبة بإصرار مليء بالحماس، قابله إحياء لمطامع اللورد وحبه للمقامرة، وافق الرجل الثري على تمويل موسم أخير ليكون موسم 1922-1923.