رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كنا رجالة ووقفنا وقفة رجالة

لاعبو كرة القدم في مصر بعد كل مباراة يفوزون فيها، وخلال تصريحاتهم الإعلامية، يستغرقون في بهجة النصر ويقولون بكل فخر (لقد كنا رجالة) ويتبعهم المهووسون والمؤيدون بنفس النغمة (اللاعيبة كانوا رجالة).

هل هناك خطأ في هذا الكلام؟

طبعًا لا أحد يشعر بأي مشكلة، فذاكرة الطفولة لدينا تربت ونشأت على هذه الفكرة الجوهرية، أن تكون (رجلًا) في مواجهة المشاكل بداية من زميلك في الفصل الذي يضايقك، وجارك الذي يتشاجر معك أثناء لعب الكرة، وحتى عندما تقف في عزاء والد صديقك فأنت (رجل) لأنك لم تتركه وحيدًا وساعدته في هذه الأوقات الصعبة.

إذن، فالمعنى الذي أكلناه يوميًا يضفي معاني متعددة على نفس الكلمة فهو قد يتضمن المروءة أو الشجاعة أو الصدق أو حتى الصبر.

لكننا لا نذكر هذه الكلمات في حياتنا، فلا نقول مثلًا (لقد كنت صبورًا) أو (ما فعلته كان مروءة منك) أو (أشكرك على صدقك رغم كل شيء) ونختصر كل ذلك في كلمة واحدة تبتسر كل هذه المعاني الجميلة (راجل).

ربما يبدو هذا جميلًا من حيث الإبداع الشعبي، لكنه يقتل الثراء اللغوي ويؤكد اختفاء كلمات حية من حياتنا ويسهم في صعود كلمات أخرى دخيلة وقد تكون مزعجة.

نحن نقوم يوميًا بعملية استبعاد قسرية لكلمات في لغتنا ونستمر في هجرانها، حتى نصل إلى أقل عدد ممكن من الكلمات لاستخدامه، وقريبًا قد تخلو الحياة من كلمات رائعة مثل (رقيق، بهاء، بديع، يعشق، سمر، قد، الضحى، وارف، بهجة، وجد، عذب، يتسامى، ... الخ).

والواقع أن التمييز الجنسي هو المشكلة الأكبر في استخدام هذه الكلمة فإذا سلمنا أن الفريق الذي فاز بالمباراة كانوا (رجالة) فهل الفريق الذي خسر كانوا (نسوان)؟

هل (النسوان) كلمة تدل على الهزيمة والفشل؟

نعرف أن السيطرة الذكورية العتيقة هي التي رسخت هذا المفهوم، ولكنه لم يتغير مع تطور المجتمع، أو أن هؤلاء اللاعبين وهؤلاء المشجعين ما زالوا يعيشون في زمن قديم حيث الرجل هو الكائن المفضل والمرأة مكانها المنزل بلا حول ولا قوة.

المرأة حاليًا، في الكثير من الأوقات قد تكون أقوى من الرجل أو أنجح وهذا لا يقلل من أي منهما، والأفضل أن نغير هذه الكلمة التي تعتبر مبتذلة في هذا الموضع، وإذا كنا قد نقبلها في الأحاديث الشعبية لصعوبة تغييرها فإن النجوم سواء في الفن، أو كرة القدم، أو الغناء، أو السياسة هم من يمكن توجيههم بشكل مباشر للتخلي عنها والحديث بشكل أكثر عصرية واحترافية وبلا تمييز جنسي.

لا أريد أن أقول لنفرض عليهم احترام هذه الأدبيات وهم يتحدثون في وسائل الإعلام، ولكن على الأقل يتم تنبيههم.

في الواقع نحتاج نوع من السيطرة على المحفور في ذاكرتنا البعيدة لنرتقي ولو قليلًا بأحاديثنا، إن حالة الجمود والثبات على القديم لا تؤدي فقط إلى هذه المواقف الغريبة، ولكنها توقف عجلة التطور والتغيير.