رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر أولًا وقبل كل شىء

فى السابعة من مساء اليوم «الإثنين» تطلق الشركة «المتحدة للخدمات الإعلامية» رسميًا إشارة البث الأول لقناة «القاهرة الإخبارية»، وهو حدث لو تعلمون، فى نفوس المصريين، عظيم، ورغبة لطالما تطلعنا إلى تنفيذها، والوصول بها إلى بر الواقع المشحون، الذى تسيطر على خريطته التوترات الدولية والإقليمية، وتغلب على فضائه الشائعات والأكاذيب وحسابات المصالح الدولية والحزبية، سياسية أو اقتصادية أو عقائدية، أو أيًا كانت محركاتها، وهى الحسابات التى وصلت، فى بعض الأحيان، إلى تقديم قنوات عالمية، يظن الكثيرون فى حيادها ومصداقيتها، لمشاهد من أفلام سينمائية وألعاب فيديو على أنها مشاهد حية تخص الحرب الروسية الأوكرانية، وتؤكد أنها مشاهد من أرض الواقع، وبعضها أصبح معروفًا لدى الجميع بتصوير لقطات ومشاهد مخصصة لبث الفتن، وترويج الأكاذيب، ونشر الفوضى فى مناطق مستهدفة من العالم، وما نصيب مصر من هذه الفوضى بالقليل، بحكم المكان والمكانة والواقع والتاريخ، وليس من المبالغة فى شىء القول إن القاهرة هى «عاصمة الخبر»، كما جاء فى شعار القناة، فهى المصنع الرئيسى للأخبار فى جزء كبير من الخريطة الدولية، فى إفريقيا، والمنطقة العربية، فى الشرق الأوسط، وحوض البحر الأبيض المتوسط، والمحدد الرئيسى لسياسات الغرب فى التعامل مع العديد من القضايا، والخلافات الدولية.. هنا ترمومتر العلاقات الدولية، وحاضنة التوقعات والطموحات والآمال، ما يجعل من هذه القناة الحلم ضرورة ملحة، وأهمية قصوى، لضبط المشهد الإعلامى.

ولأننى من المهتمين بمثل هذه القناة الحلم، تابعت كل ما صدر عنها، وبشأنها، منذ الإعلانات التمهيدية الأولى، فكانت الأنباء والأسماء والتصورات ترفع من سقف التوقعات، وتشير إلى إمكانية كبيرة لتنفيذ ما عشنا نحلم به طوال سنوات غير قليلة بأفضل صورة ممكنة، ووفق خطة مدروسة جيدًا، وبإمكانيات وكوادر محترفة وقادرة على الوصول إلى الهدف منها، خصوصًا مع وفرة الكفاءات البشرية المصرية، ولعله من المعلوم للجميع أن غالبية القنوات المتحدثة بالعربية وغير العربية تضم الكثير من الإعلاميين المصريين الأكفاء بين مؤسسيها وكوادرها القيادية، إن لم يكن معظم قياداتها من المصريين الكبار القادرين على تحويل الحلم إلى أمر واقع وملموس.

فى الناحية الأخرى لم تخرج ردود الفعل عن مساحة المتوقع.. كثير من أساتذة الإعلام، والمتخصصين رحبوا بالقناة، وبدت على وجوههم ومن كلماتهم علامات الأمل والرضا عما تم طرحه من أسماء وتصورات، ومنهم من وضعوا أفكارهم وتصوراتهم لمحددات عمل القناة الجديدة، وفق ما نالوا من خبرات، يقابلها كثير من التعليقات المحبطة، المضلَلَة والمضلِلِة فى آن واحد، والمعروفة المصدر والتوجهات والأهداف، وغالبيتها تشكك فيما لدينا من كوادر، وفى إمكانية الوصول إلى المشاهد، وفى كل ما تطرحه القناة التى لم تبدأ البث بعد، وهذه الفئة تحديدًا لم تخرج عن حدود المتوقع والمعروف عن «الخرفان» بالضرورة.

على أن أغرب ما عاشت كتائب «الخرفان» على الترويج له والحديث عنه باعتباره أحد العيوب المتوقعة، هو الكلام عن تبعية القناة، وانحيازها للدولة المصرية!!.. «أومال تنحاز لمين؟! لتنظيم الإخوان مثلًا، ولا للحاجة أم حسن، ولا لحزب المحافظين فى كوالالمبور؟!».

هو كلام مثير للضحك، والشفقة فى آن واحد، خصوصًا أنه لا يخفى على أحد ما شهدته سنوات العقد الثانى من هذا القرن من محاولات واجتهادات لإنشاء قناة إخبارية مصرية، لكنها غالبًا ما كانت تصطدم بمجموعة من العقبات المتعلقة بالإمكانيات، وطبيعة الملكية، وهذه الأخيرة ربما كانت هى الأهم فى ظل سيطرة رجال الأعمال على العمل الإعلامى، وتداخل مصالحهم الخاصة مع المصلحة العامة، وهى ظاهرة ليست مقصورة على مصر وحدها، بل تمتد إلى جميع أركان المعمورة، وفى معظم أنحاء العالم، بداية من المملكة المتحدة والولايات المتحدة، وصولًا إلى أبعد وأضعف نقطة فى الخريطة الدولية، فلعله من المعلوم للجميع تأييد «سكاى نيوز» البريطانية لأحزاب وتيارات تتعمد الانتصار والترويج لها ولتصوراتها وأفكارها فى كل مكان، ومثلها «سى إن إن» الأمريكية، و«دويتشه فيله» الألمانية، و«آر تى» الروسية، و«فرانس ٢٤» الفرنسية، فلم تكن «بى بى سى»، أو «الجزيرة» أو «العربية» وحدها المعبرة عن سياسات ملاكها، أيًا كانت طبيعة هؤلاء الملاك، دولًا أم أجهزة أم كيانات اقتصادية خاصة، فكلنا نحب ونكره، نميل إلى أشخاصٍ، ونتجنب مجرد اللقاء بآخرين، وفى الصحافة والإعلام، كما فى الحياة تمامًا، لا مكان للحياد التام، أو عدم الانحياز والتجرد التام من العواطف والانفعالات الإنسانية البديهية، ولو بالحسابات البسيطة، فالميل والهوى، أو قل «الانحياز» إن شئت التخفف.. قليل من وطأة اللفظ، سمات إنسانية طبيعية.. 

لا يملك كائن من كان أن يكبت مشاعره، ورغباته، أو ميوله الشخصية، إذا ما جاءت لحظة الحقيقة، فما بالك إذا ما اتصل الكلام بشئون السياسة، والحكم ومستقبل الأبناء والأحفاد والأهل والأصدقاء؟! هنا تسقط الأقنعة، وتغلب الانحيازات الشخصية، وطنية وقومية، أو حتى عائلية، وهنا تتغلب لغة المصلحة العامة.. لتبقى مصر أولًا وقبل أى شىء، هذه هى العقيدة التى تنطلق منها «المتحدة للخدمات الإعلامية» فى كل ما تنتجه وما يصدر عنها وعن شركائها، لا تميل ولا تحيد عنه مهما كانت التكلفة.

إذا كان اختيارنا هو الانحياز للوطن، وحده، لا شريك له، الانحياز لقيم الحرية والعدالة والجمال، وإعمال العقل قبل كل شىء، والانحياز للحقيقة المجردة، المبنية على معلومات مؤكدة وثابتة، ودون ميلٍ أو تزييفٍ.. فلا تلتفتوا لكتائب الفضاء الأزرق، ولا لغيرها، وليكن إذن.. هى تكلفة الانحياز للوطن، وللحقيقة، وللقيم التى نؤمن بها.. وما أضعفها من تكلفة ندفعها جميعًا ونحن راضون قانعون مبتسمون.. لتبقى «مصر أولًا» دائمًا وأبدًا وقبل كل شىء.